نقد فني  



"الرابسودي البوهيمية": سيرة الحالم الصاخب فريدي ميركوري

تاريخ النشر       08/11/2018 06:00 AM


علي عبد الأمير

أحسن صنّاع فيلم "الرابسودي البوهيمية" Bohemian Rhapsody صنعاً، حين أختاروا مشاركة فريق الروك البريطاني الشهير "كوين" ومغنيه الأساسي فريدي ميركوري (1948-1991) في أبرز حدث موسيقي في القرن الفائت، وهو "لايف أيد" live Aid 1985 والذي أقيم في وقت واحد على جانبي المحيط الأطلسي: ملعب ويمبلي في لندن، وستاد جي أف كي في فيلادلفيا بالولايات المتحدة، كي يكون استهلال الفيلم ومعظم الثلث الأخير منه، ذلك إن الحدث الذي شارك فيه معظم نجوم الغناء في العالم حينها وخصص لإغاثة ضحايا الجوع في أفريقيا، هو من الأحداث الأبرز في الموسيقى المعاصرة، مثلما كانت مشاركة فريق "كوين" هي واحدة من أبرز المشاركات فيه، لجهة قوة حضور ميركوري وشخصيته المؤثرة في امتلاك مشاعر الجمهور.


"الرابسودي البوهيمية" فيلم عن السيرة الذاتية لفريق الروك البريطاني الذي استمد اسمه "كوين" من أغنية بالعنوان ذاته 1975، وضمن محور يتعلق بحياة المغني ميركوري، في انتاج بريطاني أميركي مشترك، ومن إخراج بريان سينغر، وتأليف أنتوني مكارتن، وأنتاج غراهام كينغ والمدير السابق للفريق جيم بيتش، وتمثيل الأميركي من أصل مصري رامي مالك في دور ميركوري، فيما حضر عضوا الفريق الأصلي: بريان ماي وروجر تايلور كمستشارين للفيلم.




وقبل الدخول في العرض النقدي للفيلم، علينا ان نتعرف على معنى "الرابسودي البوهيمية" الذي كان عنوان الفيلم وقبل ذلك عنوان واحدة من أشهر أغنيات الفريق.
"رابسودي" هي مقطوعة موسيقية مكتوبة بدون هيكل محدد، تفسح مجالاً للتعبير الحر وتعبّر عن مشاعر قوية وإثارة عاطفية، أما "البوهيمية" فهي حركة فنانين وشعراء شهدتها باريس أواخر القرن التاسع عشر، وكان أعضاؤها يعتقدون بضرورة العيش "خارج الثقافة البرجوازية التقليدية والطبقة الوسطى السائدة"، والوقوف بالضد من المؤسسة التي كانت تسيطر على الأدب والفن في فرنسا حتى مطلع القرن العشرين"، مع إيمان بفكرة التطرف التعبيري في الفن والأدب.


أحلام الثورة والغضب
الأغنية التي صارت عنواناً للفيلم، لاتبدو بعيدة في جوهرها النغمي والشعري عن الفكرة أعلاه، فهي شكل غنائي "متطرف": تنتقل الأغنية من الهدوء اللحني Ballad والغيتار المنفرد إلى استخدام الأوبرا وصولا غلى "الهارد روك". وهذا التنوع المؤثر لم تعهده اغنيات الروك من قبل، ناهيك عن طولها (ست دقائق)، وشاعريتها التي تصور صبياً يتوسل هيئة محلفين غير متعاطفة بعد اتهامه بقتل رجل.
هذه واحدة من أغنيات الروك الأكثر شهرة على امتداد أجيال، جاءت إشارة لأحلام الثورة والغضب، فقد تكون "هيئة المحلفين" جماعة دينية، كما تشير عبارة بالعربية هي "بسم الله" (ينتمي ميركوري (فاروق) إلى عائلة زرادشتية)، فيما يظهر صوت صغير في الكورس يظهر في الواقع تعاطفاً قليلاً مع المتهم، الفتى الفقير لكنه الحالم بالخروج من حياة أشبه بالمسخ لجهة التداخل العنيف للهويات الثقافية والعناءات الحياتية والنفسية التي واجهها المغني في حياته.
فريدي ميركوري، هو بالأصل فاروق بولسارا (5 سبتمبر 1946 - 24 نوفمبر 1991)، المولود من أصل لعائلة زرادشتية في زنجبار (كانت مستعمرة بريطانية وصارت اليوم جزءا من تنزانيا الأفريقية اليوم)، ونشأ هناك ثم في الهند قبل أن ينتقل مع عائلته إلى ميدلسكس بإنجلترا، في أواخر سنوات المراهقة. وشكل فريق "كوين" في عام 1970 مع عازف الغيتار بريان ماي والطبال روجر تايلور. توفي ميركوري في عام 1991 عن عمر يناهز 45 عاما بسبب مضاعفات مرض الإيدز، بعد أن أسرَ أعضاء فرقته قبيل حفلة "لايف أيد" إنه أصيب بالمرض، الذي جاء بعد سلسلة من العلاقات الجنسية المثلية.

أداء مثالي
بدأ تصوير الفيلم في لندن أيلول/سبتمبر 2017 بإدارة المخرج سينغر الذي ترك العمل في كانون الأول/ديسمبر 2017 بعد غيابه المتكرر وتعارضه مع طاقم العمل ليتولى ديكستر فليتشرDexter Fletcher إكمال الفيلم بوصفه المنتج التنفيذي.

فريدي ميركوري على اليمين ورامي مالك على اليسار

قوبل الفيلم بنقد تراوح بين طوله (150 دقيقة) وعدم أمانته في قراءة أحداث الفريق والمغني والتركيز على "الحياة الجنسية" لميركوري في استمالة للثقافة "المثلية" المؤثرة في الغرب وكونها "ستايل" هذه الأيام، لكن هناك جمهور كبير أكد إن "النقاد أخطأوا بحق الأغنية "الرابسودي البوهيمية" في عام 1975 ، وأنهم مخطئون برأيهم حول الفيلم في عام 2018".
"هذا الفيلم يجب مشاهدته لأي من محبي الموسيقى، أكانوا من محبي فريدي ميركوري أم لا، فالممثلون يلعبون أدوا أدوارهم بشكل رائع. أفضل شيء تفعله هو تجاهل الانتقادات والذهاب لرؤية الفيلم بنفسك" يكتب أحد المشاهدين معلقاً على الفيلم الذي لا يمكن الحديث عنه، إلا وتحضر صورة الممثل رامي مالك مؤدياً لشخصية المغني الحلم والصاخب، عبر عمل مجتهد حقا، لم يعتمد مجرد المقاربة الشكلية (الشبه بعد تدخلات المكياج وتعديل ملامح الوجه والفكين والأسنان البارزة)، بل الأداء الجسدي والنفسي، لميركوري الحيوي وبخاصة في العروض الغنائية الحية، حين كان يأخذ المسرح طولا وعرضا وفي حركات لا تزيدها غرابة إلا الأزياء العجيبة والخارجة على السياق السائد (هل ننسى إنه أول من جعل صورة المغني بالفانيلة الداخلية البيضاء على المسرح صورة مقبولة)؟
هذا هو أول دور بطولة للمثل رامي مالك (ولد في 12 أيار/مايو 1981 الأميركي-المصري في لوس انجلوس بولاية كاليفورنيا لأب وأم مصريين قبطيين). والذي عرف بدوره في مسلسل " السيد روبوت" عام 2015. وبدأ مسيرته الفنية في هوليوود عبر تمثيل العديد من الأعمال الصغيره، قبل دور "كبير" أول في فيلم "ليلة في المتحف " (2006).
وكان تفوق مالك في الأداء واضحاً على امتداد شخصية ميركوري وتحولاتها عدا بعض السطحية في تجسيد الميول الجنسية التي صارت "مثلية" معلنة، والتي لم تقنع كثيرا حتى مع المشاهد الواضحة، على العكس من المثالية في أداء مشاهد الغناء وعلاقته مع فريقه الذي صار علامة للغناء الغربي المعاصر.



وإذا هناك لحظات آسرة في حياة المغني ميركوري، فقد برع الفيلم في تعزيز دلالاتها، كتلك التي جسدت إحساسه بالوحدة والضعف والحاجة إلى الخروج من الظلمة الروحية الخانقة حيث حفلات المثليين في بيته بألمانيا بعد افتراقه عن فريقه الغنائي، ووصول زوجته السابقة لحثه على المشاركة في حفل "لايف أيد" بعد أن أحكم رفيقه الجنسي عليه الأبواب ومنع أي أتصال به. هنا جاءت "حبيبة عمره" كما ظل يصفها، كشعاع من نور كشف ظلمة حياته، مثل كان المطر الغزير على مكان اللقاء المتمثل بفسحة المنزل الواسعة، كافياً للإشارة إلى حاجته لممر نظيف آخر إلى حياته.
مثلما يمكن للمشاهد أن يتوقف عند الأسى العميق لوالدي ميركوري حين رافق ابنهما صديقه إلى منزلهما ويبلغهما إنه على علاقة "مثلية" به. ثمة الإحساس المزدوج بالخذلان العميق والشفقة أيضا في مشهد مكثف المشاعر.
غير إن ما يسجل على الفيلم، استغراقه في تفاصيل كان يمكن الاستغناء عنها دون التأثير على المسار الدرامي والتاريخي، وبالتالي حذف نحو 30 دقيقة بدت ثقيلة وبطيئة وتحديداً تلك التي شكلت منتصف الفيلم تقريباً.






 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM