كما تفعل الروايات الكبيرة ..مسلسل الشهد والدموع يرسم ملامح حياة كاملة

قاسم عبد الأمير عجام

تاريخ النشر       02/11/2009 06:00 AM


     ليس مبالغة القول ان مسلسل "الشهد والدموع" يرسم ملامح حياة كاملة كما تفعل الروايات الكبيرة والمؤلف ينهض بالمسؤولية الكبرى في ذلك، ليس في اختياره موضوعه فقط وانما في توزيعه لعناصر تلك الحياة على شخصيات قصة، وفي ذلك التوزيع لم يغفل حقيقة مواقع تلك الشخصيات من عوامل الشد والجذب في الحياة التي يرسمها، فتبعا لتلك المواقع كان نصيب الشخصية من المعلومات والاضاءات التي يرفد بها القصة وتبعا لخبراتها وعلاقاتها كان الحوار لغة ومضمونا.
على ان توزيع عناصر الحياة على الشخوص لم يكن مسألة فنية وانما حكمته ارادة ان يكون لكل منها قضية فبدون ذلك لن تنبض الشخصية بالحياة ولا تشع بألق التأثير ولذلك استطعنا ونستطيع ان نستعيد قضايا اكثر شخصيات المسلسل ان لم نقل كلهم وحتى أقلهم إسهاما في الاحداث على تفاوت في حجم تلك القضايا واختلاف في طبيعتها والعوامل المؤثرة فيها، فاذا كانت دولت هانم ( نوال ابو الفتوح ) لها قضيتها ممثلة باكتناز الثروات والالتحاق بمن تعتبرهم الطبقة الراقية واشباع انانيتها لسحق كل من يعارض حتى لو كان زوجها او ابنها، فإن قضية أمونة ( هانم محمد ) كانت تنحصر في الوفاء للبيت الذي قضت عمرها تخدمه حتى اصبحت كبيرة خدمه وهو بيت رضوان الحلواني ولذا تحاسب وتلوم كل من تتلكأ في اداء واجب في المطبخ، واذا كان حافظ رضوان يجد نفسه في توسيع تجارته على حساب كرامته امام زوجته وعلى حساب حقوق شقيقه واولاده فقد كانت زينب جعفر ( عفاف شعيب ) النقيض الصعب الذي لا قضية له إلا استعادة تلك الحقوق وتأكيدها واخضاع كل شيء لهذا الهدف الأمل !!
على ان ذلك لم يكن حبكات مبثوثة هنا وهناك وانما علاقات ورؤى تسحب داخلها تلك القضايا وتؤثر فيها وفي سبل ادراكها ولذا تستقطب الشخصيات المركزية وقضاياها العديد ممن يجد مصلحة في الانتظام في فلكها وهكذا نجد تحالفات على هذا الجانب، من جوانب الصراع، او ذاك.
فنيا، كانت تلك الطريقة في بناء الشخصيات والاحداث تسمح بنمو الشخصيات نموا طبيعيا، عمرا وفكرا وموقفا لكن بعض الشخصيات جاءت محتشدة بمواقف كونتها عوامل سابقة لم تتغير مع تدافع الاحداث وانما اتسعت أو امتدت في الاتجاهات نفسها ولذا بقيت تلك الشخصيات بدون عمق رغم سعة المساحة التي تتحرك عليها كشخصية دولت أو كشخصية مختار البرهامي بينما راحت شخصيات اولاد حافظ واولاد شوقي تنمو بفعل التربية والعلاقات باتجاهات شتى وتنتقل من موقف الى آخر او تصطلي بِحِيرة البحث عن قناعه، وما بين هذا وذاك تتاح للمشاهد ان يقيم هو الآخر علاقته ويحدد انحيازه متفاعلا بالسلب او الايجاب مع افكار ومصالح جوانب الصراع وما كان ذلك ممكنا لو لم تكن قضايا الشخصيات التي جسدت قصة الشهد والدموع مما يتصل بواقعهم باكثر من وشيجة صدق، بل كان المؤلف أسامة انور عكاشة يقيم على حركات ابطاله وعلاقاتهم واقعا ينتمي لمصر بالملامح ولها ولعموم الانسان العربي بالروح والمعاناة والموقف في مزيج شديد التجانس بين الخاص والعام فاذا حق الارث يتسع ويتعمق ليمتد على ساحة الحق بالوجود ويصبح الدفاع عن ذلك الحق ثباتا على موقف واثراء للروح بمقومات النمو والتطور وذاك ما عبرت عنه مكابرة زينب وصمود اولادها معها على شوك الصبر ونار الحاجة ولظى التوق الى غد محرر من الظلم،  وعلى الجانب المضاد كان الظلم ومصادرة الحقوق يمتد الى التفريط بمصلحة الوطن والتساهل في الكرامة واستباحة المحرمات القانونية والشرعية وهكذا كانت دولت و حافظ، واعتباهما، يحصدان حقد المشاهد على اكثر من صعيد ولأكثر من سبب ... وكل في منطق منسجم مع جذوره فدولت هانم موتورة لاكثر من سبب، فاذا تركنا إهانتها لتفضيل شوقي لزينب عليها كزوجة فهي سليلة عائلة ارستقراطية أورثتها التعالي وامتهان كرامة الناس وقبل هذه وتلك فهي سليلة دم اجنبي أدمن الاستغلال والاستبداد القومي ولذا كانت تبلغ ذروة الحقد كلما اتصل الامر بما يمت للروح المصرية، خطيئة كبرى ان يكون زوجها ابن حي السيدة زينب ... وخطيئة اكبر ان يرتدي زي ابن البلد المصري، وخطيئة الخطايا ان يسكنوا حيا مصريا ! ولأن شوقي وروحه مصريان شديدا العمق وارتباطه بزينب يعمق تلك الروح, فقد كان حقدها يستعر كنار في مهب الريح كلما نجح أو اوشك على نجاح، وزينب مصرية الروح مصرية المعاناة تسلحت بالمكابرة لتقاوم فقد الأم وبها لتقاوم الفقر وبالكرامة لتضيف لجمالها عمقا، وبالاقتحامية لتواجه الغبن او اولئك الذين يستصغرونها ! نقيضان في الجذر نقيضان في المنطق نقيضان في السلوك ولكي نلمس مفردات ذلك التناقض لا بد من يقظتنا ولا بد من اجتذابنا، وهكذا كان المخرج اسماعيل عبد الحافظ معتمدا على ما وفرته قصة اسامة انور عكاشة وابطالها واحداثها من دعوة للمتابعة وانطلق يتولى عوامل الاجتذاب بنفس المثابرة والحيوية واليقظة ايضا معتمدا اللقطات القريبة والكبيرة لمعظم ابطاله، والواقع ان ذلك ما كان يمكن ان يكون مقنعا لو لم تكتنز كل الشخصيات بقضية كما اشرنا، ولذا يكون تناوب الشخوص على الشاشة متفقا مع اهمية ما يحملونه من معلومات واثره المباشر في تطوير هذا الحدث او الاشارة الى تلك الواقعة بالتفسير او التمهيد، وفي ذات الوقت كانت تلك الطريقة توفر ايقاعا بالتدافع يتماشى مع اهمية الموضوع وما فيه من قدرة على التفجر وما فيه من عناصر للتشويق وتحفيز المتابعة.

قاسم عبد الأمير عجام: ريادة في شكل نقدي جديد اسمه "النقد التلفزيوني"

على ان اللقطات الملائمة ليست هي كل عدة المخرج وانما كان تعامله مع المكان دقيقا سواء للتعبير عن المستوى الاجتماعي لابطاله او لتوفير اعماق اضافية للاحداث بما فيها اعماق زمانية ولذا كان الديكور ذا شأن خاص في رسم تأثير المكان على بناء المسلسل وتشكيل لغته الفنية لاسيما ديكور بيت زينب في حي المغربلين شديد الانسجام مع الحارة التي يطل عليها ... وكل ذلك عقد بين المشاهد والمسلسل أواصر ثقة مكنته من الانصراف الى التفكير بمصائر الشخوص والاصغاء لها لاسيما وقد تأكد من جدية الصراع الذي لف الجميع واتضاح معالم القضية التي يلتزمها كل طرف واتباعه.
والحق ان المخرج في عمل حسن التأليف كـ"الشهد والدموع" قد يكون بين شقي رحى السهولة والصعوبة معا !! نعم، فان البناء المتقن للشخصيات، والسيناريو والحوار البليغين عوامل توفر للمخرج ثراء في المادة ومساحة للتحرك، وحتى انتباهات تزيد فرص نجاحه كاستثمار الأغنية في صميم الاحداث والحوار وبناء الشخصيات، ولكن ذلك الثراء نفسه يلقي بمسؤولية اضافية على المخرج فهو ان لم يستوعب آفاق واعماق القصة وبناء احداثها وشخوصها لن يستطيع اكتشاف مكنوناتها واضاءة جوانبها، ولذا كنا نرى المخرج ومساعدوه في حركة دائبة لالتقاط كثير من خيوط النسيج واعادة نسجها بالصورة والحركة والموسيقى والديكور والاكسسوار سواء دارت تلك الحركة في الاستوديو او امتدت الى الشارع او جوانب الطبيعة.
حقا ان فريق التمثيل كان في حالة استنفار ابداعي ان صح التعبير ولكن ذلك التألق ما كان ممكنا دون امتداد الشخصيات التي يجسدونها عميقا في ارض الواقع، ودون التقاط الفريق الفني الذي قاده المخرج لتلك الحساسية التي اقدم بها كل افراد الفريق على اداء ادوارهم وتوفيره افضل الاساليب للاحساس بجدوى الاداء وفتحه الابواب امامهم الى ضمائر وقلوب المشاهدين ... ولذا كانوا على علاقات حميمة معنا بصرف النظر عن اتجاه تلك العلاقة !! احببنا بعضهم وذلك نجاحهم ... وكرهنا بعضهم وذلك نجاحهم وكنا نستحث هذا على الاقدام وننصح ذاك بالتريث ... وكل ذاك جوابنا على ما قدموه ونجحوا فيه !!! حسنا ولكن هل تمنعنا تلك الاواصر الحميمة التي شدتنا بالشهد والدموع الى شخصيات واحداث مؤثرة وممتعة، من وقفة إزاء بعض الاحداث او وقفة حوار اخرى مع بعض الافكار والحلول والمعالجات؟ بكل الحب والاعجاب للمسلسل مؤلفا ومخرجا وممثلين ... نقول لا ... لن تمنعنا تلك الاواصر من وقفة حوار اخرى وذاك هو محور مقالنا القادم.

-2-
مثلما كان بناء واخراج المسلسل دافعا لقول الكثير، فان موضوعه وافكاره تستدعي وتسمح بالكثير ايضا وذلك دليل خصبه وحيوية قضاياه او قضيته الاساس بكلمة أدق.
وقضية "الشهد والدموع" الاساسية كما نرى كانت عملية تشريح متأني لبعض صور الاستغلال، وكانت متابعته بالأدلة لفلسفة الطبقات المستغلة وتعرية ما فيها من نفاق ولؤم وانتهازية وقسوة ... وكانت اهم مداخل النجاح في ذلك هو الانطلاق من داخل أسرة واحدة، والسير عبر تطور احوالها وعلاقاتها ففي ذلك المسار يكتسب كل موقف حميمية خاصة ويكتسب التغير، تطورا أونكوصا، حجما وعمقا ملموسين، كما يسمح للعوامل الاجتماعية اقتصادية أو اخلاقية أو سياسية وللعوامل البايولوجية كالوراثة ان تترك بصماتها بوضوح ضروري لعرض القضية وآثارها وابعادها، بل ان منهج المؤلف نجح تماما في ترسيخ حقيقة العلاقة العضوية بين الخاص والعام، والعلاقة العضوية بين ما قد يبدو مجرد قضية عائلية وبين السياسة في بعديها الوطني والاجتماعي، وذلك نجاح مرموق ومفيد تربويا" وفكريا".
ولفرحنا به وحرصنا على ان يبقى في بؤرة اهتمام المشاهد ونقطة انطلاقه لتفسير احداث المسلسل كنا نتمى ان يوظف المؤلف المحطات التاريخية التي تمهل عندها واوقف بعض حلقاته عندها بشكل اكثر حيوية لاغناء احداثه وشخصياته.
فاذا كان الجزء الاول من المسلسل انتهى عند زينب وهي تجزم بوجه دولت بثقتها من الغد والفوز فيه قائلة لها بتحد وكبرياء شامخ بيني وبينك الأيام ... فقد كان موفقا تماما ومقنعا تماما لأن ذلك جاء مع قيام ثورة يوليو 1952 وطرد الملك في 26 تموز 52 ... ولذا وضعنا كمشاهدين في مواضع الثقة بغد زينب وهيأنا فنيا وفكريا لتلمس حضور كثيف للأجراءات الثورية في تشكيل مسار الاحداث ومصائر الشخصيات، غير انه في الجزء الثاني لم يبرر حساباتنا تلك رغم انه أشار للعديد من الاحداث الكبيرة ونجح في ربط بعضها ببناء عمله فان تهرب حافظ رضوان من القرارات الاشتراكية كما سميت عام 61 اذا كان قد سمح للاحداث بالاستمرار بالصعود وللقضية الاساسية بالتعمق فانه ايضا أفادنا في الربط بين فساد الجهاز البيروقراطي الذي سمح بذلك التهرب من خلال نيازي الارناؤوطي(رشوان توفيق) وبين نمو بذور هزيمة حزيران في جسد النظام،  الذي كانت الثورة تشيده، وذاك توظيف ولو محدود إلا انه جيد إحدى منعطفات الثورة الاساسية في بناء الاحداث ومصائر الشخصيات غير انه بقي ينقصه الاستفادة من ملامح المجتمع في الفترة التي سبقت النكسة والتي اعقبتها، إذ لايكفي مجرد التوقف عند النكسة النفسية التي حولت حسين شوقي ( محمود الجندي ) من الالتزام الى اللاابالية والضياع ! نعم، اننا لا نريد ميكانيكية أو مباشرة في الربط بين الاحداث السياسية وبين حوادث المسلسل وعوالمه ولكن مادمنا بدأنا بنجاح في تلمس الصلة الطبيعية بينهما، فان تجاهل تطوراتها يوقعنا في فراغات لن تنجيها احداث جانبية من اعتبارها ثغرات في النسيج العام ... أو في احسن الاحوال يجعل تعاملنا مع المحطات التاريخية اقرب للانتقائية التي تسقط في مضائق المزاجية وهو ما كان واضحا في التقاط تأثير النصر العسكري لحرب اكتوبر على نفسية البطل احمد شوقي ( خالد زكي ) وتجاهل آثار اخرى أو الاكتفاء بنتف من الآثار على هذه الشخصية او تلك دونما تأن في غرسها في ارض القصة الاساسية وان كنا لا ننكر ان ذلك الانتقاء كان يتفق مع التوجه العام للمسلسل وهو الانتصار للحق وتيار التقدم في المجتمع والحياة.
اضافة لذلك، شابت المسلسل اطالة أفرزها تكرار لمنهج بعض الشخصيات المركزية في صور متعدد كمتابعة العديد من الدسائس التي كان يرتبها فريق حافظ رضوان ممثلا بزوجته أو بمختار البرهامي ( صبري عبد المنعم ) أو بنفسه هو لعائلة شوقي لاسيما تلك التي رأيناها في الجزء الثاني بعد ان تغير الجميع عمرا وفكرا، كما انه بدا أقل اقناعا في بعض المواقف لاسيما تلك التي تتكرر فيها اهانات دولت لزوجها ويتكرر خضوعه لها بنفس الوضع الذي كان عليه في اول الشوط بالرغم من انه يذكرنا انه تغير موقعا وتغير وزنا ... وكنا نرى طبيعيا ان تتخذ علاقته بزوجته وجهة اخرى إن لم تختلف جوهريا لعمق الخلل الذي يحكمها، وهو أمر مفهوم، فعلى الأقل تختلف في الشكل إذ كان يكفي لتجسيد عمق خللها تحول دولت من الاهانات العلنية لزوجها وهي اهانات غير مبررة موضوعيا إزاء خضوع زوجها وحرصه على اجابة رغباتها ... تحولها من ذلك الى استمرار دسائسها الخفية لاختلاس أمواله وتدعيم علاقاتها الخاصة ! وبالمثل لم يكن اندفاع مختار البرهامي في غلواء الدس على اولاد شوقي وحماسه في ايذائهم مقنعين تماما إلا في حدودها الاولى، لاسيما وانه غير صادق حتى في محبته لحافظ أو الحرص على مصلحته إلا إذا كان ذلك لمجرد تقديم شخصية مريضة بالحقد والشر لايضيف تدميرها بكارثة انسانية كالتي حدثت لإبنه، أي بُعد فكري أو درامي للعمل الذي نحن بصدده.
لكننا من ناحية ثانية نسجل للمؤلف أسامة انور عكاشة عدم وقوعه في أسر المصائر المتوقعة أو المرسومة وفق مقاييس مسبقة إذ ترك لأغلب شخصياته ان تنمو متأثرة بمحيطها ومعاناتها حاملة لنا مفاجآت تعلمنا وتمتعنا اضافة لما تتركه فينا لحسابها من خصوصية وتميز، بتلك الطريقة رسخت شخصية احسان(رجاء حسين) كعمة وكسيدة بيت من نوع خاص وكنصيرة للضعيف وللحق منتقلة من موقعها كعانس من نوع خاص ! ... وبنفس الطريقة الحافلة بالمفاجآت نمت وازدهرت شخصية هاني بينما استمرت تتعثر شخصية احمد حتى بلوغها الوعي فكان وعيا صعب المخاض وذلك يتفق فعلا مع صعوبة الانتقال من المواقف الجاهزة والعقد الموروثة الى رحاب الوعي ... ولكنه مع هذه الشخصية بالذات انزلق الى نوع من التكرار أورث المشاهد بعض الملل على حساب مواقف واحداث كانت بحاجة لوقفات اخرى أو عودة ثانية، على عكس شخصية ناهد ( نسرين ) التي استمرت تنمو بانسجام بليغ مع تجربتها من ناحية ومع ثقافتها ومع تخصصها الثقافي من ناحية ثانية حتى تبلورت كنموذج فني وفكري ان جرحته التجربة الشخصية فانها لم تفقده ادراك الثوابت وان اهتزت بفعل عمق الجرح بعض المرئيات لارتباطها بالآمال.
  والواقع ان المسلسل حفل بالشخصيات النماذج التي يمكن الحديث عنها وعن مكوناتها ودورها في اقامة خيمة المسلسل الدرامية ففضلا عمن ذكرنا، يمكن الوقوف عند شخصية وحيد ( عبد العزيز مخيون ) والاسطة جعفر ( احمد الجزيري  في القسم الاول وعبد المنعم ابراهيم في القسم الثاني ) وما تحمله كل شخصية من دلالات وتأثير في الاحداث أو تأطيرها بوجهات نظر تكمل الفكرة التي تحملها الاحداث والشخصيات المركزية ولكن اعتماد النماذج البشرية في المسلسل يتطلب كتابة اخرى غير هذه التي نحرص على شمولها وعلى ايجازها دون ان نستطيع ... إذ ليس باليسير تأطير حياة كاملة في صفحات رغم ان القسم الثاني يسمح لنا بتجاوز كثير مما فيه لما احتواه من إطالة وهوامش وحبكات ملحقة وحتى إملال في بعض حلقاته التي لم تتقدم بما سبقها، ولكننا لا نستطيع تجاوز النهاية وهي نهاية ليست تقليدية سواء بالمعيار الدرامي لنمو الشخصيات وعلاقاتها أو بالمعيار التاريخي ... انها نهاية صنعها المؤلف ولكنها رغم اختلافنا معه، تحمل شيئا ليس قليل من المنطق ولعل ابرز ما فيها ان المؤلف عمد فيها الى اصل الخلاف فألغاه، واصل الخلاف المال وهو امر قد يكون مقبول نظريا باعتبار ان إلغاء المصالح المادية الاستغلالية اساس علاقات انسانية نظيفة غير ان النهاية تجاهلت ما أكدته العديد من حلقات المسلسل أحداثا وحوارا، من أن المسألة ليست المال فحسب بل هي حقوق الآدمية وكرامة العيش وتضحيات عصرت في الانسان الذي مثلته ( زينب ) اجمل ما في العمر .. غير انها من ناحية ثانية تقول لنا ان صبر زينب وتضحياتها لم تذهب هدرا، حقا انها لم تسترد المال ولم تحاسب الظالم، لكن مكابرتها وصمودها وتسلحها بالرفض والتمسك بالغد الحلم، صانها من السقوط، وجنبها الانكسار ووفر للأسرة التي قادتها، التماسك ونظافة الروح والقدرة على مراجعة الذات وهي امور تدل على قوة الشخصية بينما تمزقت اسرة الظلم ... اسرة حافظ رضوان، شر ممزق لاسيما قطبها اللئيم دولت ووريثها المتأمرك سمير ... فكأن النفس الاجنبي ليس له سوى الاتكاء على اجنبي واللجوء اليه ... وفي اية موازنة لتلك النهاية يمكن التأكد من انتصار المظلوم، ولقد نفذت بكثير من البراعة وجمال الأداء، لنقف عند قصة، لن ننسى من جسدها لاسيما عفاف شعيب ومحمود الجندي واحمد الجزيري ونسرين ويوسف شعبان رغم تشنجه هنا وهناك، وسيبقى حمدي غيث مهيبا في واحد من ادواره الجميلة ... وسنذكر طويلا نبيل الدسوقي ( عبد البديع ) وسيد عبد الكريم ( عبودة ) ومحمد فريد ( محروس العجلاتي ) كممثلين مبدعين التقطوا اعمق ما في الشخصيات التي احيوها، وسنذكر معهم كل فريق التمثيل الذي تكامل وتفاعل في خطاه وادائه كما يتألق فريق مقتدر بالابداع.
وإذ نكتفي بهذا، وهناك المزيد يمكن قوله ... فمن الامانة ان نقول لصديقنا التلفزيون شكرا، فقد أسعدتنا ..........



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM