حوارات  



صليبا: إخترت المسرح الغنائي لأنه يجمع بين الثقافة والجمال والترفيه

تاريخ النشر       09/12/2009 06:00 AM


غسان صليبا بعد ظهور لافت في القاهرة:
إخترت المسرح الغنائي لأنه يجمع بين الثقافة والجمال والترفيه

حاوره في القاهرة: علي عبد الأمير
في حين تذهب معظم الأصوات الغنائية الجديدة, الى ميدان الغناء الرائج حيث "سوق الشريط" ومؤشرات الاستهلاك, وصناعة المشاعر العابرة, اختار المطرب اللبناني غسان صليبا نهجاً مغايراً لهذه السيرة, انطلاقاً من كونه "انتمى للمشاعر التي تشبهه وتنسجم معه", وراح يجد ذاته في قوالب غنائية وموسيقية, لبنانية وعربية على قدر من الرصانة, حتى حقق حضوراً لافتاً في أكثر من عمل مسرحي – غنائي خلال السنوات الماضية, وانطلقت عبر الفضاء المسرحي, قدراته الصوتية لتمتزج بتعبيرية عالية انطلاقاً من امتزاج الغناء والموسيقى بدلالات درامية للحدث المسرحي.
 هنا لقاء مع غسان صليبا على هامش مؤتمر ومهرجان الموسيقى العربية الثامن في القاهرة, وكان احيا فقرة غنائية في حفل افتتاحه, تضمنت أغنيات لبنانية ومصرية.
 
* كنت مدعواً للمشاركة في تظاهرة غنائية – موسيقية  قد تكون الأبرز في تظاهرات الغناء والموسيقى العربية, ما الذي يعنيه وجود صليبا في تفاصيل حدث فني كهذا؟
- أعتبر دعوتي شهادة عن كوني أقدم فناً غنائياً فيه مستوى ما, فالمهرجان حدث مهم أتمنى أن يتكرر ويجد مثيلاً له في اكثر من بلد عربي, وذلك من اجل ان تسير الموسيقى العربية مرة اخرى نحو سياقاتها الصحيحة والسليمة, فهناك جيل جديد قد لا يعرف عبد الوهاب وقيمته الغنائية والموسيقية, كذلك الحال مع القصبجي, وقيمة مهرجانات كمهرجان الموسيقى العربية, انها تذكِّر بالقوالب السليمة للغناء العربي, وأنها تشير الى ضرورة ان يكون التجديد انطلاقاً من هذه القوالب, هكذا ارى مشاركتي في هذا المهرجان, وأرى ان وجود مستويات عدة في المهرجان يصبح عامل إثراء وتنافس غير معلن, غير أنه بالتأكيد ينعكس ايجابياً على المستوى الفني للمهرجان من جهة ويخلق حالة من تعميق الصلة بين المطربين وجذورهم الموسيقية من جهة أخرى.
 

غسان صليبا: اليوم هناك نهج تدميري للجميل في الغناء والموسيقى
 
* تكثر المهرجانات الفنية في أكثر من بلد عربي, ما علاقة التشابه (اعتماد  الغناء والموسيقى) بين تلك المهرجانات ومهرجان الموسيقى العربية؟
- العلاقة مختلفة على رغم اعتماد مادة واحدة. ففي مهرجان الموسيقى العربية, لا تحدث "المآسي" التي ترافق عادة مهرجانات الصيف الفنية العربية. نعم الناحية التجارية مطلوبة, وتستخدمها مهرجانات الصيف "حجة" في تلميعها صورة الفن الغنائي الهابط. ولكن لا بأس من المزاوجة كأن لا تقتصر المهرجانات على جانب واحد, يصبح معه الربح المادي هدفها. فلا بأس من أن يكون هناك "فنان شباك تذاكر" في ليلة, وفنان على مستوى راق فنياً, قد لا يكون "شباك تذاكر" في ليلة أخرى. غير ان ما يحصل في مهرجانات الصيف "الفنية" العربية أقرب الى المصيبة, فالتجاهل يشمل حتى أصحاب المواهب الكبيرة في الغناء والموسيقى عربياً. ويحد ذلك التجاهل من الدواعي الربحية المادية غطاءاً لتمرير نهجه التدميري للجميل في الغناء والموسيقى. وبات الحضور الطاغي للشكل السائد والمعلن من الغناء يمارس ارهاباً على الذائقة, أنا ادعو الى فقرات متنوعة في فعاليات أو برامج هذه المهرجانات كي يصبح للناس حرية وقدرة على الاختيار. وعلى سيرة  "الإرهاب الفني" الذي تمارسه المهرجانات وما يصاحبها من ضجة إعلامية, أقول ان هناك ضحكاً على الجمهور, فالإعلام غير المسؤول, يمارس تزويراً فيمنح ألقاباً, ويندرج في مظاهر تفخيم لإسم أو أكثر, وهو بذلك يقوم بدور تضليلي.
 
* هل تجد في انشغالك المسرحي ابتعاداً لك عن الغناء؟
- خيار المسرح الغنائي كان بمثابة قناعة لي, فهو فيه ترفيه بمقدار ما فيه من فكر وثقافة والعمل المسرحي – الغنائي الجيد, عمل جيد للأغنية كذلك. هكذا وجدت نفسي في صلب روحية الغناء وقوالبه الرصينة ولم أجد ان المسرح الغنائي أخذني بعيداً من الغناء, ولو تحدثنا عن التجارب في هذا الشأن لوجدنا ان المسرح الغنائي اللبناني بات يعتمد أساليب وأشكال المسرح المعاصر في عناصر الإيقاع والصورة وموقع الموسيقى والغناء في دلالات الأحداث الدرامية. خذ مثلاً المسرحيات التي اشتركت فيها "صيف 84" و "الوصية" لمنصور الرحباني و "هنيبعل" لغسان الرحباني. والمسرح الغنائي يجد صدى طيباً عند الجمهور لو كان مشغولاً بعناية. والجمهور ليس بالضرورة جمهور مهرجانات. ومن هنا المسرح ضروري. التنويع مهم, فيه غنى للفكر والجمهور معاً, وهو كمكان يمنح الفن, عمقاً ساحراً.
 
* على سيرة المكان والغناء, الغناء نجده في أمكنة متناقضة التأثير والدلالة, فهو في المطعم, في دار الاوبرا, في المسرح, في النوادي الليلية وفي استديوهات التسجيل, ماذا تقول؟
- بين المكان والغناء علاقة يحددها الفنان قبل كل شيء. فعليه تقوم مسؤولية تقديم المادة الفنية, في المطعم, المكان مختلف والغرائز تتقدم على التذوق الروحي. كذلك الحال في أمكنة مشابهة. والمكان حتى لو كان رفيعاً فهو لا يمنح الصفة ذاتها للعمل الغنائي إذا لم يكن صاحبه رفيعاً بالأصل. فهناك مثلاً من قدم في دار الاوبرا مادة غنائية أو عرضاً موسيقياً أقل من مستوى دار الاوبرا بكثير.
 * لا يبدو غريباً ان نقول ان ملامح الأزمة في الغناء والموسيقى اليوم, محصورة في الوطن العربي, بل هي أزمة عالمية, ما الخيارات المتاحة للخروج من الأزمة؟
- عدم الاستقرار اجتماعياً وسياسياً, ينعكس على كل شيء. فالاستقرار والديموقراطية الحقيقية ينعكسان بنتائج إيجابية على المؤشرات الثقافية والاجتماعية. وأرى خيارات الخروج من الأزمة, متاحة من خلال ايجاد علاقة ثقة بين أهل الفن والثقافة ورموز السياسة والاقتصاد في بلد ما, علاقة ترى في تكامل نشاطهما طريقة للخروج بالانسان من قلقه ورعبه من سؤال الغد, طالما أنهما يسعيان الى هدف واحد: بناء مستقبل آمن للإنسان.
 
* كأنك في حماستك للمسرح الغنائي ووعيك الاجتماعي تقترب من نهج زياد الرحباني؟
-  أنا مع الطريقة التي يشتغل عليها زياد, مع لغة مسرحه. لكن ما يعانيه زياد هو ما يعانيه معظم الفنانين, مشكلة انتاج, مشكلة استقرار. وهما باعثا قلق سلبي, يؤثر على العطاء. زياد فنان كبير في المسرح وفي الاغنية, وتشغله قضية الوجود الانساني. ولكنه في طرحه هذه القضية لم يتحول معلماً وعظياً, بل ظل من طينة الفنانين الذين يشغلهم هاجس التغيير, وأعطي مثالاً حياً على أولئك الذين أسقطوا شرط الترفيه في الفنان كي يصبح مقبولاً وشعبياً.
 
* هل لك ان تذكر أمثلة من فنك الغنائي قارب هذا المعنى؟
- لي أغنية "كل شيء تغير" من الحان (وكلمات) إيلي شويري, وغنيتها في "ريستال", كذلك أغنية "أهل الارض" للفنان نفسه, وهما كانتا بمثابة صرخة ودعوة من أجل العون, المحبة المفقودة, وكنت فيهما الى جانب الطرب مشغولاً بالوجع الانساني, بهموم الناس. وتعميقاً لهذا المعنى في سيرتي الغنائية, اتصلت بالفنان زياد الرحباني, مثلما انا على اتصال بفنانين آخرين لإنتاج عمل غنائي – موسيقي, باعتبار العمل إذا وثقته أسطوانة أو شريط, يصبح أكثر اقناعاً وتأثيراً تبعاً لسهولة وصولهما الى الجمهور.
 
* من يسمع كلامك يرسم صورة ضيقة للحدث الموسيقي والغنائي لبنانياً, فيما نحن نتابع نشاطاً دائباً, فإضافة الى الرموز اللبنانية والعربية ثمة بافاروتي, أزنافور وأوركسترات شهيرة ... ما دلالة كل هذا؟
- نعم ثمة نشاط وكل الأسماء تجد صداها. لا بأس ان يكون عندنا في حفل أو اكثر بافاروتي أو ازنافور ولكن أين الفن النابع من ذاتنا؟ ما علاقة الجديد الذي نسمع ونحضر بما هو حميم وقريب الى صورتنا؟ ما مجال عطاء الفنانين اللبنانيين والعرب الداعم للأصالة؟ هناك إحساس بالضياع, شيء يشبه هذا وشيء يشبه ذاك وتوقعنا أن نشبه حالنا.
 
* ما الإطار الذي يراه غسان مناسباً لعمله الغنائي والموسيقي؟ وما امكان التجديد؟
- يحاول أن يعطي اغنية ملامحها, شكلها الحقيقي, هدفها ... أن تحكي لهجتنا وتحكي عاداتنا, منها تغير في الايقاع وفي "الميلودي", فيها نوع من الانتفاضة, فيها الشرقي والغربي, فيها الانفتاح على الدول الأكثر حاجة الى تقليده بالطبع.

*نشر الحوار في صحيفة " الحياة"  22 كانون الأول 1999 ولاحقا في مجلة "الموسيقى العربية".



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM