(مهرجان بابل)2000.. العرب "أخوة يوسف" وإن حضروا مغنين راقصين!

تاريخ النشر       09/12/2009 06:00 AM


عمّان – علي عبد الأمير
استغرب المراقبون ان يخرج نائب رئيس الجمهورية العراقي طه ياسين رمضان من حفلة افتتاح الدورة الثانية عشرة لمهرجان بابل* ليصب جام غضبه على "الموقف العربي من الحصار على العراق", فوصف موقف الحكومات العربية بأنه " اكثر من سيء" وان "الحكام العرب لا يريدون على ما يبدو إغضاب العزيزة امريكا" في اشارة الى عدم وصول طائرة عربية الى "مطار صدام" في "موسم التضامن الجوي" الذي تشهده بغداد هذه الأيام.
 

مجسم يمثل باب عشتار في مدينة بابل التاريخية حيث يقام مهرجانها الفني
 
وظهر لاحقاً ان رمضان تأثر على ما يبدو بأوبريت الافتتاح الذي حمل عنوان "اخوة يوسف" وفيه غنى مطربون عراقيون "شكوى بلادهم من موقف الاخوة العرب", لتبدأ دورة جديدة للمهرجان الذي تحتضنه مدينة بابل التاريخية (100 كيلومتر جنوب بغداد), وبدأ اول مرة في عام 1987 بفكرة من الراحل منير بشير واعتماداً على صلاته الواسعة بموسيقيي العرب والعالم, إلا انه توقف في العامين 1990 و 1991 حين غزا العراق الكويت, ما أدى الى شن حرب عليه من جانب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وعاد المهرجان عام 1992 لينتظم سنوياً من 23 ايلول (سبتمبر) الى الأول من تشرين الأول (اكتوبر), تحت شعار "من نبوخذ نصر الى صدام حسين ... بابل تنهض من جديد على طريق الجهاد والبناء المجيد", غير ان ضعف المستوى الفني ظل هو الغالب على احداثه, ولم تشهد مسارحه "المسرح البابلي" و "قاعة العرش" و "معبد ننماخ" عروضاً غنائية أو موسيقية لافتة, عدا تلك الاجواء التي كانت تثيرها مشاركة فنانين عراقيين معروفين .
 ومع اتساع علاقات العراق الاقتصادية, "اقنعت" شركات ايطالية واماراتية وروسية وفرنسية ورومانية وبلغارية فرقاً غنائية وفولكلورية من بلدانها بالمشاركة هذه السنة في المهرجان, مثلما استطاعت قوى سياسية "مؤيدة" لبغداد في الاردن وقطر والسودان وتونس ان "تجند" فنانين للاشتراك في المهرجان الذي لم تظهر أيامه الثلاثة الاولى مستوى فنياً, فالمشاركون اقل من هواة وتم تجميعهم على عَجَلْ. 

روسيات في بغداد للمشاركة في مهرجان بابل

وساهم تحسن العلاقات العراقية – المصرية  في اول تمثيل مصري رسمي منذ عام 1991 في مهرجان ثقافي عراقي, وهو ما لاقاه وزير الثقافة والاعلام همام عبد الخالق بالثناء, إذ احتفى بالوفد المصري الممثل بوكيل وزير الثقافة أبو الحسن سلام وبالصحافيين المرافقين للوفد, فيما كان المطرب ايهاب توفيق ابرز النجوم العرب, إضافة الى "فرقة رضا للفنون الشعبية".
 

المصري ايهاب توفيق في بغداد

الآثاريون العراقيون يجدون في "مهرجان بابل" فرصة للخروج من عزلة تكاد تلقي بجهدهم في "إطار أكاديمي مغلق" فيقيمون على هامش المهرجان محاضرات وحلقات نقاشية عن بابل وتاريخها وعمقها الحضاري. ويجد اهل بابل المعاصرة (محافظة الحلة) نعمة في اقامة المهرجان, فبسببه سيظل التيار الكهربائي مستمراً ليضيء لياليهم التي اعتادوا فيها الظلمة ويصل الماء الصالح للشرب الى بيوتهم.
 
نقيب الفنانين العراقيين: "مهرجان بابل" مستواه عالمي ولا يرقى اليه فنانو المحافظات**
تكاد تطبق العزلة على فناني العراق في عاصمة بلادهم, فنادراً ما توزع اعمالهم التلفزيونية عربياً, واشكال الحوار مع تجارب عربية واجنبية شبه معدومة بحكم ندرة الملتقيات والمهرجانات الفنية, وهي إن توافرت تظل محدودة الأثر, خصوصاً ان الفرق المشاركة ضعيفة في مستوياتها الفنية, ويغلب "الطابع التضامني" على حضورها المحتفل بشعارات طاغية.
 وإذا كانت حال الفنانين في بغداد على هذا النحو, على رغم محاولاتهم منع اليأس من الاحاطة التامة بـ "فسحة الأمل" المتمثلة بمشروع عمل تلفزيوني او مسرحي يعيد الجذوة الى ساحة العمل, فإن حال زملائهم في المحافظات تبدو اكثر سوءاً لجهة ضيق يكاد يغلق حتى "فسحة الأمل", فلا "تلفزيون الموصل" و "تلفزيون كركوك" (شمال) و "تلفزيون البصرة" (جنوب), على عهدها السابق, كمحطات تتمتع بموازنات انتاج خاصة قادرة على تشغيل قطاعات فنية في التمثيل والموسيقى والتصوير.
وظلت فروع نقابة الفنانين في المحافظات العراقية تمثل نوافذ لممثلين في المسرح واشكال التعبير المساندة له. فاقترحت مهرجانات مسرحية ما لبثت ان تحولت "شهقات احتجاج" ضد الصمت التام وأسيجة العزلة التي تتعالى من حول فنانين كانوا, الى مدة, في قلب المشهد الفني والمسرحي لوطنهم. وتحولت مهرجانات مسرحية في محافظات الحلة (بابل) والناصرية (ذي قار) وبعقوبة (ديالى) والبصرة, عراكاً متصلاً بين فناني المحافظات وصمت يكاد إحكام عزلته يطفيء جذوة اوقدتها سنوات دراسة في اكاديميات بعضها خارج العراق, وأدامتها احلام ليس اقلها الخروج الى فضاء تعبيري اوسع من حدود الأمكنة الضيقة البعيدة من بغداد.
 
بلبل البعث
نقيب الفنانين العراقيين داود القيسي (بلبل البعث) بحسب التسمية التي قاربت اغنياته السياسية عن الحزب الحاكم في العراق, كشف في حديث الى صحيفة "الجمهورية" البغدادية: ان نقابته لا تعرف مواقع المواهب الفنية وانواعها واعدادها في المحافظات.
القيسي "يعول على الفضائية العراقية" في إظهار "تراث اصيل" تزخر به محافظات العراق, ويقول ان "قناة العراق الفضائية" تقدم برامج عن كل ما تحتويه من إرث ادبي وفني ومنوّع على مدى ساعتين لكل محافظة, لكن القيسي ينتقد غاضباً "ظواهر سلبية عند فناني المحافظات"، ويقول "نلاحظ هجرة فنانين من المحافظات, لكني انبه الى ضرورة البقاء في اماكنهم وعدم التفريط بهم الى بغداد او الخارج".
 ورداً على سؤال: هل وفرت النقابة فرص عمل لفناني المحافظات إذا كانت ترى فائدة في بقائهم؟ أجاب القيسي: "توسعنا في مهرجانات مثل مهرجان الاغنية الريفية في ميسان (العمارة) والملتقى المسرحي في البصرة ومهرجان المسرح في بابل (الحلة) ومهرجان الأغنية في ديالى (بعقوبة) ومن خلالها نفرز مبدعين في الكتابة المسرحية والغنائية والتلحين والرسم والرقص والغناء والاخراج, وهذا تقليد متبع في اوروبا".
وعن تمويل نقابة الفنانين العراقيين نشاطات فروعها في المحافظات, رفض النقيب القيسي تمويل الفروع مؤكداً "ان الفروع يجب ان تموِّل نفسها ذاتياً عبر البطاقات (التذاكر) او سواها من طرق تغطية التكاليف", وبينما تغطي النقابة وادارات المحافظات تكاليف "احتفالات مركزية بعيد ميلاد الرئيس صدام حسين والمناسبات الوطنية" توكل الى فناني المحافظات البحث عن تمويل لنشاطاتهم الفنية غير الخاضعة للخطاب السياسي الرسمي. ويؤكد "اننا لا نستقدم الى بغداد عملاً من المحافظات ما لم يكن متميزاً, ولا يمكننا البحث عن فرصة انتشار عربية إلا للمتميز بمستوى يضاهي النجوم العرب". ويختم حديثه عن مشاركة فناني المحافظات العراقية في "مهرجان بابل" الذي بدأ في 22 ايلول (سبتمبر) الجاري بالقول: "ان بعض فناني المحافظات يجهل واقع العمل، متناسين ان "بابل" مهرجان عالمي وفن محافظتهم لا يتوافر على مستوى يرتقي اليه".
 
*متابعة نشرت في "الحياة" 26 ايلول 2000
** متابعة نشرت في "الحياة" 29 أيلول 2000


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM