حوارات  



الاستشراق وحوار الثقافات في عالم ما بعد 11 أيلول

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       14/12/2009 06:00 AM


سجال يثير العناء أم عزلة وانقطاع في أجواء "الحرب على الارهاب " ؟

ملف من اعداد: علي عبد الأمير  
ساد منهج الاستشراق في العالم الغربي زمنا طويلا حاول من خلاله المستشرقون الولوج الى عالم الشرق الذي بدا في نظرهم مريبا اكثر من كونه غامضا.                           
وهكذا فقد سيًر اولئك الدارسون العديد من الرحلات التي بدت للوهلة الاولى وكإنما هي رحلات استكشافية يقوم بها علماء العالم الحديث للوقوف على طبيعة العالم القديم، دارسين في سبيل ذلك ادبه وعاداته وتقاليده.                                                     
وبعيدا عن الاتهامية المحضة فانه يمكننا القول بان الكم الكبير من الدراسات التي خرج بها اولئك المستشرقون لم تكن باكملها حيادية او موضوعية فقد غلب عليها مبدأ وضع النتيجة قبل اجراء الدراسة اضافة الى الكثير من التشويهات التي ظهرت في كتبهم في ما يختص بالجزء التاريخي من الدراسات.                                                          
وبعد الظن لوهلة بان الاستشراق السالب ولّى الى غير رجعة ظهرت دراسات جديدة في الغرب تؤسس له من جديد ضاربة عرض الحائط بالحيادية والموضوعية، لتمهد لنتائج سائدة في الغرب سابقا عن العرب والمسلمين وعن حضارتهم وتاريخهم.                  
وقد وفًر مؤتمر "الاستشراق : حوار الثقافات" الذي نظمته الجامعة الاردنية ( 22 – 24 تشرين الأول 2002 ) وحضره نحو 30 باحثا واكاديميا مختصا في حقل "الاستشراق" من جنسيات مختلفة، فرصة للحوار بين مناهج وافكار حاولت ان تتمثل عنوان المؤتمر "حوار الثقافات"،  فجاءت اجواؤه نابضة بالحوار وقيم الاختلاف، وبما يغني النقاش الفكري واستنادا على حقائق علمية ومناهج بحث حرصت على ابراز المشترك الانساني، رغم فجوات كبيرة ما تزال تميز المسافة بين الاستشراق "كإنشغال فكري غربي" وبين العرب والمسلمين.      
وبدا ان المشاركين في المؤتمر اختاروا "المسار الصعب" فتعدد المرجعيات بدا في سجال ما كان سهلا، غير انه رغم كل هذا " العناء الفكري" حقق المؤتمر من الفضائل ما لا يحصى قياسا بفضلة الهدوء التي تأتي بها العزلة ويكرسها الانقطاع.                 
ورغم ثناء الباحثين على " قوة الحوار وايجابياته" إلا ان الخلاف امكن ملاحظته بين مرجعيات فكرية ومواقف تكرست في بحوث عدد غير قليل من المشاركين، فالجانب ( العلمي ) و ( الاكاديمي ) في حقل فكري كالاستشراق لم يوحد مواقف تمتد الى تلك البدايات التي عرفها الاستشراق، ومن خلالها افادت خطط احتلال المنطقة ومواجهة شعوبها، مع مواقف لا تتنكر لمرجعياتها العروبية والاسلامية في وضع الاستشراق ضمن خانة محددة هي خانة ( الاساءة الى الأمة ) في ما كانت هناك مداخل بحث كانت ترفض ( اطلاق الاحكام على عواهنها ) وترى ان جانبا علميا واكاديميا في الاستشراق، حاضر وفاعل ولا يمكن النظر اليه تحت ضغط احداث سياسية او مواقف ايديولوجية يمكن ان تصرف وجهات النظر الى مواقع ليست دقيقة، وتكاد مجموعة من الآراء التي استطلعها "الرأي الثقافي" توضح ملامح الاتجاهات الاساسية للمؤتمر،هنا وقفات معها:

لماذا يغيب مثقفنا ؟
ينفي نائب رئيس الجامعة الاردنية الدكتور سامي خصاونة، ان يكون عقد "مؤتمر الاستشراق" جاء استجابة لتحديات ثقيلة القى بها الهجوم الارهابي على الولايات المتحدة في الحادي عشر من ايلول 2001، وما نتج عنه من "صورة نمطية" كادت تختصر صورة العربي والمسلم بصفته "ارهابيا" مؤكدا على "الطابع الاكاديمي والعلمي" للمؤتمر.      
ومثلما نفى الاحتمال السياسي "التوفيقي" كدفاع لعقد المؤتمر، نفى خصاونة ان يكون المدعوون من اكاديميي الاستشراق وباحثيه هم من الذين يعرفون بمواقف ممالئة للعرب والمسلمين، وانما هم من ابرز المشتغلين في حقل الاستشراق ومحاوره، فالمدعوون من اوربا والولايات المتحدة هم الاكثر تميزا في ميدانهم الاكاديمي دون النظر الى حسابات الجغرافية، او الموقف من قضايا العرب والمسلمين.                                           
الحوارالذي خططت له "اللجنة التحضيرية لمؤتمر الاستشراق"، كان يدعم بتعدد وجهات النظر، وبالاختلاف في الاصول والمرجعيات الفكرية.                              
وحدث " ثقافي" كهذا، تضمن لقاءات بحث ومراجعات "اكاديمية" على الرغم من سعته واهميته, ظل بعيدا عن اهتمام المثقفين في الاردن, مثلما لم يحظ بمتابعة مؤرخين وباحثين في حقول الادب المقارن والتراث والاجتماع, هذا الغياب لمثقفي الاردن واكاديمييه ( من غير المشاركين في المؤتمر ), يبعد د. خصاونة مسؤوليته عن اللجنة التحضيرية بعد ايضاحه بان دعوات من ( الجامعة الاردنية ) وجهت الى ( رابطة الكتًاب الاردنيين ), والمؤسسات الثقافية, واهل الفكر والادب باسمائهم والى جميع الجامعات, السؤال هنا : كيف يمكن لكاتب اردني او لناقد او لمتخصص بالتراث, ان يقنع المتلقي او المتابع للمشهد الثقافي, بان ما يكتبه عن حقل كالاستشراق يمكن ان يكون قائما على منطلقات صحيحة, وهو غائب تماما عن حدث في صميم انشغاله الفكري, وكان في متناول يديه ؟ واذا كانت حجته في ان بعض ما يقدم ضمن المشهد الثقافي المحلي, غير ( محكم ) علميا ولا يعدو ( مقترحات ادبية شخصية ) فانها في حال  مؤتمر الاستشراق فاقدة لتأثيرها, فالمؤتمر اكاديمي رصين وعلى درجة من الرفعة العلمية. 
 

 

هاري نوريس : المستشرقون لا علاقة لهم بالسياسة
استاذ معهد الدراسات الشرقية في جامعة لندن, هاري نوريس مثًل في المؤتمر الى جانب د. هارتموت بوبزين ( المانيا ) والى حد ما, د. جاك فاردنبورغ ( سويسرا ), نهجا يرى في ( الاستشراق ) افاد ( رغم جميع الملاحظات ) في التعريف بالعرب والمسلمين لدى اوربا والغرب عموما.                                                            
وهذا يراه نوريس ( بعيدا كل البعد عن تأويلات سياسية, على الاقل في ما بين الاكاديميين ), إلا انه يقول في حوار مع ( الرأي الثقافي ) ردا على سؤال حول ( علاقة الاستشراق بالمخططات السياسية للحكومات الغربية الخاصة بعلاقتها مع العرب والمسلمين ) : ( على الارجح ان ما ينجزه زملائي في الدراسات الشرقية منذ عشر سنوات, لم يكن بتأثير سياسي على الاطلاق, وان غالبية المستشرقين تهتم بالعلم دون صلة بالسياسة, هذا يتضح من خلال ما كتبته عن الاسلام في دول البلقان, وهو ما حاول السياسيون في وزارة الخارجية البريطانية ان يستخدموه في خطواتهم لدرس المنطقة, ولكنني خالفت آرائهم حين قابلتهم لمناقشة وضع الاسلام في البلقان, وما كانوا مهتمين على الاطلاق بما قلته بكل صراحة, والامر نفسه او قريب منه حين يدرس المستشرقون مجتمعات كالعراق, وهو بالتأكيد يتقاطع مع الطريقة التي ينظر بها السياسيون في بريطانيا الى العراق, انا اعتقد ان المستشرقين في مكان, هومنزلة بين المنزلتين, هم يحرصون على الجانب العلمي الموضوعي الصرف, في ما يخافون وينظرون بحذر الى كل مرة يتصل فيها السياسيون بهم ).                                                        
ونوريس الذي يعلن موقفه الايجابي حول ( ضرورة الحوار بين الثقافات والاديان ), يؤكد ان نجاح مثل هذا الحوار يشترط في المتحاورين ان يكونوا على درجة من الصراحة والصفاء والاخلاص.                                    
موقف ( مثالي ) كهذا, وان جاء متوافقا مع ( الموضوعية العلمية ) و ( رصانة البحث الاكاديمي ) يراه نوريس غائبا في مواقع الباحثين وبين حابل افكارهم ونابلها.            

سانغوستان : أي موقع للاستشراق الفرنسي ؟
مثلما يرى محللون ومفكرون عرب ان ( السياسة الفرنسية رحيمة إزاء العرب حين مقارنتها بالسياسة الامريكية ) فانهم وبحسب هذه النظرة يرون الى الاستشراق الفرنسي!
مدير ( المعهد الفرنسي للدراسات العربية ) الذي يتخذ من دمشق مقرا  د. فلوريا سانغوستان الذي يشير الى ان الاستشراق في فرنسا يعود الى نهاية ( العصور الوسطى) يوضح في نقطة غاية في الاهمية، غير التبسيط الذي ينظر فيه المحللون العرب الى فرنسا, ان الاستشراق في فرنسا يخضع للاختلاف الايديولوجي بين العرب والمسلمين من جهة والغرب من جهة اخرى، وان كان هناك من يعمل على ترصين الجانب العلمي, واضعا على حدة, الخلاف الايديولوجي. 
وفي حواره مع ( الرأي الثقافي ) يقول سانغوستان : ان ( المهم في لقاءات وحوارات بين مفكرين عرب ومسلمين من جهة, ونظرائهم الغربيين, هو طرح اشكاليات الاتصال بين الحضارتين, دون ان يعني ذلك بالضرورة لقاء او تطابقا بين الطرفين ).             
ويوضح الاكاديمي الفرنسي بلغة عربية سليمة ان جو الريبة والحذر الذي اثارته احداث الحادي عشر من ايلول 2001 بين الغرب من جهة والعرب والمسلمين من جهة اخرى, ( يتطلب علاقات اساسها التواصل الثقافي والعلمي, فمثلما يوجد مستشرقون في الغرب, لا بد من مفكرين عرب يعرفون الغرب تماما " مستغربون ", كأن ينشطوا في مراكز علمية لدراسة الغرب, فثمة نقص هائل بحقيقة المجتمعات الغربية عند المفكرين العرب, وثمة تصورات تشوبها النظرة الخيالية ).                                                        
وعن ( القوى المستفيدة من القطيعة بين العرب والمسلمين وبين الغرب ) يقول سانغوستان : ( الحوار العميق والاتصال الحقيقي يحول دون انتشار آراء مزيفة عن كل من الجانبين, وهناك قوى تستفيد من القطيعة وتدعمها, وذلك خدمة لخططها الخاصة ).
والرجل يعجب كيف يمكن للمشهد ان يكون خاليا بهذه الدرجة, من الفكر والمعرفة لهذه الدرجة, وان يبدو نهبا لصحافيين ومعلقين يستهويهم الحديث التهويلي, ويضربون بكل فكرة يشعلون فيها العاطفة, على حساب العقل والمنطق, كل حصن تحاول ان تقيمه المعرفة العقلية ).  
 
*نشر الملف في جريدة الرأي الاردنية 22 تشرين الثاني 2002


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM