حوارات  



بتول الفكيكي: قدمت المرئيات المحلية العراقية بصفتها الإنسانية

تاريخ النشر       26/06/2010 06:00 AM


حاورها: علي عبد الأمير

أقامت الفنانة التشكيلية العراقية بتول الفكيكي معرضاً لها في صالة "بلدنا" في العاصمة الأردنية وعرضت فيه قرابة أربعين عملاً في الرسم (زيتية ومائية) تميزت بأسلوب مزجَ ما بين الواقعية والشاعرية, وحفلت بالرموز والزخارف الشرقية, مما أضفى عليها طابعاً غنائياً وأجواء أسطورية, ويذكر أن الفنانة بتول الفكيكي تنتمي الى جيل الستينات في الفن التشكيلي العراقي, وكانت من أوائل الفنانات في العراق, تخرجت من كلية الفنون ببغداد عام 1963, وتلقّت تعليماً على فنون السيراميك وحياكة السِجّاد عن الفنان الراحل عطا صبري, درّست الرسم لطلبة المراحل الدراسية المختلفة ولمدة جاوزت العشرين عاماً, وعملت كخبيرة في دار الأزياء العراقية وهي عضوة في عدد من النقابات والجمعيات الفنية العراقية, ولها مشاركات في عشرات المعارض داخل العراق وخارجه (إيطاليا, البرازيل, بريطانيا, الأردن, فرنسا, إسبانيا, سورية, الكويت, النمسا, وألمانيا) ولها جداريات في مطار بغداد ودار الأزياء العراقية والعديد من المدارس والمؤسسات في العراق, ومعارضها الشخصية كانت عديدة وفي بغداد, عمّان ولندن, عن عوالم تجربتها في معرضها الأخير (31 آب إلى 17 أيلول 1996), وعن "هموم الوطن والقلب" التي حضرت في اللوحات, كان لنا معها هذا الحوار:
* أنت فنانة من مشهد تشكيلي متميز هو مشهد الفن التشكيلي العراقي, أين تضعين تجربتك ضمن هذا المشهد, سيما أن تجربتك أخذت مدى آخراً – مكانياً على الأقل – حيث تُقيمين في لندن منذ عامين؟
- إن كان المقصود وضع تجربتي في تحديد فني, فهذا صعب فالأمر متروك لفنانين ونقّاد, أما إذا كان المقصود تحديد تجربتي كلمح زماني, فأقول إنني من جيل الستينات التشكيلي في العراق, غير أنني لم أتأثر بما كان سائداً من ملامح تطورت لاحقاً في عمل ذلك الجيل, وحاولت أن أقدم أشياء قريبة لرؤيتي الشخصية للمحسوسات والمرئيات المحلية العراقية والأخرى المشتركة بصفتها الإنسانية, والتغيير الذي أصاب حياتي في إقامتي بلندن, كان تحصيلاً حاصلاً لمُجمل أحداث تتعلق بوطني وما تعرّض وما يتعرّض له, ومستجدات حياة وطني جاءت بملامح أخرى في تجربتي, وها أنا أنقلها من لندن لأعرضها هنا في عمّان.

بتول الفكيكي: ما حدث في بلادي وما سيحدث، له اعمق الاثر في تجربتي فنيا وانسانيا
 
 *لقد حفل معرضك الأخير, بوجود رموز عراقية أسطورية وواقعية, كما شهدت اللوحات إنفتاحاً لونياً, أخذت عدة مستويات, هل تعتقدين أن حنيناً ما للعراق سبب كل هذا التغيير في عملك؟ هل هي عراقيتك؟
- ما حصل للعراق يدعو الفنان بالضرورة للمراجعة, مراجعة طريقته في عكس رؤيته, بل مراجعة رؤيته أيضاً, إن الغربة والحنين الجارف للوطن بمقابل تلك الغربة, كلها عوامل دفعتني الى البحث عن أسلوب آخر, وأحدثتْ التغيرات في عملي داخل اللوحة, ولكنها قَطعاً تغيرات تلقائية لم أتعمد إحداثها قسراً في لوحتي, وما حدث في بلادنا وما سيحدث, يشكل عامل ضغط قوي لابد أن ينعكس في عملي, وحين أقارن هذه المستجدات بعملي السابق, لابد من أن أتلمس الفارق, فحين كنت أميل الى نوع من الغنائية والشاعرية في عملي ولكنه أيضاً كان يتوفر على بعض من الرمزية والواقعية في آن, ولكنها غير الواقعية المباشرة والمكشوفة, ويمكن وصفه بكونه نوعاً من الرمزية الذاتية المصاغة بطريقة حميمة.
*ما الرسالة التي كانت تنتظم جمالياً في لوحاتك وأي المعاني كانت تحاول الوصول إليها؟
 - لوحاتي في معرض "هموم القلب والوطن" كانت فعلاً تحمل رسالة شخصية ولكنها عراقية صميمية تتوجه الى الوطن, فيها من "النذور" و "الأدعية", "المزارات" وحتى "قبور لشهداء", وهذه تعكس حنيني الجارف للوطن, ليس حنيني الشخصي وحسب, بل هو ما يشاركني فيه عراقيون كثيرون إبتعدوا قسراً عن وطنهم, إنها رسالة حب الى وطن يشتعل حقاً, ويخرب يوماً بعد آخر.

الفكيكي: في العراق يكون المثقف ضحية سهلة
 
*سُرقت منك لوحتان في مطار هيثرو بلندن وأنت تتوجهين الى عمّان وعرضت صوراً للعملين المسروقين, هل تعتقدين إن الفنان التشكيلي يتعرّض دائماً لسرقات ومن كل نوع؟
- نعم يحصل شيء كهذا, ثمة سرقات للأفكار, للجهود, بل لحياة الفنان ذاته, خذ ما حصل للفنان أو المثقف في العراق بسبب الحروب ولاحقاً الحصار, فسنجد أن المثقف والفنان ضحية بارزة, وكأن تحوله الى هذه النتيجة الحزينة, هو عملية مقصودة, تعكس عملية (سرقة) كبيرة, يتم من خلالها تفريغ روحية البلد, طاقاته, جماله وإبداعه, وبشكل يتناغم مع (سرقة الآثار) والتي تنشط في العراق حالياً.
* هل تجدين أن الفنان التشكيلي العراقي أو العربي, يستطيع الآن أن يقدم إنجازاً فنياً يحجز من خلاله مكاناً له في الفن العالمي المعاصر؟
- هذا ممكن مع وجود طاقات فنية عراقية وعربية مميزة, ومع وجود ساحات للمنافسة الحرة, ولأن هذه غير موجودة, فيبدو من الصعب تحقيق حضور الفنان العربي, فثمة (مافيا) ضد كل ما هو عربي وعمل عربي جيد, سواء كان فنياً أو غيره, فنحن نجد أن كثيراً من الأعمال الأوربية تحقق نجاحاً مميزاً, فيما هي فنياً ليست بذلك المستوى الذي يمنحها النجاح, فيما الأعمال الفنية العربية والإسلامية حتى وإن كانت ناجحة وعالية المستوى فنياً, تتعرض لضغوط تجعلها محدودة التداول.
* المنتديات الثقافية العربية في لندن هل يمكنها أن تؤازر الفنان وتخرجه من عمليات الضغط التي تحد من تأثيره؟
- هي قليلة, وغالباً ما يتأثر عملها بالفورة, كما أنها تحتمل وجود نشاطات من كل نوع إضافة الى الفني والثقافي, حتى الإجتماعي البسيط والعادي, وبسبب تجاذباتها السياسية, يمكن أن تتحول هذه المنتديات أيضاً الى عوامل تشتت, تُبعد الفنان عنها, وتنعدم بذلك إمكانية توفيرها لأي مساعدة ومؤازرة له.

بتول الفكيكي: حكايات بلاد الرافدين واساطيرها الجمالية
 
* عملك نادراً ما يتعرّض للتغيرات المفاجئة, ومع ملامح جديدة عرضتها لوحاتك في معرض "هموم القلب والوطن", هل ستظلين في أسلوبيتها لفترة قادمة؟
- سأظل أرسم بمثل هذه التأثيرات التي أنتجت لوحاتي الأخيرة وأثّرت في أسلوبي السابق وأنتجت منه شيئاً مختلفاً, وسأظل أعتبر اللوحة حرباً ضد الحصار وضد كل ما هو ظلم واقع على بلدي, وسأظل أضمِّن لوحاتي, (أدعيتي) الشخصية و (نذوري) و (حنيني) و (أغنياتي) لبلدي, وسأذهب في إتجاهي الفني بما يعزز هذه المعاني ويوصلها الى كثير من الناس في بقاع متعددة من عالمنا, وحتى إنتهاء هذا الليل الطويل الذي يخيم على بلدي, ويمكن أن أصل لمرحلة فنية جديدة, بعد التخلص من آثار عتمة هذا الليل حتى إنني أدخلت شيئاً من الدعاء المعروف عندنا في الأضرحة حين نقول "أأدخل يا ..." فقلت في لوحة عندي: "أأدخل يا بغداد"؟ لا أدري كم ستطول فترة إنتظاري وإنتظار غيري لذلك؟ ولكنها عموماً ستنتهي وتأتي بغداد حلوة وزاهية رغم كل ما لحق بها من آثام.
* نشر الحوار في صحيفة "القدس العربي" تشرين الاول 1996


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM