حوارات  



الشاعر جاد الحاج: اللغة تموت حين لا تأخذ من الحياة

تاريخ النشر       12/07/2010 06:00 AM


حاوره: علي عبد الأمير
من لبنان, الى باريس, لندن, أثينا وأخيراً استراليا, المنافي, الأمكنة, التلقِّي واختلاط الثقافات لكنه ظل يقترب من رؤية شخصية للأداء الشعري ... البراءة ودهشة في السؤال, هكذا يمكن تسمية نسيج قصائده, قدرة حاذقة على التعامل مع الصورة, ليست (الصورة الشعرية) كما هي مُتداولة بل دفع النضارة في المعيوش ورفعه الى مستوى الصورة.
الشاعر "جاد الحاج" حين يُعلن عن رؤيته لتجربته الشعرية وعناصر تشكله الثقافي وعلاقته بالكتابة الروائية والقصصية, لا ينسى ان يذكرنا عن مشروعه القادم, إعادة كتابة كل ما كتبه من الشعر وتقديمه في كتاب كامل كعمل واحد, هو لا يرى في إعادة كتابة حتى النصوص المنشورة إثماً ما انه يرغب في المزيد من الأناقة لنصوصه, ان يزيل بعض ما ترهّل ويمنحها من النضارة التي عنده المزيد منها.
 الحاج يؤكد على (هدم التناقض مع المحسوس والتقليل من شأن المفهوم الثقافي المُتداول في القصيدة), في مرافقة لأعماله الشعرية: (قطار الصدفة), (26 قصيدة), (الكتاب الثالث) و (واحد من هؤلاء), وفي الرواية (الأخضر واليابس), وفي القصة (عذراء الصخور) كان لنا معه هذا الحوار:
*في مفهوم (قصيدة النثر) كتبت نصوصك واتصلت بأسماء مثل (سركون بولص) و (صلاح فائق) الذي لك رفقة عمل ثقافي مطولة معه وقريباً منك كان (وديع سعادة) وآخرون, ما هي الحدود الشخصية والمشتركة لذلك المفهوم (قصيدة النثر) في كتابتك؟
- عملياً يصعب تحديد المفهوم كونه مسار واضح ومحدد, ولكن ببساطة هناك بحث مشترك عن صوت جديد للشعر والأداء الكتابي بشكل عام وخلال هذا البحث ومع الأصدقاء حصلت محاولات مشتركة, المحاولات فتح القصيدة والعمل عليها من الداخل ونوع جيد من التلاقح في الأفكار والخبرات بحثاً عن أداء دقيق وتطوير دائم لقصيدة النثر ... ليس مهماً في البحث عن التسميات, فقصيدة النثر كتسمية قد لا تكون دقيقة ونهائية, الأعمال هي التي تحدد تسميتها ومع الوقت وتراكم التجربة ... ولكن هذا النوع من الشعر الذي إرتبط بالستينات وتطوّر في مدارها الذهني والثقافي أخذ طريق البرهنة على جذور هذا الشعر, لكنها جذور شخصية, أشخاص يبحثون عن أداء جديد وبصوت خاص بصرف النظر عن تقاليع وأطر ثقافية موطدة, هذا أحياناً يُظهر الكتابة الشعرية هذه وكأنها هامشية ولكن الهامش أحياناً يصبح الأساسي وتتهمّش الأشياء الفائزة حوله حين يتواجد الإخلاص والدأب في التجربة, إذن لا بد من الصوت الخاص والمميز وتغذيته وتوطيده وهذه عملية في غاية الصعوبة, فقد صدرت قصائد بل مجموعات كاملة لم تنجح إن كان في تصوير ذاته أم مع القاريء.

الشاعر والروائي والصحافي جاد الحاج

أنا لست على مشكلة مع إعادة النظر في الأشياء المطبوعة أو المنشورة فهذه الفترة تتميز بعملنا المستمر والدؤوب حيث (المختبر) مفتوح من أجل الصوت الجديد للشعر العربي, وحتى من السبعينات والثمانينات وكأنها إستندت على ذلك التاريخ القصير ولكنها إستندت بوثوق يعطيك فرحاً حقيقياً من تلك الأصوات الشابّة, النهوض إذن يبدأ من التأسيس وهناك شجاعة في إبتكار آفاق جديدة لقصيدة النثر العربية, لم تعد هناك مشكلة ومع 50 سنة قادمة ستنقرض الإشكالية والنقاش حول (الشكل).
 القاريء أصبح يعرف قراءة (قصيدة النثر), قصيدة تتطلب تبحُّر وهدوء معين, إنها قصيدة مكتوبة من الخارج الى الداخل, وحتى لمسة الغنائية التي تجدها أحياناً في هذه القصيدة – وهذا ما يمكن إيجاده عندي – فهي تبقى قصيدة تأمل وإختزال, فهي لا قصيدة منبرية ولا إطراب, هذه عمليات جرى هضمها وإستيعابها عبر الحوار مع التراث بعد ان هدأ الرفض العابث, إنتهى التمرد المجاني الذي يتضمن إلغاء الآخر.
*ذهبت مع الشعر الى الرواية, جوهر المشكلة التي غيّبتك وتحاول إثبات وجودك عبر وعيها, ظهرت هذه المشكلة في الرواية بينما اعطيت ظهرك لها قليلاً في قصائدك! 
في تجربة الكتابة أنا واحد على الرغم من إختلاف الفصول, ما أشرت اليه كثيراً ما توقفت عنده, جوهر المشكلة الي سميتها هو (الحرب), فصلنا الجنوب اللبناني المرعب الذي حدقت فيه وتلمست كيفية انفراط الهياكل والبُنى, شتتني بقدر ما جعلني أرى داخلي بعمق, هذا إنتقل الى قصائدي … لم أدِر ظهري لجوهر المشكلة وهذا قصور على ما يبدو في الإتصال, على أية حال ففي مراجعة سريعة تجد الكدمات والجروح وعوالم تتشكل وتتلاشى.
بعد رواية مطولة هي (الأخضر واليابس) ومجموعة قصصية هي (عذراء الصخور) صدرت قريباً, أتساءل عن هذه الإنتقالة في الكتابة وما الذي تشكله في سيرة الكتابة عند جاد الحاج؟
(الحكاية) بمعنى الحكاية كحدوته سمة أساسية في كتابتي إن كان شعراً أو قصة أو حتى في المقالة, إنني مطبوع على الحكاية وهذا يرجع الى أشياء أولية في المقالة, إنني مطبوع على الحكاية وهذا يرجع الى أشياء أولية في نشأتي, كنت أسهر حتى أغفو على حكايات تسردها لنا (جدة) والدي التي كانت تحفظ قصص ألف ليلة وليلة والزير سالم وكل التراث الشعبي الحكائي, هكذا إنطبعت على مخيلة الحكاية, وبعد ربع قرن من الشعر ومن العمل الصحفي وتجميع عدد كبير من الحكايات والمشاهدات والوقائع وبعد الحرب, حيث إنفراط هيكلية المجتمع اللبناني وبعد هجراتي ولاحقاً إبتعادي الى الطرف الأقصى من العالم, أي استراليا إنفتحت صورة متكاملة أمامي لتاريخ البلاد وناسها وشعرت بحاجة الى إعادة توليد لذاكرتي كي أظل متصلاً معه, إذن هي ليست شخصية ونفسية بالدرجة الأولى, إنها أشبه بعملية تطهير, فحين أكتب, كنت أكتب غضبي وسخطي وحنيني والحكايات التي تعرّفت عليها بطريقة أشبه بالغليان, عدت الى المنبع إذن وهو الحكاية, حاولت منذ بداية كتابة (الأخضر واليابس) قبل تسع سنوات ان أكون مخلصاً الى ذلك المنبع, بساطة الحكاية كما نعرفها, بأصلها حيث لها بداية وتسير من هناك وتستنبط نفسها الى ان تبلغ نهاية معينة … على الطريق تتشعّب ولكنها تبدأ من مكان ما , سياق يتضمن عودات الى الماضي, الرواية شكلها بسيط وبلا سفسطة وإبتكارات تجريدية إطلاقاً.
* الإتصال الشخصي لك مع السينما, وكتابتك عنها ما الذي يشكله عندك هذا الفن المشهدي المعاصر؟
ان السينما فن العصر, فن القرن العشرين المُبتكر, الذي إحتوى كل ما انتجه الإنسان من إبداع, السينما هي المسرح الإغريقي للقرن العشرين, هي تجسيد لطليعيات العالم حتى اليوم, السينما التي تعاطيت معها كانت عبر الصورة, وللصورة عندي حكاية خاصة حيث متابعة لجدي الرسام والمصور, أدمنت السينما منذ صغري وأثّرت فيّ تماماً, وهي مدرستي الفنية الأولى, فإمتلأ رأسي بالمشاهد, هذا ما أثّر على شعري حيث الشطر الشعري المكون من ثلاث أو أربع كلمات تجد صورة سينمائية كاملة وموضوع هناك ببساطة.
 
* كان الحوار مطولا وقارب محطات ثقافية وانسانية كثيرة في تجربة جاد الحاج غير المشرف على ملحق خاص بمهرجان المربد وتنشره يوميا حينها صحيفة "القادسية" الزميل الشاعر علي الشلاه أتى على القسم الاكبر من الحوار واختار اعلاه فقط للنشر في 26-11-1989


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM