حقائق العراق إذ تكشفها مؤسسات أجنبية.. ماذا عن (ديمقراطيته)؟

تاريخ النشر       07/01/2011 06:00 AM


حقائق العراق إذ تكشفها مؤسسات أميركية ودولية .. أي حال تعيشها"ديمقراطيته"؟
 
علي عبد الأمير

قد يكون ما كشفه "مكتب المحاسبة الأميركي" اواخر شهر آب (اغسطس) 2010 عن ان فائضا تحقق في موازنة العراق المالية نهاية العام الماضي  وبنحو 50 مليار دولار، هو آخر ما سلسلة حقائق العراق التي تكشفها مؤسسات حكومية وصحافية اميركية وبريطانية بدرجة أقل، فيما تظل تلك الحقائق خافية بحسب آليات الدولة العراقية الجديدة، وهو ما يبدو مناقضا لجوهر الديمقراطية الذي يلتزم عادة كشف الحقائق ويعمل على تيسيير الوصول الى المعلومات ونشرها.
الحقائق "الضائعة" بشأن العراق لا تتوقف عند مؤسسات البلاد المحكومة بارث ثقيل من النظام السابقة والمكبلة حاليا بنهج المحاصصة الحزبية والطائفية الذي وسم النظام الجديد، بل تتعدى ذلك الى المؤسسات الاميركية، فقبل نحو  شهرين كشف بأنه لا يمكن تحديد أوجه صرف أكثر من 95 في المائة من 9 مليارات دولار، كانت مخصصة لإعادة اعمار العراق.  والقى حينها تقرير "المفتش العام (الاميركي) لإعادة أعمار العراق" باللائمة على "ضعف الضوابط المالية والإدارية بوزارة الدفاع (بنتاغون)، مما أفقدها القدرة على تحديد مصير 8.7 مليار دولار من الأموال المخصصة لإعادة إعمار العراق ما بعد العام 2003.
وكان "مكتب المحاسبة الأميركي" وهو (جهاز تحقيق فى الكونغرس) اصدر في سنوات سابقة تقارير عن حقائق العراق "الضائعة" كانت تقابل بتحفظ أميركي وعراقي على حد سواء ففي صيف العام 2007  وصفت مساعدة الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض دانا بيرينو التقرير الذي أصدره المكتب حول العراق بانه "غير واقعي"، لانه أعطى "علامة مقبول أو فاشل" أمام كل هدف من الأهداف السياسية التي كان من المفروض أن تحققها حكومة نوري المالكي. معتبرة "سقف تلك المطالب السياسية والأمنية عاليا جدا، بحيث يبدو من المستحيل تحقيقها".
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" نشرت في آب (اغسطس) 2007 الخميس مقتطفات من تقرير مكتب المحاسبة الحكومي جاء في 69 صفحة وكشف ان الحكومة العراقية أخفقت في تحقيق معظم الأهداف السياسية والعسكرية التي طالبها بها الكونغرس الأميركي والرئيس بوش، ولم تحقق غير ثلاثة أهداف فقط من بين 18 ولم تفلح في التخفيف من وتيرة العنف الطائفي ضد المدنيين، ولا في رفع مستوى أداء القوات الأمنية، وأنه ليس من الواضح ما إذا كانت ستقوم بصرف 10 مليار دولار لتمويل عمليات إعادة البناء.

ساحة الرصافي ببغداد: القمامة والفوضى وتداعي المشهد صور تكشف مصير "اعادة الاعمار"

وسائل الاعلام الاميركية كانت على الاغلب ساحة الاعلان عن الحقائق العراقية  غير المعلنة محليا ولا حتى عبر الحكومة الاميركية، ففي العام 2008 كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" انه بعد 5 سنوات من استمرار النزاع في العراق فإن النتاج في حقول حاسمة ومهمة مثل الماء والكهرباء بقيت دون تحقيق الاهداف الاميركية بالرغم من انفاق مبلغ 100 بليون دولار سواء من التخصيصات الاميركية او الموازنة العراقية. ويورد مدير الشؤون الدولية في "مكتب المحاسبة" جوزيف كريستوفر مثالا على المبالغ التي انفقت لما تعتبر اعمال اعادة اعمار لكنها حقا ليست كذلك، ففي اصلاح سد الموصل من تشققات في بنيته الخرسانية يكشف المسؤول الاميركي ان المقاولين تلاعبوا بالعمل بحيث ضاعت الاموال التي انفقت على عمليات اعمار السد.

الحقائق الضائعة بين سجال الادارة والكونغرس
ولم تكن وسائل الاعلام الاميركية  الساحة الوحيدة للكشف عن الحقائق العراقية، فكان مجلس النواب الأميركي اتهم وزيرة الخارجية كوندليزا رايس بإخفاء معلومات عن الفساد في العراق وصوت المجلس في العام 2007 على قرار ينتقد الطريقة التي تعاملت بها وزارة الخارجية مع ملف الفساد في العراق، واتهمها بإخفاء معلومات عن المشكلة "لأسباب سياسية".
وقال النائب عن الحزب الديمقراطي هنري واكسمان في تقديمه لمشروع القرار أمام مجلس النواب، إن وزارة الخارجية الأميركية تحاول إخفاء أي معلومات تكشف عن الفساد في حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
واعتبر واكسمان  الذي اقنع رئيس مفوضية النزاهة العراقية راضي الراضي بالهرب من العراق وتقديم مداخلة رسمية في مجلس النواب اتهم فيها المالكي بحماية فاسدين عبر تطبيق قرارات تمنع مساءلة وزراء ومفوضين كبار في حكومته، أن من حق مجلس النواب معرفة كل شيء عن الفساد والسؤال عن الأموال التي تنفق هناك. فيما رد منسق الشأن العراقي بوزارة الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد الاتهامات معتبرا المالكي "يقوم بكل ما في وسعه"، لكنه قال إن بإمكانه "فعل المزيد".
وكان رئيس مفوضية النزاهة راضي حمزة الراضي الذي عينته الولايات المتحدة العام 2004 رئيساً للهيئة التي تتولى مكافحة الفساد قال امام مجلس النواب الاميركي إن مفوضيته اكتشفت اختفاء 18 مليار دولار من أموال الحكومة العراقية وجمعت أدلة عن ثلاثة آلاف حالة فساد. بالمقابل نفت الحكومة العراقية صحة معلومات الراضي وتوعدته بتوجيه تهم بالفساد.
اتجاهان في اميركا حول تسمية الفساد في العراق وطرق الحد منه ، ورغم اتفاق الادارة والكونغرس على ان الفساد الرسمي في العراق هو" حقيقي ومتوطن وخبيث"و يشكل تحديا كبيرا لبناء دولة عراقية ديمقراطية فاعلة الا انهما يختلفان في طريقة التعامل مع القضية ، فالادارة بحسب الكونغرس تعمل على "اخفاء حجم المشكلة".
وكان اول تحذير من تحول إعمار العراق الى اكبر قضية فساد، ظهر العام 2005
حين ذكرت منظمة الشفافية الدولية أن عملية إعادة الإعمار في العراق مهددة بالتحول لأكبر قضية فساد في العالم، موضحة أنه إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة فإن " العراق لن يصبح منارة الديمقراطية الساطعة التي يتخيلها (الرئيس الأميركي جورج) بوش بل سيصبح أكبر فضيحة فساد في العالم".
وشهدت اربع مؤسسات اميركية كبرى دراسات موثقة عن الفساد في العراق، وهي الكونغرس ،وزارة الخارجية ،دائرة المفتش العام ومكتب المحاسبة الاميركي .وتجمع وثائق تلك المؤسسات على ثلاثة مؤشرات :
1-الفساد في العراق منظم ومتنام.
2الدور الاميركي ناشط في المراقبة ولكنه ضعيف في الحد من الفساد.
3 عدم قدرة الحكومة العراقية على اضعاف مراكز الفساد و الحد من نشاطها.
وتجمع تلك المؤسسات في وثائقها الى ان جهود الولايات المتحدة لتحسين قدرة الوزارات العراقية لجهة اعتماد الشفافية في عملها وطرق صرف موازناتها المالية  تواجه أربع عقبات سياسية تتمثل بالنقص الحاد في طواقم الموظفين المؤهلين للقيام بمهام هذه الوزارات، وبالنفوذ الحزبي واختراق الميليشيات في قسم من الوزارات، وبالفساد الإداري الذي ينخرها، وبضعف الأمن وهو ما يؤدي إلى مغادرة الموظفين الأكفاء إلى خارج العراق.
وبحسب تأكيد مكتب المحاسبة الأميركي فإن ما يقرب من نصف الموظفين الحكوميين العراقيين لا يلتحقون بأعمالهم يوميا، وكثير منهم لا يعملون أكثر من ساعتين أو ثلاثة كل يوم. كما ان تقييما في هذا الإتجاه اجرته السفارة الأميركية وجد أن ثلث الوزارات المدنية العراقية تعاني من مشكلة "الموظفين الأشباح" وهم الأشخاص الذين تدفع لهم المرتبات لكنهم لا يأتون مطلقا إلى العمل.
بمقابل "الموظفين الاشباح" هاجر الكثير من التكنوقراط العراقيين من المتعلمين والمختصين إلى خارج البلاد، وهنا يشير تقرير  للأمم المتحدة صدر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 بأن 40 في المائة من المختصين العراقيين غادروا البلاد منذ سنة 2003.
وكان تقرير مكتب المحاسبة ينتقد الوكالات الأميركية التي تعمل لمساعدة العراقيين فهي لا تمتلك خطة أو إستراتيجية لتوجيه الوزارات العراقية، وان حاول التقرير توزيع اللوم مناصفة على "سلطة الائتلاف المؤقتة" التي تراسها الحاكم المدني بول بريمر والحكومات العراقية المتعاقبة  عندما طردت القيادات المؤهلة من المواقع الحكومية والجامعات والمستشفيات ،بذريعة انها بعثية وتضم انصار النظام السابق ، وهو ما انتج نقصا في الخبرات المؤهلة لإدارة الوزارات والمرافق العامة ،وينوه إلى أن الخدمات المدنية في العراق ظلت معاقة بفعل كادرها الحالي ذي الولاء الحزبي والطائفي، مما شل قدرة الوزارات الخدمية في تقديم الخدمات، وفي بناء الثقة وسط المدنيين العراقيين.

لاجئو العراق ومهجروه
وفي العام 2008 سلط تقرير لمنظمة العفو الدولية ضوءا جديدا على ازمة اللاجئين العراقيين لجهة  ضرورة  اعتراف المجتمع الدولي، ولا سيما تلك الدول التي تتحمل مسؤوليات خاصة تجاه الأزمة، مثل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والدول الأخرى التي شاركت في الاطاحة بالنظام العراقي السابق ، بمسؤوليتها الأخلاقية والسياسية والقانونية في مواجهة هذه الأزمة.
اميركيا و في اوائل العام 2007 حمل السيناتور الراحل ادوارد كيندي على ادارة الرئيس جورج بوش لجهة تعاطيها "غير المسؤول" بحسب تعبير الشخصية الديمقراطية البارزة مع ملف انساني شائك اسمه " اللاجئون والمهجرون العراقيون" .كيندي انتقد سلطات بلاده لا لعدم قبولها الاف العراقيين الذين عملوا مباشرة مع القوات الاميركية وراحوا يتعرضون للتصفية الجسدية وحسب، بل انه اعتبر تعاملها مع وجود اكثر من مليوني عراقي لجأوا الى سوريا والاردن بانه اقل بكثير من اهتمام دولة لم تكن طرفا في ماساة اللاجئين مثل السويد، ومن هنا جاءت جملته الشهيرة:"انها قضيتنا وليست قضية السويد".
سجون العراق...شجونه
وعبر المؤسسات الاميركية تواصل مسلسل الكشف عن فضائح السجون العراقية فقد قالت مصادر رسمية إن مئات الرجال المنتمين إلى الطائفة السنية الذين اختفوا خلال شهر تشرين الأول(أكتوبر) العام 2009 في محافظة نينوى كانوا محتجزين في سجن سري تديره الحكومة العراقية في العاصمة بغداد، وفقا لما ذكرته صحيفة "لوس انجلوس تايمز" التي اوضحت أن المعتقلين في السجن الذي كان تحت إشراف المكتب العسكري لرئيس الوزراء نوري المالكي تعرضوا للتعذيب قبل أن تنجح وزارة حقوق الإنسان من الوصول إليه والضغط على المالكي الذي أمر بإغلاقه واعتقال ضباطه.
وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية "امنستي انترناشيونال" الصادر قبل ايام فأن آلاف المعتقلين في السجون العراقية التي كانت تشرف عليها القوات الاميركية، يتعرضون للتعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، وواجهوا اعتقالات تعسفية تصل سنوات عدة، دون توجيه أي اتهام أو الخضوع لمحاكمة، في حين تعرض بعضهم للضرب المبرح في سجون سرية للحصول على اعترافات بالإكراه، عدا عن حالات أخرى من الاختفاء القسري.
اي سعي للديمقراطية في خضم الفساد المستشري؟
ويتساءل الباحث الاميركي من اصل عراقي، عباس كاظم وهو  أستاذ مساعد في شؤون الأمن القومي في الكلية البحرية للدراسات العليا في مونتيري- كاليفورنيا، عن مدى تمكن العراق من إرساء الديمقراطية وسيادة القانون، وترويج التنمية الاقتصادية والبشرية وسط ظروف تجعله كثالث أسوأ بلد في العالم من حيث الفساد  في 2006 و2007 و2008 – ورابع أسوأ بلد  في العام 2009، كما ان البنك الدولي وضع العراق في أسفل القائمة.
ويرى الباحث في دراسة نشرتها "مؤسسة كارنيغي للسلام" الاميركية ان الفساد السياسي واستغلال السلطة ينبعان من العديد من مكامن الخلل البنيوية، والنتيجة كانت "أداء سيئاً جداً في كل الوزارات. في شكل عام، كان الوزراء الفاسدون يحظون بالحماية من أحزابهم في مجلس النواب، وكان رئيس الوزراء نوري المالكي يشيح بنظره عما يجري. وحتى عندما كان فساد الوزراء كبيراً جداً بحيث لايمكن تجاهله، لم تحصل ملاحقات قضائية".
و يرى الباحث الاميركي العراقي ان عجز آليات الدولة العراقية الجديدة عن تقديم الحقائق والتعاطي معها بجدية حتى وان كشفت وقائع لا تسر احدا، مناقض لجوهر الديمقراطية الذي تؤكد الدولة انها تلتزمه اساسا دستوريا لعملها.



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM