حوارات  



مهر الدين : اميل الان الى الاختزال والابتعاد عن المباشرة

تاريخ النشر       20/10/2009 06:00 AM


الرأي
21/6/1996

     الفنان التشكيلي العراقي محمد مهر الدين ، واحد من جيل الستينات، الذي احدث في الثقافة والفنون اعمق الاثر، في القصة والشعر والنقد والسينما والمسرح الى جانب الفن التشكيلي، هو من جيل عرف مبشاركته الفاعلة في احدثا بلاده وعصره وعياً وممارسة حية عاش الازمة تول الازمة متطلعاً نحو افاق اكثر رحابة اجتماعياً وفكرياً، اشتغل في الرسم وصاغ رؤيته عن تلك الانشغالات مرة عبر الغرفيك واخرى عبر الملصق وتمارين لا تنتهي في اللوحة، عن تجربته وواقع الفن التشكيلي عراقياً وعربيا ًوتعاطيه كان لـ>الرزي الثقافي< هذا الحوار مع الفنان محمد مهر الدين الذي يزور عمان زيارة قصيرة استعداداً لاقامة معرض شخصي في احدى قاعاتها الفنية•

     والفنان محمد مهر الدين ولد في البصرة عام 1938 ودرس الغرافيك في بولندا، واقام خمسة عشر معرضاً شخصياً خلال السنوات 1965-1995 وشهدتها بغداد وعدة مدن عربية منها عمّان وتونس والرباط•

     شارك في اغلب معارض الفن العراقي المعاصر في الدول العربية والعالمية منها معرض الرابطة الدولية، مهرجان في بنغلاديس، واشترك في العديد من المعارض الجماعية منها معرضه المشترك مع الفنان د•علاء بشير، والمعرض المشترك مع الفنانين ضياء العزاوي ورافع الناصري وعلي طالب•

     ونال الفنان مهر الدين، عدة جوائز منها جائزة الشرف في مهرجان بغداد الدولي الثاني للملصقات عام 1982 والجائزة الفضية في بينالة انقرة الدولي الاول عام 1986 والجائزة الاولى في مهرجان بغداد العالمي الثاني عام 1988، وجائزة الشرف في مهرجان دكا الاسيوي السادس عام 1993، وفيما يلي حوار معه:

     تمحورت تجربتك الفنية حول موضوعة الاغتراب الانساني، هل تعتقد بانها لم تستنفد بعد، وبامكان التشكيل وتجربتك شخصياً ان تظل تنهل منها تعبيرياً؟!
- يمكن تقسيم تجربتي الفنية الى مراحل، اولها مرحلة الستينات والسبعينات حيث كنت اعتمد التشخيص الكامل للتعبير عن مضامين فكرية ذات علاقة مباشرة بوجود الانسان بكل ما فيها من قسوة واغتراب، في هذه الحياة المعاصرة بل ما فيها من تقدم تقني يستخدم سلبياً لاضطهاد وتغريب الانسان، في تلك المرحلة اعتمدت على اسولب الفوتو والكولاج مع ادخال دلالات انسانية، الكثير من النقاد كتبوا بان تلك المرحلة كانت تتصف بالمباشرة (اقرب لمتطلبات الملصق الجداري) وبما اني فنان تجريبي، انتقلت تدريجياً الى اسلوب تعبيري اخر في مرحلة الثمانينات ومنتصف التسعينات الى الاختزال، فلم تعد اللوحة تحمل كل مواصفات المباشرة وبدأت التأكيد على رموز ذات علاقة بالاثر الانساني، لهذا، يمكن القول ان موضوعة الاغتراب الانساني لم تزل فاعلة في موضوع لوحاتي، غير انني لا امارس نفس الاسلوب التعبيري معها•

     يقول بعض النقاد ان الرسم المعاصر، وفي اكثر من قطر عربي، استطاع اخراج الرسم من نخبويته الضيقة الى افاق التعبير الفني والفكري، هل ترى ان المنجز العربي في الرسم حقق ذلك فعلاً؟!
- لا اعتقد ذلك بل العكس هو الصحيح اذ بدأ الفن يتجه نحو النخبة اكثر، ومتطلبات الابداع المعاصر حتمت على الفنان ان يتوه نحو تجريبيه ليتوصل الى تحقيق ذاتيته واسلوبه المميز وبدأ يتوصل اكثر في مناهج اسلوبية معاصرة بدأت بدورها الابتعاد عن المفاهيم الجاهزة، لنأخذ مثلاً نماذج في الفن العراقي المعاصر والحركة الفنية في المغرب حيث البحث الدائب لتحقيق بنائية اللوحة معمارياً والبحث عن قيم تشكيلية جديدة باستعمال مواد لم تستعمل من قبل او التصرف بالمواد التقليدية على شكل مفاهيم جديدة•

     يعيش الفنان التشكيلي العراقي، صعوبات كثيرة وظروفاً من الضنك والمعاناة شأن شزن باقي النواحي الثقافية العراقية، كيف تعاملت مع هذه الظروف والى اي مدى اثرت في تجربتك؟!
- منذ البداية كانت ثمة هوة تفصل بين الفنان والمثقف من جهة وبين الجمهور والمؤسسات الفنية من جهة اخرى ويبدو ان هذه الهوة اخذة بالاتساع في وضعنا الحالي، اما شحة المواد وعدم توفير المؤسسات لهذه الحاجات الحضارية التي من شأنها ان ترتفع بالابداع الفني والثقافي، فبالتأكيد تركت اثارها على ازمة الابداع التشكيلي، غير ان الشيء الجيد في هذا الفن هو ما يمكن تسميته بابداع فردي وليس جماعي ولذا اصبح مم الممكن ان يستبدل الفنان الخامات الجيدة باقل منها جودة لتقديم عطاء يتميز بطابعه الابداعي المميز وهذا ما حققه بعض فنانينا التشكيليين من جيل الستينات والثمانينات•

     السطح في لوحتك غني بالتفاصيل لكنها لا تبدو ثقيلة هل هذا عائد لوجود فكرة مسبقة عندك قبل الرسم تنضج ثم تكملها على قماش اللوحة؟!
- في اكثر الاحيان اقوم بعمل تخطيطات صغيرة لاعمالي وفي بعض الاحيان اقوم بعمل (سكيتش) ملون صغير متكون من قطع ملونة وذات رموز ودلالات اقوم بتشكيلها بطريقة الكولاج للوصول الى بناء اكثر تكاملاً وانسجاماً لونياً، عندما اقوم بتنفيذ المسودات (التخطيطات والسكيتشات الصغيرة) اجد انها تسهم في جعل العمل النهائي اكثر متانة وابداعاً، وترافق عملية التنفيذ تغييرات كثيرة من شأنها ان تجعل العمل اكثر تكاملاً من الناحية الابداعية•

     تتعدد الاشكال والاساليب في اللوحة والعمل التشكيلي عموماً والذي قدمته ومازالت تقدمه اجيال متلاحقة هل اواقفتك تجارب محددة واثارت انتباهك؟
- الاطلاع على التجارب العالمية والعربية والعراقية الجديدة ضروري جداً، لانه يحقق التواصل والشيء الجميل انك تلاحظ ما يجري من تطورات واهتمامات من شأنها ان توسع مدار تفكيرك واعادة النظر بما انتجت، لانه ليس هناك فن ينمو في فراغ، التجارب الاوروبية والاميركية المعاصرة تستوقفني فهي دائماً ما تمدني بنبض لما تتركه الطبيعة من اثر عى الجدران والشوارع وصفائح المعادن وغيرها كلها يمكن ان تمدك باشكال ابداعية جديدة•

     ثمة تجارب جديدة عراقية من جيل الثمانينات، كريم رسن، ايمان علي، هناء مال الله، لميزة خاصة بهم وقدرتهم على صنع اسلوب، نعم فيه بعض التماسات والتأثرات مع جيل الستينات ولكنه ايضاً استطاع الخروج باساليبه واشكاله واشتغاله على سطح اللوحة، الى مستويات خاصة•

     قيم السوق دخلت حتى تفاصل حياتنا الثقافية والعمل التشكيلي اكثر هذه التفاصيل تعرضاى لضغط هذه القيم، الى اي مدى نجوت بنفسك من هذه العوامل؟!
-(قيم السوق)… مكروهة عند الفنان والمثقف المتزن، كما انني لم اتعامل مع (السوق) اطلاقاً ولن اهادن مطلقاً مفاهيمه التي تجعل من بعض الفنانين يرسمون وينتجون التشكيل حسب متطلباته حيث التزيين الحروفي واعادة انتاج لوحات الاستشراف وغيرها من المواصفات التي تتعامل مع اللوحة باعتبارها ملحقاً تزيينياً، انا لم ازل مؤمناً بان الفنان هو الذي يجب ان يوجه الجمهور لا العكس•



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM