(طريق الشعب) تستذكر: ثماني سنوات على استشهاد الكاتب والمناضل قاسم عبد الأمير عجام

تاريخ النشر       17/05/2012 06:00 AM


 سعدون هليل*  
 استذكارا لأحد رموز الثقافة الوطنية العراقية، الشهيد قاسم عبد الامير عجام، الذي اغتالته زمر الاجرام والجهل والتخلف في بداية خلاص العراق من النظام الفاشي، تقدم صحيفة "طريق الشعب" شهادات لمجموعة من المثقفين العراقيين، بكلمات موجزة عن الشهيد ودوره الثقافي البارز في نشر الثقافة الوطنية والفكر التقدمي، من خلال كتاباته المتميزة في مجالات الادب والفن، وخاصة في صحيفتي "الفكر الجديد" و"طريق الشعب" وكذلك في مجلة "الثقافة الجديدة" العراقية وطائفة من هذه الشهادات الملامسة لإبداعات الشهيد التي لم يبخل بها يوما على قرائه ومتابعي كتاباته المتميزة . 

 
 

المعموري: كان البعثيون يلاحقونه بسبب عمل شقيقه في المعارضة العراقية
وكان أول المتحدثين بشأن الموضوع الباحث ناجح المعموري الذي قال :
زارني الأخ قاسم عبد الأمير عجام في تمام الساعة الحادية عشرة من يوم 9نيسان2003 وبعد سقوط الصنم، ذلك السقوط المريع غير المتوقع، رحبت به كثيرا وكان مسرورا لما حدث، وتوقع أن يكون العراق على سكة متعرجة، لكنه ومثلما هو دائما محكوما بالأمل والتفاؤل :لابدّ أن تستقيم السكة في يوم ما . شربنا القهوة وطلبت منه ان نتناول الغداء معا. شكرني واخبرني بنيته زيارة الشاعر موفق محمد والإطمئنان عليه، لأن البيت الذي كان يسكنه سابقا مجاور لقيادة حزب البعث.
صمت قاسم قليلا وقال: لاأخفي عليك أريد الإطمئنان على سلامة صديقي، ومن هنا تبدأ حكاية جديدة عرفها أدباء بابل بكل تفاصيلها وهي: إستضافة إتحاد الأدباء والكتاب ـ فرع بابل القاص والروائي المرحوم محمد أحمد العلي لتقديم محاضرة عن كتابي "موسى وأساطير الشرق" الصادر توّا عن الدار الأهلية في عّمان.
إبتدأت الأمسية التي أدارها الأخ قاسم عبد الأمير، وبعد وقت حضر الفعالية عضو الفرع في قيادة الحزب وكان في وقتها مسؤولا عن قيادة المكتب المهني بابل، وبعد انتهاء المحاضر إبتدأت المداخلات وكنت أنا المداخل الأول والأخير، وقبل البدء رحبت بالضيف ومنحته صفته المتفاخر بها، لكن هذا لم يطفيء نار غضبه لأن العجمي "عجام" تصرف بتجاهله قصديا وحاول صديقنا رئيس الإتحاد تخفيف ما حصل وهو أمر طبيعي لمثقف لايعرف شيئا عن تراتبية الحزب، وشنّ هجوما قاسيا وهدّد متوعدا الأخ قاسم المتهم بالخيانة "لأن أخيه علي مع المعارضة في عمّان"، وحاول صديقنا رئيس الإتحاد الدفاع ثانية عن المرحوم قاسم عجام، واستدعى موقفه هذا أن إمتدح كل ممثلي المنظمات شخصية قاسم، ولم يقل أحد منهم بما لم يكن موجودا ومعروفا عنه. لجأ السيد الرفيق بعد ذلك الى المكتب المهني المركزي في الحزب، وحرض الدكتورة هدى صالح مهدي عماش بضرورة اتخاذ ما يلزم بحق قاسم، ودخل تحريضه وسط أنفاق سرية الى أن عرف به أحد شعراء بابل والمتنفذ حزبيا وثقافيا، بعدها إتصل بصديقنا رئيس الإتحاد ووضعه في الصورة، وكان إستغرابه  شديدا وطلب غلق الموضوع، لكن فم السيد الرفيق لم يغلق، فلجأ أخيرا لعلاقته الوثيقة مع دائرة الأمن وحرك الشعبة المعنية بمتابعة شؤون كل من إختار المنفى، وكان قاسم مطلوبا حضوره، وكان ذلك الحضور صعبا للغاية مثلما قال لي صديقي الراحل قاسم عجام، وسيكون ذلك موضوعا لكلمة في قادم الأيام.
كل هذه الشبكة المعقدة من المتابعة، لأن الأخ قاسم لم يرحب به ،لأن تقاليد الفعاليات في بابل لايشجع إستقبال أي شخص بعد إبتداء الفعالية، وحضر من كان مسؤولا.
غادرني الصديق قاسم متوجها للأخ الشاعر موفق محمد المجاور لدار السيد والرفيق والذي إختار بيته سجنا له.
وبعد أيام إلتقيت الأخ الشهيد قاسم وسألته، فقال بهدوء تام وإبتسامة عريضة تملأ وجهه الذي ظلّ أبيض: كنت سعيدا للغاية لكني سأظلّ خائفا عليه.


عاصي: الذات الفاعلة في وسطها
أما الكاتب جاسم عاصي فقال:
قاسم عبد الأمير عجام ، منذ عرفه الوسط الثقافي ، كان نموذجا ً للإنسان الوطني الساعي إلى : أولا ً تطوير الذات ، وثانيا ً : أن تكون هذه الذات فاعلة في وسطها . لذا وجدناه مُطوِرا ً لاختصاصه رغم العقبات الكثيرة ، ومثابر على البحث عن الوسائل الممكنة التي من شأنها تصعيد وعي الفرد لضمان وعي الجماعة ، وبالتالي خلق وعي ، وتشكـّل اجتماعي متراصّ ، ذو أهداف قريبة وبعيدة ، يرفض العشوائية في البناء ، تدرب على الحرص على المال العام ، ومتواصل على إنجاح مشروع الجماعة . وإن مشروعه الفردي لا يبتعد عن مشروع غيره . هذه الرؤى هي الطامة الكبرى التي أجهضت كثير من المشاريع ، ذلك لأن وعي الآخر الذي يهمه تفكيك المشروع الوطني ، أكثر تصاعدا ومنهجية . إن خلق الوعي ليس بالأمر الهيّن أو السهل ، ذلك لأنه يتطلب اليقظة المستمرة ، واليقظة هذه كفيل بخلقها الوعي الثقافي الذي يخلق وعيا ً جدليا ً قادرا ً على تفكيك المشاريع المضادة . قاسم عجام ، كان ضمن مشروع بناء ثقافة وطنية ، ليس لحظة إيكال مهمة أو وظيفة إدارة مؤسسة دار الشؤون الثقافية العامة التابعة لوزارة الثقافة ، وإنما منذ أن وضع قدمه في سكة الطريق ، وهذ ما أكده كتاب السيرة القلمية الذاتية التي  دأبت على جمعها وتحريرها الدكتورة " نادية العزاوي " مشكورة . فقد أثرى الكتاب صورة ما يتوجب أن يكون عليه المثقف الواعي لقضيته وقضية شعبه ووطنه . وهنا لابد من ذكر ما كان يدلي به الراحل ، وهو بصدد تسلمه مثل هذه المهمة الوطنية ، بالرغم من قصر الفترة الزمنية . فقد كان صاحب مشروع تطوير مهمات الدائرة ، واشراك المثقفين  في مهمة كهذه. هنا نذكر ؛ إن اغتيال قاسم عبد الأمير عجام ، لم ولن يكون مبنيا  على الخطأ ، بل أنه جزء من مخطط إجهاض وعي الإنسان ، بمشروع اجهاض رموز المشاريع الوطنية . وما التركيز على تهشيم رأسه بطلقات متتالية ، سوى علامة تؤكد وصايا من وظف الإنسان غير الواعي لحياته ــ إذا صحّت الرواية ــ  فهو في النهاية نفـّذ رسالة أسياده المشتعلة قلوبهم حقدا ً على كل ما هو عراقي وطني . وهنا نؤكد على أن هذا لم يكن جديدا ً ، فقد حفل التاريخ العراقي المعاصر بالصور القبيحة لفعاليات الاغتيالات منذ نهاية خمسينيات القرن المنصرم ، وتحديدا ً منذ انبثاق ثورة تموز الوطنية عام 1958 .

مجيد: قاسم عجام صورة ناصعة للمثقف العراقي
وحدثنا القاص والروائي حنون مجيد عن الراحل عجام قائلا :
كان قاسم عبد الامير عجام الصورة الناصعة للثقافة العراقية، مع حلول هذه الايام من عام 2004 تكون مرت ثمانية أعوام ،على الرحيل المبكر لقامة ثقافية شامخة من قامات الثقافة العراقية، التي تميزت بدأبها الحثيث والجاد، على إغناء المشهد العراقي بثقافة تقدمية عالية الكفاءة والأداء ، سواء على مستوى النقد الدرامي أم النقد الأدبي واللذين ، كانا محط إهتمام وتقدير المثقفين على مختلف مشاربهم وأهوائهم... إنه الرجل العفيف طاهر القلب واللسان والشخصية المحبة للثقافة والوطن على حد سواء قاسم عبد الأمير عجام، الذي اغتالته قوى انتقامية ظلامية وغير منصفة معاً. ولعل من أجسم الخسائر أن تفقد الساحة الثقافية رمزاً من رموزها بهذه السرعة غير المحسوبة، وبهذه الكارثية غير المعقولة وهو في أوج عطائه المعرفي، ومتوجاً بما يستحقه مديراً عاماً لدار الشؤون الثقافية العامة ، في حال فريد من التكاملية بين المسؤول ومهمته الإدارية. وأعتقد جازماً بأن جميع من عرف الشهيد أبدى وقتذاك ، إعترافه بأنّ حلوله في موقعه هذا، إنما هو عين ما يصطلح عليه، بحلول الرجل المناسب في المكان المناسب، وربما هو هذا ما أغاظ القوى العاتية التي تتصيد الكفاءات العالية، التي تشغل مواقعها المناسبة لتعطيل فاعليتها، واحلال الفوضي الإدارية التي بات البلد يشكو منها، بفعل ما استهدفت من طاقات مماثلة في الثقافة والمعرفة والعلم، كانت موئل آمال المثقفين وأخص بالذكر هنا وبتحديد دقيق، الشخصية الثقافية والوطنية البارزة الشهيد العزيز كامل شياع الذي كان صديق الجميع.
عرفت الشهيد عجام منذ سبعينيات القرن الماضي وكنت اتابع اعماله النقدية ، التي تنشرها الصحف العراقية ،بشغف واهتمام بالغين .وقد التقيته في أكثر من مناسبة كانت مجالاً صادقاً للود وتبادل الاحترام الثقافي ، القائم على معرفة التجربة الذاتية للآخرالذي لا يختلف عنه في التوجه الإبداعي العام .
كان لقائي ما قبل الأخير به بعد ايام من الاحتلال في مقهى الشابندر ... ما زلت اتذكر لهفته حال دخول المقهى للسلام عليّ ثم الدخول المباشر في موضوع الوضع الجديد. وان كنت انسى فلن انسى الروح المتوثبة التي كانت عليها روحه ، والنظرة الجميلة ولكن القلقة التي كانت عليها نظرته. كان كمن يريد أن يقبض على شيء ثمين يشعر ان كثيراً غيره قد يسرقونه منه ، لذا كان متحفزاً لتسلم ما كان يفكرفيه من دور يستحقه هو والقوى الوطنية  التي كانت أشد من عانى الأوضاع القاسية والمؤلمة قبل التغيير.لم تكن جلسته معي طويلة بل ما برح ان غادرني بعد اقل من نصف ساعة ، يستشرف الافق العام الذي بات منذ اللحظات الاولى يتبدى على وجوه المثقفين المتطلعين الى التغيير المنصف والصائب والحكيم.
ثم كان لقائي الأخير به يوم تسنمه منصبه مديراً عاماً لدار الشؤون الثقافية في زيارة تهنئة ، وكان كعادته نبيلاً صادقاً متوهج النظرة طيب القلب متواضعاً تواضع القديسين مبشراً بوعد جميل.
إن ما يدمي القلب أن مجموعة رصاصات غادرات ، انهت في لحظة ما اقساها حياة رجل حباه الله بكل ما يرجوه الإنسان من أخيه الإنسان ، وأخذت معها حلماً جميلاً لم يكن حلمه وحده ، إنما كان حلم جموع المثقفين ... اذن لترفرف والى الأبد الرحمة الوارفة على روحه النقية الطيبة وليصطف إسمه مع اسماء شهداء الوطن البررة والخالدين .
د. صبيح جابر: قتلة عجام هم ابناء شرعيون لحقبة البعث الفاشي
وكان آخر المتحدثين الدكتور صبيح الجابر مستذكرا مرحلة السبعينيات من خلال حديثه عن قاسم عبد الامير عجام :
كنا في سبعينيات القرن الماضي شبابا نتابع باهتمام وتلهف ما بدأت تنشره صحيفة "الفكر الجديد" الاسبوعية، ومن ثم صحيفة "طريق الشعب" اليومية، و"الثقافة الجديدة" العراقية وخاصة في الصفحات الثقافية من مقالات ودراسات وربورتاجات فنية لعدد من رموز الثقافة العراقية، الرصينة والمغايرة، لما هو سائد ومألوف بالنسبة للقراء الشباب بشكل خاص، وكان قاسم عبد الامير عجام من بين ابرز هؤلاء الكتاب، الذين شكلوا خطا ثقافيا مغايرا ومتميزا، ومستندا الى قاعدة فكرية علمية في الادب والفن، اثارت اهتمام القراء على مختلف مشاربهم الثقافية والفكرية والفنية، الامر الذي ساعد على ولادة حركة ادبية وفنية متميزة، كانت كتابات الشهيد قاسم عبد الامير عجام وامثاله الادبية والفنية مقوما لها في ذلك الوقت، وداعما لتوجهاتها وانشطتها المتنوعة.
واليوم اذا اراد المواطن العراقي بشكل عام والمثقف بشكل خاص - الذي عاش تلك الحقبة الزمنية- ان يستذكر الحركة الادبية والفنية وابداعات الثقافة العراقية في القرن العشرين، فانه سيقف طويلا عند عقد السبعينيات، يتحدث باعجاب عن انجازات ذلك العقد وتميزه عن غيره من عقود القرن العشرين الفائت، اي ان المتابع العادي سيحدثك بفخر عن ادب السبعينيات، وعن مذاق الاغنية السبعينية، وعن جدية لمسرح الجاد الملتزم، وعن فن التشكيل المتطور، والتنافس الثقافي بين الشباب والقراء عموما وقد كان الشهيد قاسم عبد الامير عجام موجودا وفاعلا ومتفاعلا بين كل هذه الاشكال التعبيرية، الادبية والفنية، والثقافية الصاعدة سريعا من تحت ركام التخلف وتراكم الامية والجهل. ان واقعنا الثقافي في اليوم بحاجة الى عجام وعشرات من امثاله، لمواجهة هذه التركة الثقيلة، التي خلفها النظام البائد، وهذه السماء الملبدة بغيوم التضليل والجهل والتخلف وسياسة تزييف وعي المجتمع، التي مارسها النظام الفاشي على مدى اكثر من ثلاثين عاما، فقد عمل جاهدا على تعطيل العقول النيرة، وايقاف عجلة تطور وعي المجتمع وتقدمه.. وقد كان قتلة عجام هم ابناء شرعيون، وقتلة محترفون لحقبة البعث الفاشي، ونتاج تزييف وعي المجتمع وتضليله، فما احوجنا اليوم الى قاسم عبد الامير عجام والمئات من امثاله، لاحداث نهضة مغايرة، كتلك التي شبت وتنامت في عقد السبعينات.
* بتصرف عن التحقيق الثقافي لصحيفة "طريق الشعب" 17-5-2012


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM