حوارات  



رتيبة الحفني لـ(الرأي): جمهور اليوم يستمع للأغنيات بجسمه وحركاته وليس بأذنه

تاريخ النشر       17/09/2013 06:00 AM


حاورها: علي عبد الامير
د. رتيبة الحفني، واحدة من اعلام موسيقانا العربية اليوم، درست الموسيقى العربية ومن ثم فنون الغناء الاوبرالي الغربي ومارسته، وعملت كعميدة للمعهد العالي للموسيقى العربية في القاهرة لسنوات طويلة، وهي باحثة لها ولفات في العديد من اسماء وظواهر الموسيقى العربية، وتنظم سنوياً مهرجان الموسيقى العربية في دار الاوبرا بالقاهرة وتشغل منصب نائب رئيس المجمع العربي للموسيقى.

صورة الحوار منشورا في صحيفة "الرأي" الاردنية
 
بمناسبة انعقاد الاجتماع الرابع عشر للمجمع في عمّان، والذي شاركت في اعماله وندواته وامسيات الموسيقية كان لـ"الرأي" هذا الحوار معها، فهي موزعة ما بين انشغالات عديدة، تجمعها الموسيقى، العربية منها تحديداً، تحاضر، تقيم المهرجانات الموسيقية، تكتب وتشغل منصب نائب رئيس المجمع العربي للموسيقى وامين عام مهرجان الموسيقى العربية بدار الاوبرا في القاهرة•.
 *رحلة طويلة عاشتها الفنانة د. رتيبة الحفني مع الموسيقى، وتعرفت الى انماط من الموسيقى العربية وتعاملت معها كيف تصفين حال الموسيقى في اول الرحلة وحالها الان؟
- هناك مرحلة لم اتعرف عليها شخصياً ولكنني تعرفت عليها من خلال الدراسة وتميزت بالعودة الى الجذور القوية، حيث التأثر بين موسيقات الدول العربية، ففي مصر كان الموسيقيون في اول القرن على اتصال بفنون الغناء والموسيقى في حلب بسوريا والعراق حيث القوالب والمقامات الشرقية وهذا البحث والاتصال كوّن اساساً سليمة تابعها المؤدون والموسيقيون، وطوروا مهاراتهم بانضباط على قوالبها، وكانوا يتعرضون لاختبارات صارمة من قبل اساطين النغم قبل صعودهم خشبة المسرح لتقديم الاغنيات او الموسيقى.
هذا ادى الى ظهور اسماء تتقن اسس الاداء السليم، مع تفاوت طبعاً بين صوت واخر وموسيقي واخر، لكن الجميع يعرفون ادق التفاصيل عن الموسيقى واصول الغناء، تلك الاختبارات الصارمة وروح الهواية والحب للموسيقى اعتبرها اكثر دقة من اختبارات ومقاييس اليوم، حيث ظهرت عناصر جديدة للأسف لم تكن دراسة لجذور الموسيقى العربية، ولذا ظهرت انماط موسيقية وغنائية تعتمد الواناً جديدة والوان جديدة في الاداء، تستقل شخصيتها حتى عن الاسماء الكبيرة مثل ام كلثوم وعبد الوهاب او عبد الحليم حافظ، ولكن لابد من ان تكون مبنية على الجذور وتتصل بالمقامات الغنية للموسيقى العربية التي نعتز بها امام العالم، فلا يمكن لنا ان نعتز بموسيقى عربية ممسوخة الهوية، تقترب للاسف من الالوان الغربية المعاصرة، ناهيك عن التغير الذي اصاب حتى طريقة الاستماع، حيث يستمع الجمهور اليوم للأغنيات ليس بالاذن وانما بالجسم وحركاته الراقصة والتصفيق اعتماداً على سيادة الايقاع الراقصة فيها، نحن نحتاج لمغنيين وفنانين يحترمون الجمهور مثلما كان يفعل عبد الحليم حافط وام كلثوم كذلك، ولم تزل تفعله حتى اليوم السيدة فيروز حيث تأخذ جانباً من المسرح ليظل الجمهور منصتاً بهدوء لمقطع موسيقي قد يكون في مقدمة ووسط الاغنية.
وسط حالة الكسب المادي والبحث عن النجومية الزائفة اختفى البحث الجاد عن اللحن الرصين، والاداء الرصين، ولانني متفائلة بطبعي اقول ان هذه المرحلة ستنتهي سريعاً، وسيكون عندنا لون من الموسيقى المعاصرة المبنية على اسس سليمة تتصل بجذور الموسيقى العربية دون ان تنقطع عن عصرها.
 

علي مع الحفني
 
*هل تبدور قريبة مثل هذه الانتقالة من فيض الاغنيات والالحان العابرة الى نمط موسيقي يتصل كما تقولين بجذور الموسيقى العربية؟
- انا انتظر مثل هذه الانتقالة، عبر بعض الخطوات السليمة، والتي تسلكها بعض الاوساط الموسيقية العربية، فنحن في دار الاوبرا بالقاهرة نقيم مهرجانا ً للموسيقى العربية ونكتشف وجود اصوات شابة، تمنحنا سبباً للتفاؤل، فهناك فرق موسيقية تحضر لاول مرة كما حصل مع فرقة اربد للموسيقى العربية بقيادة د. محمد غوانمة، وفرق من بلدان عربية عديدة، اضافة الى اصوات الغناء الانفرادي، التي تؤدي الوان الغناء العربي الاصيل، فمن تونس كان هناك اكثر من صوت، واكتشفنا القدرات المميزة للمطرب لطفي بوشناق، ومصطفى دحلة من فلسطين الذي كان واحداً من اجمل الاصوات، اضافة الى اصالة نصري وسمية قيصر.
ومثل هذه الاصوات الشابة لابد لنا من فتح ابواب دار الاوبرا امامها، كي تعطينا الامل حقاً ونتحسس قيمة الجهد الذي بذله مبدعون كبار حاولوا من خلاله تأكيد الملامح التعبيرية للموسيقى العربية، وها هم شباب يواصلون الرحلة ويجددوها، ومبعث بهجتي يزداد مع اتساع مثل هذه اللقاءات والتظاهرات الموسيقية، على امتداد العواصم العربية، ففي عمّان مثلاً نجد حركة موسيقية في اكثر من نوع، فقد شاركت العام الماضي في مهرجان اغنية الطفل الذي وجدته مهرجاناً من طراز رفيع، عني بواحدة من اسس التربية الموسيقية وتوجيه الذوق وتنمية الحس الموسيقي عند الطفل، كما ان جهود مؤسسات موسيقية مثل المعهد الوطني للموسيقى، حققت ليس ما تصبو اليه هذه المؤسسة فقط، بل ما نريده نحن كموسيقيين من تأكيد لحضور الموسيقى في الفعاليات الثقافية للعواصم العربية.
*عرف عنك الاهتمام بالاوبرا، بل كنت مغنية الاوبرا الوحيدة في الوطن العربي، مع ظهورك الاول، ما علاقة ذلك باتجاهك نحو تعميق مصادر ثقافتك في الموسيقى العربية؟
-جاء ذلك من خلال تعلمي للموسيقى، ففي معهد التربية الموسيقية كنت اتعلم العزف على البيانو كآلة اساسية والعود كآلة ثانوية وعلى يد فنان كبير هو محمد القصبجي، وبعد تخرجي حصلت على منحة دراسية في المانيا لاستكمال دراستي على آلة البيانو كتخصص اول وكان الغناء تخصصي الثاني، فوجئت بعد فترة، بأن المشرفين هناك يقولون: لن تعزفي البيانو فأنت صاحبة صوت ولابد من ان تتعلمي فنون الغناء الكلاسيكي وغناء الاوبرا.
وعدت للقاهرة كي امارس الغناء الاوبرالي على مسرح دار الاوبرا، ومع العديد من الفرق الوافدة من اوروبا وانتشر لي عمل مسجل على اسطوانة، هو "الارملة الطروب" وعرضت في النمسا، وسافرت الى دول اوروبية عديدة، مشاركة في عروض اوبرالية عديدة ومعها عرفت كمغنية اوبرا ولاحقتني هذه الصفة كثيراً وتأكدت عبر 400 مرة تقريباً شاركت فيها كمغنية اوبرا.
غير ان الموسيقى العربية ظلت قريبة اليّ، فبعد العود درست آلة القانون واصبحت لي تسجيلات قدمت خلالها العديد من المعزوفات، ثم عينت عميدة للمعهد العالي للموسيقى العربية وهذا ما دفعني للتعمق كثيراً في الموسيقى العربية وفنونها عبر العزف او البحث.
 وخلال (30) سنة قضيتها معيدة للمعهد العالي للموسيقى العربية، استطعت ان اقدم برنامجاً تلفزيونياً اسبوعياً هو "مع الموسيقى العربية" وما زال يقدم حتى اليوم، وطوال هذه الرحلة توصلت الى… ان جهدي لابد ان ينصب على الموسيقى العربية، فالاوبرا لها من يحرسها من اهلها ويقدم فيها افضل مني، هذه الرحلة توجتها اخيراً بالمهرجان الذي تحدثنا عنه اول اللقاء، واواصل البحث والكتابة وتقديم الاوراق ضمن ندوات فكرية متخصصة.
 
*تعاني المكتبة العربية حقاً من نقص في مصادر الثقافة الموسيقية وتلك التي تبحث في فنونها واعلامها بطريقة علمية، هل وعيك لهذا النقص قادك الى الكتابة في هذا المجال؟
- انجزت كتابة موسوعة للاطفال في (50) جزءآً تخاطب الاطفال في سن 8-14 سنة كي يتعرفوا على الموسيقى عن طريق المطالعة، واكملت كتابة مادة لمسلسل يعتمد الحكاية لتقريب الموسيقى عبر اعلامها الى ذهنية الطفل والنشء الجديد، وفي باب البحث النقدي انجزت كتباً عديدة، اولها عن محمد عبد الوهاب، وآخر عن ام كلثوم، فيما انهيت كتاباً هو وفاء مني لذكرى الوالد /الانسان والفنان محمود الحفني، توقفت عن حياته، وميوله الوطنية (مشاركته في ثورة عام 1919) وتفاصيل عن صورته كأب وإنسان مكافح.
 وانا مشغولة الان بانهاء كتاب عن الفنان محمد القصبجي، وانتهيت قبل ذلك من كتاب عن فن رياض السنباطي، غير انني ركنته لظهور كتاب جيد عنه وضعه ابنه احمد مع مؤلف اخر، وكتبت فصولاً من سيرتي الذاتية، احاول ان اظهر فيها لا سيرة التفاصيل اليومية فحسب، بل تلك التي تؤرخ لاحداث وفترات مهمة في موسيقانا العربية.

 
* نشر الحوار في الملحق الثقافي لصحيفة " الرأي" الاردنية 15-3-1996


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM