الجنوب العراقي: اغتيال وجهاء وشيوخ ام محو هوية؟

تاريخ النشر       29/12/2013 06:00 AM


في الاشهر الثلاثة الماضية بات مألوفا أن يكون خبر استهداف احد الشخصيات البارزة في الجنوب العراقي، اعتقالا واغيتالا، فقد تصاعد القلق من تداعيات الانهيار الأمني الكبيرة التي امتدت خلال الشهور الماضية إلى مدن الجنوب، خصوصاً محافظات البصرة وذي قار وميسان التي كانت الأكثر أمناً في السنوات الأخيرة.

محافظ البصرة مع عشائر الغانم

ولجأ الوقف السني الى قرار بإغلاق المساجد السنية في البصرة "بعد قتل عدد من أبناء المذهب وتلقي آخرين تهديدات بالتصفية"، فيما تواجه ذي قار أزمة كبيرة بعد إقدام مجموعات مسلحة مجهولة على تهجير عدد من البلدات السنية وأبرزها تلك التي تسكنها قبيلة السعدون العربية المعروفة باسهامها البارز في تأسيس الدولة العراقية المعاصرة، ومن رجالاتها المؤثرين: رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون المولود في الناصرية عام1889 وتقلّد أربع وزارات. وكان عضوا في المجلس التأسيسي وثاني رئيس وزراء في العهد الملكي في العراق. توفي منتحرا 1929 بعد مناهضته السياسة البريطانية ورفضه التوقيع على معاهدة الانتداب على بلاده.

مدير الوقف الشيخ عبد الكريم الخزرجي (1) يكشف عن " وقف الصلوات في جميع الجوامع والمساجد في البصرة إلى أجل غير مسمى، حفاظاً على أرواح المصلين بعد موجة العنف التي تعرضوا لها خلال الأسابيع الماضية التي شهدت مقتل 14 شخصاً من أبناء المذهب السني في مناطق متفرقة في البصرة، بينهم شيوخ جوامع ومؤذنون وخدم في المساجد التابعة للوقف، فضلا عن استهداف بعض المصلين ولم يكن أي من الضحايا متورطاً في نزاعات سياسية أو اجتماعية أو عشائرية وهذا ما تثبته الأوراق الرسمية لدى قادة الأمن في البصرة".

استهداف عشائر السعدون العربية ( السنية) في الجنوب وتحديدا في محافظة ذي قار وكبرى مدنها: الناصرية رآه الأمين العام لـ"حركة العدل والإصلاح" عبد الله حميدي عجيل الياور، وهو احد شيوخ عشائر  شمر الكبيرة في العراق سوريا والسعودية والخليج، إن "اليد الإيرانية مازالت تعبث بأمن العراق وتهدد وحدة شعبه وأرضه"، متهما "فيلق القدس الإيراني بالوقوف وراء تهجير عشيرة آل السعدون كبرى عشائر محافظة ذي قار والتي أسست مدينة الناصرية بالإضافة إلى عمليات القتل الطائفي واستهداف المساجد في مختلف المحافظات"(2).

وفي مآثر آل السعدون: هم جزء مِن الجنوب العراقي، حذفهم، وحذف بقية أركان الشَّعب العراقي، وباء لا بد مِن مواجهته،. فانظروا فداحة ما يبيت للعِراق مِن قِبل مخربي الأوطان.(3)

كذلك سمعنا كلمة رئيس الوزراء (الأربعاء 18 أيلول/سبتمبر 2013) يعبر عن قلق وحرص تجاه آل السَّعدون، جاء فيها: “أعبر عن قلقي وألمي لما يحصل للإخوة من عشائر السعدون في الناصرية والبصرة والكوت، من عملية استهداف من قبل عصابات ومجرمين، وأقدم لهم التعازي بهذه الفاجعة…”(الأربعاء 18 أيلول/ سبتمبر 2013). يبقى مع تكاثر الطائفيين وتجاوز المجرمين فالحكومة هي المسئولة أولاً وأخيرًا، فلابد أن تترجم هذه الكلمات على أرض الواقع.

بعد نحو شهر على استهداف ال السعدون تم اختطاف عدنان الغانم شيخ عشيرة الغانم وبرفقته الشيخ كاظم الجبوري، وسط البصرة من قبل مجموعة ترتدي ملابس عسكرية وتستقل سيارات تستخدمها اجهزة حكومية. وبعد شهر على اختطافهما: وجد الغانم والجبوري.. جثتين مشوهتين في منطقة محاذية للحدود الايرانية بالبصرة

وكما كان متوقعا منذ لحظة اختطافه قبل أكثر من شهر ونصف فقد عثر ذوو الشيخ عدنان الغانم على جثته مرمية في منطقة بالقرب من نهر جاسم، القريبة من الحدود مع إيران. كانت أسرته وأبناء عمومته وبعد ان طرقوا الابواب كلها مع الدوائر والمؤسسات السياسية الأمنية كلها قد التقوا رئيس الوزراء أخيرا للسؤال عنه، لكنه أعلمهم بعدم معرفته بشيء عنه . اختطف الرجل وقتل والدولة لا علم لها به، ولم تفعل شيئاً(4)

الى ابعد من هذا ذهب محي الغانم، شقيق المغدور الشيخ عدنان الغانم، قائلا "نوجه اتهاماتنا الى الحكومتين المحلية والمركزية لان الراحل اختطف هو ورفيقه الراحل الشيخ كاظم الجبوري وسط البصرة وفي وضح النهار ومن قبل قوة عسكرية".

وكشف محي الغانم(5) ان شقيقه "تعرض ورفيقه الشيخ كاظم الجبوري الى التعذيب قبل قتلهما ثم الى التمثيل البشع بجثتيهما ورميهما قرب منطقة نهر جاسم المحاذية للحدود الايرانية".

واشار الى ان " ماكينة القتل مستمرة ومتواصلة يوميا على اهل السنة في البصرة وقتل  55 شخصا منهم ولكننا لن نحيد عن خطنا الوطني وهويتنا العربية التي تتعرض لمحاولات المحو ".

في اليوم ذاته الذي تم فيه العثور في البصرة على جثة شيخ عشيرة الغانم، اغتيل الشيخ جمال محسن الفارس، شيخ عام عشائر الرفيع في محافظة ذي قار، ومثلما ربط محي الغانم اعدام شقيقه بعد اختطافه بانه استهداف لـ"هويتنا العربية التي تتعرض لمحاولات المحو"، وصف زعيم ائتلاف "العراقية" اياد علاوي(6)، اغتيال الشيخ الفارس في سياق متصل فقال أن "تصفية هذه الرموز الوطنية يندرج في إطار مخطط إخضاع العراقيين لإرادات خارجية، وإشاعة الفتنة والفوضى"

ومع ان الاستهداف المنظم في الاشهر الثلاثة الماضية طال قيادات اجتماعية وشيوخ عشائر ورجال دين اغلبهم من السنة في جنوب العراق، الا ان هناك رفضا واسعا حتى من قيادات مؤثرة في الوسط الشيعي العراقي لهذا الاستهداف، فزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر(7) رأى ان "هنالك من يستهدف شيوخ وأمراء العشائر لكسب الاصوات بعد اليأس من شرائها" في اشارة واضحة الى رئيس الحكومة نوري المالكي الذي شكل "مجالس اسناد" اتهم من خلالها بـ"شراء ولاء بعض القيادات العشائرية في الفرات الاوسط والجنوب".
الشيخ نايف الغانم(8): الهوية العربية للجنوب هي المستهدفة

ويرى الشيخ نايف الغانم  في حديث خاص لي للنشر في معهد  العربية للدراسات ان" استهداف الشخصيات العربية في جنوب العراق طال اولا الكفاءات والاكاديميين  والطيارين منذ بداية 2003، مثلما طال اغتيالا الشيخ علي نجم  السعدون والشيخ عبد العال البطاط وغيرهما".

وفيما يرى الشيخ الغانم المقيم حاليا في العاصمة الاردنية ان " الشخصيات السنية استهدف بتركيز في جنوب العراق" الا انه يستدرك موضحا ان " الاستهداف طال ايضا الشخصيات العروبية من الشيعة، وبالذات تلك التي تواجه علنا التدخل الايراني وترفضه بقوة"، مشددا "الشيوخ اصبح لهم كلمة، تحديدا شيوخ العشائرة العربية، وهناك أمل قوي بالعرب الشيعة فهم ليسوا موالين لطهران ، وعروبة الشيعة عامل حاسم في ردع محاولات قوية لمحو الهوية العربية في جنوب العراق".

ويرى ان "الاستهداف بالاغتيال والتصفية للشخصيات البارزة في الجنوب ليس طائفيا بالضرورة، فهناك رئيس "جماعة علماء العراق" خالد الملا، وهو شخصية سنية بارزة، لكن لا احد يستهدفه فهو من المقربين الى الحزب الحاكم ورئيس الوزراء نوري المالكي، بينما تم مؤخرا اغتيال الشيخ كاظم الجبوري، وهو شيعي والسبب هو عمله الاجتماعي بالضد من النفوذ الايراني في الجنوب".

ويعتقد الغانم ان محافظة ذي قار ومركزها مدينة الناصرية، هي الاكثر تشبثا في مدها العربي عبر عشائر المعروفة القوية المتصلة باواصر عميقة،  ولذا صارت مركزا لعمليات استهداف الهوية العربية، بل مركزا لحملات القمع التي تشنها قوات المالكي الخاصة، حد ان رئيس الوزراء بعث باحد مقربيه من القياديين العاملين في مكتبه الشخصي، وهو كاطع الركابي الملقب (ابو مجاهد الركابي) وهو من الناصرية اصلا لقمع التحركات الاجتماعية والسياسية التي نشطت مؤخرا ضد الحكومة وفسادها".

ويكشف الشيخ الغانم عن اسرار عملية مطاردته وملاحقته من قبل الحكومة العراقية، فيقول انه " في شباط (فبراير) 2011 واثناء الاستعدادات للمظاهرات الواسعة ضد الحكومة ارسلت الى منزله قوة مكونة من ضابط شرطة وسبعة من العناصر وقيل لي بانني مقبوض عليّ كونني اعتديت على الحكومة وصدر امر باعتقالي بتوجيه من رئاسة الوزراء وهو ما حصل لكن القاضي اطلق سراحي بكفالة في اليوم التالي".
ويكشف الغانم " عن ملاحقات طالت الشيخ كاظم العنيزان الذي اعتقل وعذّب لاشهر واتهم كونه بعثيا، كما تم اعتقال  الشيخ كاظم المنشد الغزي للامر ذاته، وتم التضييق على الشيخ مزاحم الكنعان التميمي بالتهمة ذاتها، على الرغم من كون شقيقه اغتيل على يد النظام السابق ".
الشيخ مزاحم الكنعان التميمي(9): الهوية العربية لا يمكن انتزاعها من الجنوب العراقي

ويرى الشيخ مزاحم الكنعان التميمي في حديث معي:  "لا أعتقد أنهم يستطيعون محو الهوية العربية للجنوب العراقي، فالعروبة عند اهله حب، وهذا الحب لا ينقطع، لا يستطيع أحد اجتثاثه، ولم يستطع لحد الآن استهدافي بشكل مباشر ولعل ذلك يعود لمكانتي في المجتمع، وقوة أهلي وقبيلتي وعلاقتي الواسعة والطيبة مع غالبية الناس، وللاحترام التقليدي لعائلتتا من مختلف الأطياف".

ويوضح الشيخ التميمي، وهو ضابط سابق في الجيش العراقي : لكن الاستهداف ظهر بشكل غير مباشر وبدوائر مغلقة أكثرها يظهر المودة مع اخفاء الخبث الذي يكمن في القلوب، والأمر يطال من يظهر هويته العروبية ويكشف توجهاته المتعلقة بالشخصية العربية".

وحول تصفية الشيوخ الثلاثة مؤخرا في البصرة والناصرية، يقول " لدينا مع الأسف ولاء للخارج حتى من دون اعمال للعقل، بمعنى أنه لا يرى الا ما هو موجه اليه وبما يؤمر به ويقف بالضد ممن يجد أن له رأيا فيه استقلالية أو تعارض مع توجهه هو الى حد الاستعداد للقيام بالتصفيات او هدر الدم، والأمر الآخر لدينا مأجورون يعمل بالقطعة بمال حرام يأتيهم من أجهزة خارجية تبتغي تصفية من يُخشى من مواقفه وسلوكه الرافض أو لمجرد احلال الخوف والضغط باتجاه الطاعة وعدم المعارضة".

وحول حجم هذا الاستعداد للقتل، وهل هو منظم ام قلة وعي وعمل عائد لنفوذ ميليشيات واحزاب موالية لطهران، يقول بتحفظ واضح "لعل هذا الأمر لا يرتبط بموضوع العروبة، فالأخوة الذين أشرت اليهم رحمهم الله (الشيوخ الثلاثة الذين اغتيلوا مؤخرا) في البصرة والناصرية وهم اصدقاء أعزاء، ليست لهم مواقف واضحة يمكن أن يقال إنها عروبية بحتة. نعم قد تكون وطنية وقد تكون رافضة لما يتعرض له السنة في الجنوب وأمور أخرى لا أعرفها لأن الأخوين الشيخ عدنان الغانم والشيخ جمال الفارس كانا على علاقة طيبة مع الحكومة والأخ جمال كان عضوا في مجلس النواب. لكن فيما يتعلق بالاخ الشيخ عدنان كان يعلن صراحة معاناته من الاستهداف الطائفي مع أنه على علاقة طيبة بجميع الأطراف ولكن كانت له مشاكل ايضا مع ابناء طائفته كذلك فهو معروف بصراحته وجرأته. اعتقد أن الموضوع هو جزء من مخطط لاستهداف السنة بصورة عامة في الجنوب وتصفيتهم نهائيا عن طريق الاغتيال او التخويف للمغادرة النهائية وهذا موضوع يشترك فيه الكثير من المؤثرين سواء بوعي او من دون وعي".

ويكشف الشيخ التميمي الذي يحظى باحترام كبير في مدينته البصرة وعموم جنوب العراق ان "أقوى منظمة تعمل في الجنوب وهي مدعومة من ايران ولا تخفي ولاءها لمرجعية ايران، هي مجاميع "عصائب اهل الحق" المدعومة حاليا من رئيس الحكومة المالكي والتي يبدو انه يتكئ عليها في مواجهة جماعات الضغط السنية".

وحول اشكال النفوذ الايراني يرى التميمي: " النفوذ الايراني واضح في العراق عموما وفي الجنوب خاصة، وذلك من خلال التأثير الفعال لرجال الدين المدعومين ماديا ومعنويا من اجهزة مختلفة في ايران تحت شعار نصرة المذهب، ومن خلال التنظيمات التي نشأت في ايران وهي لا تخفي ولاءها وتقليدها لمرجعية السيد الخامنئي، ومن خلال المنظمات التي ترعاه الاشكال المختلفة للاجهزة الاستخبارية الايرانية. ولا يخفى ان وضع العراق الحالي يعتبر مناسبا جدا لايران لأن تفعل ما تشاء في الداخل العراقي. الموضوع المهم لدى ايران الان هي ان تبقى مسيطرة على الاوضاع ومتحكمة فيها، سواء تم ذلك عن طريق منظمات للقتل ام منظمات سياسية تصل بالدعم الايراني الى الحكم".

ومثلما ابتدأ الشيخ التميمي حديثه باستحالة محو الهوية العربية للجنوب العراقي، يعود ليختم حديثه " العروبة سوف لن تنتهي في الجنوب وان كانت الالوان بعضها ايراني، الا ان العروبة تسري في دم الجميع حبا لانتمائهم وولائهم الوطني".
 
* نشرت في "معهد العربية للدراسات"

http://studies.alarabiya.net/hot-issues/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%88%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A-%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%B4%D9%8A%D9%88%D8%AE-%D8%A7%D9%85-%D9%85%D8%AD%D9%88-%D9%87%D9%88%D9%8A%D8%A9%D8%9F



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM