استعادة 9 نيسان وفق منظور نقدي اميركي: الغزو ولا شيء جديا بعد ذلك!

تاريخ النشر       31/12/2018 06:00 AM


واشنطن- علي عبد الامير
ما انفك سؤال "نجاح اميركا اللافت في انهاء صدام ومن ثم اخفاقها في ترتيب البيت العراقي "يبدو السؤال الابرز في كل مرة تتم فيه استعادة حرب اسقاط النظام العراقي السابق التي انطلقت شرارتها الاولى في التاسع عشر من اذار ( مارس) 2003 ، مثلما يبدو السؤال الاكثر الحاحا في كل مرة يتم فيها البحث عن " ضوء في اخر نفق العراق الطويل".
عراقيا تبدو استعادة الحدث استعادة لاجواء من التفاؤل سادت اوساط عراقية عريضة عدا بالطبع تلك المرتبطة بمفاصل السلطة المقوضة، غير ان اجواء التفاؤل تلك بحسب جميع الاطراف العراقية حتى المرتبطة مباشرة بالمشروع الاميركي لاطاحة صدام بالقوة لم تجد استثمارا اميركيا منهجيا بل قوبل بفوضى سياسية وادارية وعسكرية من واشنطن وممثليها في العراق.

القوات الاميركية في شارع الرشيد وسط بغداد 10 نيسان 2003
 
وفي هذا الاتجاه  يذهب معلقون وكتاب وسياسيون اميركيون استقصوا القضية العراقية  قبل عمليات اسقاط صدام وبعدها ايضا، مشيرين الى عنوان يكاد يلخص اخفاقا تميز بعدم استثمار اميركا ما سمي "الربيع العراقي" الممتد فعليا من التاسع من نيسان ( ابريل) الزمن الرسمي لسقوط النظام في بغداد حتى آب (اغسطس) 2003 حين بدأ التمرد المسلح يطرح نفسه كقوة معرقلة للوجود الاميركي ومهمة بناء "العراق الجديد" عبر عمليتين ارهابيتين بارزتين: تفجير مبنى الامم المتحدة واغتيال القائد الشيعي البارز اية الله محمد باقر الحكيم .
"الاخفاق" الاميركي عنوانه يأتي احيانا عبر "المليارات المهدرة، والأرواح المفقودة، وجشع الشركات في العراق ومليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين سرقت أو أهدرت بينما ظلت الخدمات العامة الأساسية في العراق في حال من السوء أبشع مما كانت عليه قبل سقوط النظام السابق.
تلقت شركات ـ مثل شركة هاليبيرتون ـ عقود عطاءات هائلة، ثم استأجرت عمالا فقراء يائسين من بلاد مثل نيبال والفلبين لكي تزيد من هامش أرباحها"، وهو ما يبرزه الكاتب والصحافي الاميركي توماس كريستيان ميلر الذي عرف باستقصاء الحقائق في عمله مع صحيفة" لوس أنجلوس تايمز".
استعادة سقوط نظام صدام والايام التي تلته توفر فرصة للامساك بالخيوط الاولى للاخفاق في العراق، ففي غرفة مغلقة في وزارة الدفاع الأميركية أخذ نائب وزير الدفاع بول وولفويتز ( احد رموز حرب الاطاحة بصدام) آنذاك يردد وعودا بحملة بناء كبرى أمام عدد كبير من أعضاء الكونغرس بعد أسبوع من بدء الحرب في آذار(مارس)  2003.  ومن بين ما قاله وولفوتيز، الذي لم يفشل كما يقول منتقدوه في العراق وحسب، بل في مهمته اللاحقة في البنك الدولي و"فساد" سياسته في العراق تماثل في مع "فساد" شخصي ومالي في المهمة التالية،   أنه تتوفر "مبالغ ضخمة من المال لتغطية نفقات الحرب لأننا نتعامل مع دولة (العراق) تستطيع فعلا تمويل إعادة بنائها وفي وقت سريع نسبيا"، غير أن نائب وزير الدفاع، كما يقول منتقدوه، قد جانبه الصواب في كل نقطة من النقاط التي تناولها في ذلك المساء فلا الخطط، ولا الخبراء، ولا النقود كانت في موضعها المناسب، فيما جوهر الحملة" أسلحة الدمار الشامل في العراق" تكشف عن معلومات مضللة.
وكان الرئيس بوش قد كلف فريقا بدراسة عملية إعادة بناء العراق، غير أن هذا الفريق لم يجتمع بكامل أعضائه إلا مرة واحدة نحو شهر من الحرب للتشاور في سرية تامة في مبنى جامعة الدفاع القومي في واشنطن.
وقد أعاقت وزارة الدفاع"بنتاغون" هذا الفريق الذي أصبح في حالة يرثى لها لافتقاره إلى العدد الكافي من الأعضاء، وإلى الخبرة في شؤون الشرق الأوسط، كما لم يتوفر لديه العدد اللازم من المترجمين.
 
بلدزور أعمى
ويرى الكاتب ميلر أن أكبر الأخطاء كان "الزعم بأن دافعي الضرائب الأميركيين لن يتحملوا عبء بناء دولة تمتلك ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم"، فبعد ثلاث سنوات فقط من حديث وولفويتز تحملت الولايات المتحدة ثلاثين مليار دولار لإعادة بناء العراق. وكانت حسابات وولفويتز الخاطئة هي وحدها بداية عملية بناء دولة بدت وكأنها قلعة من الرمال، ولم تكن هناك بالمرة وكالة معينة أو شخص معين لتولي إدارة جهود إعادة البناء، وضاعت المسؤولية بين وكالات مختلفة وأشخاص عديدين، بينما تسربت الأموال خارج الأبواب، وأصبحت الخطط معلقة في الهواء، وتحول برنامج إعادة الاعمار إلى ما يشبه "بلدوزر ضخم الحجم بخلل في عملية الاحتراق فيهدر مندفعا للأمام كالأعمى دون أن ينجز شيئا".  
منتقدو خطط الادارة الاميركية يرون إن قصة فشل إعادة إعمار العراق تماثل في اتساعها واكتساحها ومأساتها، الحرب نفسها. ومن المثير للدهشة أنه كلما صبت الإدارة المزيد من الأموال، وقعت تصرفات طائشة متهورة الواحد تلو الآخر.
كذلك يشير الكاتب إلى أن مليارات الدولارات بالعملة الأميركية والعراقية لا يعرف أحد مصيرها فضلا عن لجوء المسؤولين الأميركيين مرارا وتكرارا إلى تغيير استراتيجيات العمل. وكلما زادت نفقات الأمن تناقصت الأموال وخفض عدد المشروعات، وندر تحديد الأهداف أو إنجازها.

واحة ديمقراطية في صحراوات الشرق الأوسط!
يقر ميلر بأن عملية إعادة البناء ليست نوعا من الإيثار وإنكار الذات من جانب الولايات المتحدة، بل إن الهدف الأساسي والاستراتيجي والمباشر هو حماية أرواح الأميركيين، والفكرة هي تهدئة العراق عن طريق جعل الحياة أفضل حالا بالنسبة لشعبه الذي طالت معاناته، وإتاحة فرص عمل للشباب وللعاطلين من العراقيين.
كذلك فإن تقديم خدمات أفضل سوف يخفف من الاعتقاد بأن أميركا غزت العراق طمعا في ثروته النفطية.
ومن المحتمل أن تصبح الإصلاحات سدا أمام العنف ومع وجود عراق حر وديمقراطي، ذي أسواق مفتوحة، وإجمالي ناتج قومي مرتفع، يصبح العراق واحة ديمقراطية في صحراوات الشرق الأوسط، وتضطر الدول الأخرى في المنطقة إلى إجراء الإصلاحات. وسوف تخف عوامل القهر السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي ولدت غضبا عارما بين جماهير المسلمين.
أما جيل الشباب الذين يشعرون بالغضب من دعم الولايات المتحدة للأنظمة غير الديمقراطية، فسوف يرون في أميركا دولة اقل خطرا، بل وقد يعتبرونها حليفا في نضالهم من أجل الحكم الديمقراطي.
بعد اكثر من عقد من " الخطة الوردية لاقامة عراق ديمقراطي متطور وبناء" تبدو الوقائع العراقية مخالفة او تكاد للحسابات الاميركية على الرغم من محاولات ناجحة منها تدريب مئات الآلاف من القوات العراقية، وتطعيم عشرات الآلاف من الأطفال العراقيين، وترميم آلاف المدارس وتزويدها بالكتب والمواد المدرسية، وترميم أعداد كبيرة من المباني الحكومية، ومراكز الشرطة، ونقاط الحدود، وتخفيف مستوى العنف والقتل الطائفي ضمن حرب اهلية اعتبرت "الاخطاء الاميركية" مسؤولة عن اندلاعها فضلا عن ميول القادة العراقيين من الشيعة والكرد الى اقصاء السنة العرب .
الدماء العراقية والاميركية والمليارات العراقية والاميركية ايضا "أهدرت" بحسب كثير من المراقبين الاميركيين بسبب ما اعتبروهم "اركان ادارة يخططون مشروع الحرب وإعادة الإعمار في دولة كأن لا شعب فيها"، وكان أكبر من أصابهم الإحباط هم العراقيون أنفسهم بمن فيهم من كانوا يعتقدون أن الولايات المتحدة تستطيع إصلاح دولة دمرتها الحروب، واثنا عشر عاما من فرض العقوبات عليها.
وشهرا وراء شهر بعد مرحلة الامال التي اشاعتها الانتخابات الديمقراطية في بلادهم أخذ العراقيون يعبرون مرارا وتكرارا عن دهشتهم من عدم حدوث أي تقدم، ويتساءلون: كيف تعجز دولة أرسلت الإنسان إلى القمر عن إقامة نظام صرف صحي في الأحياء الفقيرة في بغداد او عن اقامة محطة توليد للكهرباء! 

شعب مزقته قوة النيران الأميركية وقسوة نظام شمولي
الاسئلة العراقية المتواصلة تنتهي بسؤال هو ذاته الذي بدأنا به هذه المراجعة للذكرى الخامسة لحرب اسقاط نظام صدام : كيف أمكن لأقوى دولة في العالم اقتصاديا وعسكريا أن تفشل في مهمة حيوية مثل إعادة إعمار العراق، والسؤال العراقي لا يبدو منفصلا عن اسئلة اميركية تبدو اقرب الى التحذيرات من التراجع في العراق "اذا كان البقاء طويلا لا يضمن النجاح، فإن الهروب مبكرا يؤكد الفشل". 
توماس كريستيان ميلر بل غيره من عشرات الكتاب والمعلقين الاميركيين بل وحتى سياسيين من الحزب الجمهوري والديمقراطي على حد سواء يجمعون على "إن من المؤكد أننا مدينون للعراقيين بتوفير الفرصة لإشاعة الاستقرار في بلادهم. وافتقرت الزعامة الأميركية، إلى الذكاء والنزاهة حتى تنجز الالتزام الأخلاقي الأساسي بتحسين حياة شعب مزقته قوة النيران الأميركية وقسوة نظام شمولي. وربما كان وولفويتز وجماعته محقين في أمر واحد وهو أن إعادة بناء العراق أهم أهداف تحقيق أمن أميركا والعالم، غير أن المأساة هي أن تلك العملية لم تنجح، ودفع  الاميركيون الثمن جميعا المتمثل في الأرواح المفقودة والأموال المهدرة، وإضاعة الفرص". 
استعادة ذكرى الاطاحة بصدام تستلزم ايضا استعادة ما كان يصاغ في الغرف القريبة من مركز القرار في البيت الابيض، غرف واجتماعات كان ينتظم فيها وولفويتز نائب وزير الدفاع، ونائبه دوغلاس فيث، وريتشارد أرميتاج نائب وزير الخارجية، ومارك غروسمان وكيل وزارة الخارجية، وجون ماك لوغلين نائب مدير وكالة الاستخبارات الأميركية، وفرانك ميلر وزلماي خليل زاد من مجلس الأمن القومي. 
وتناولت الاجتماعات تساؤلات تتصل بمستقبل دولة ومن بينها: من الذي سيحكم العراق بعد سقوط صدام حسين؟ كيف ستعمل الشرطة والنظام القانوني؟ كيف سيحصل الشعب العراقي على الطعام والماء والكهرباء؟ كيف يتم تقسيم عائدات النفط العراقي؟.
ورغم جدية تلك التساؤلات وجوهريتها الا ان مقربين من اجواء الاجتماعات يؤكدون انها تشهد وضع أي خطط حقيقية مفصلة تجيب على الاسئلة المطروحة.

أميركا: الغزو ولا شيء جديا بعد ذلك

على الرغم من الانتصار السريع الذي حققته الولايات المتحدة الأميركية في حرب العراق (19 آذار(مارس) ـ 9 نيسان(ابريل) 2003) إلا أنه أوقعها في "ورطة" ناجمة بحسب عدد من الباحثين الاميركيين عن " الخطأ الاستراتيجي " للإدارة الأميركية ، مؤسس مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة شيكاغو وليم بولك يقول "دفعنا على عجل إلى الحرب في العراق بفعل التأكيد بأن العراق الصغير الفقير كان على وشك مهاجمة أميركا العظمى، والآن فإننا نتعثر في مواجهة ما يزعم أنه مجرد فئة مهترئة من المتشددين البعثيين".‏
وتؤكد مؤسسة "راند" البحثية المعتمدة لدى " البنتاغون" بأن الولايات المتحدة الأميركية استعدت لغزو العراق بخطة غزو ولم تستعد استعداداً حقيقياً وتخطيطياً لأي شيء بعد ذلك لا لحرب مقاومة ولا لعملية إقرار للنظام والقانون ولا لعملية إعادة إعمار حقيقية.
ويؤكد الرأي نفسه الخبير الاستراتيجي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن انتوني كوردسمان في تقرير كان قدمه إلى الكونغرس الأميركي وتضمن مؤشرات اساسية ،ابرزها ان "الولايات المتحدة الأميركية خططت لحرب تستهدف إزاحة الرئيس صدام حسين عن السلطة دون أي خطة ذات معنى لعمليات تهدف إلى تحقيق الاستقرار وإلى إعادة بناء دولة، كما ان القوات المسلحة الأميركية لم تعد لمهمات عسكرية ـ مدنية للتصدي للإرهاب والمقاومة أو للعب دور المحتل في أمة لها دين آخر ولغة أخرى وثقافة مغايرة.. ونتيجة لهذا أجبرت القوات الأميركية على أن تتكيف ببطء تحت الضغط في مواجهة عدو آخذ بالنمو".‏

 




 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM