من مشروع قاسم عبد الامير عجام: خطاب ثقافي لمواجهة ما بعد الفاشية (3)*

قاسم عبد الأمير عجام

تاريخ النشر       18/04/2014 06:00 AM


نحو قراءة تاريخ ثورة 14 تموز 1958
لقد مثل التزييف البعثي لوقائع وعوامل هذه الثورة ولقيادتها ومنجزاتها، مثلاً غاية في السوء ووقاحة الاجتراء على الحقيقة التاريخية. وما ذلك الا بعض تجليات احتقار البعث العفلقي للعقل وللانسان العراقي بخاصة اذ ما زال جيل تلك الثورة حياً بأغلبه وهو يتحرق غيضاً إذ يرى تلك الاساءة المتوالية لذاكرتهم بل الغائها!
مع ان المنطق العلمي ومتطلبات البحث يفرضان علينا ان نفتح ملف الرؤية البعثية للتاريخ وتدوينه عبر مراحله كافة، لكننا نرى الوقوف عند خطيئة خطايا الفاشية العفلقية في تعاملها مع التاريخ التي مثلتها رؤيتها لثورة 14 تموز وقيادتها ومنجزاتها .. لندرج منها الى خطيئتها الممتدة الى قراءة تاريخ الحركة الوطنية العراقية، بل والعربية، كلها.

قاسم عبد الامير عجام (وسط) بين اثنين من اصدقائه 1962

يمكننا القول هنا بأن تشويه الرعاية البعثية لثورة 14 تموز قيادة ومساهمين .. انجازاً ومنجزين، استمراراً لمعاداتها للحركة الوطنية العراقية بفضائلها الاساسية تحت ذرائع شتى. ولذا فإن هتك الاضاليل المعادية لثورة العراق الكبرى، نوع من الدفاع عن الحركة الوطنية وانجازها الاكبر بتأسيس الجمهورية العراقية ولا بد من ذلك كجزء من تحرير الجيل الشاب من تلك الاضاليل. بل ان وضع المنجزات الاقتصادية لثورة 14 تموز بين يدي هذا الجيل الشاب يمثل هتكاً لمخازي الحقبة العفلقية:
- مشاريع الاسكان الواسعة التي انجزتها الثورة الشهيدة .. تفضح تقصير البعثيين في هذا المجال وانحيازهم لإسكان الطبقة الحاكمة والمستغلين في احياء راقية وتمكينهم من تجارة العقارات.
- قانون الاصلاح الزراعي القاسمي، يفضح التراجع عنه تحت واجهة القانون 1985/35 الذي اعاد الاقطاع وحصره بالمتنفذين من رجال ونساء النظام العفلقي.
-  الاستقلال السياسي الناجز الذي حققه قائد ثورة تموز يفضح المسار الصدامي الذي يفرط بالسيادة الوطنية العراقية حتى اسقاط الوطن في فك الاحتلال.
-  نزاهة قائد تموز عبد الكريم قاسم كنقيض لتطاول صدام واسرته المشبوهة على كل ثروات العراق وتحويلها ملكية خاصة بها! وتواضع عبد الكريم قاسم كنقيض لغطرسة صدام.. وسماحته بل وحلمه عن خصومه في مواجهة دموية البعثيين وصدام شخصياً.
-الوزن الرصين لثقافة وخبرة وزراء ثورة تموز ونقاء تاريخهم السياسي او اغلبهم، في مواجة امية ولصوصية الحلقة العاملة مع صدام فضلاً عن اجرامهم وتهالكهم على ارضاء سيدهم ولي نعمتهم.
- محاكمة خصوم ثورة 14 تموز ورجال العهد الملكي وما اتيح من حرية الدفاع عن انفسهم في مواجهة مبدأ الاعدام بل والاخفاء تحت التعذيب حتى الموت لكل مخالف لسلطة البعث.
من هذه المؤشرات وهي مجرد امثلة لما يسمح به فتح ملف ثورة 14 تموز نرى ان مطاردة الزيف البعثي المتعلق بدراستها سيكون احدى وسائلنا لكشف فضائح الحقبة العفلقية على اكثر من صعيد واحدى وسائلنا العملية لإسقاط ثقافة مصادرة الحقيقة ومصادرة الحرية.
وسيقودنا فتح ملف ثورة 14 تموز طبيعياً الى ملفات النضال العراقي الذي توج بتلك الثورة لنرى كم جنى البعثيون على تاريخنا ورموزه! ولنفتح باباً على جنايتهم على الحقيقة وبالتالي على ما يلحقه ذلك من تشويه للنفوس المأسورة تحت شبكة من الاكاذيب والزيف.
لقد ادى الاضطهاد الدموي المستمر وملاحقة الفكر الدائمة حتى على مستوى الظن الى تدمير النفس اوتشويهها بالنسبة لكثير من العراقيين، فإنتشرت روح الاستسلام او السلبية ازاء الاحداث بعد ان كانت الروح العراقية متوثبة متوهجة. وازدهرت اخلاقيات المنفعة بعد تدمير اخلاقيات الايثار والتضحية المبدأية .. فتحولت السياسة الى نفاق سياسي والسياسيون الى طبّالين منافقين او وشاة كتبة تقارير!!
على ان ذلك الخراب الذي حول السياسة والساسة الى مسوخ والمبادئ الى منافع لم يتم دون تخريب النظام التعليمي الذي بات يفخر بتحريض الابن على ابيه مع تخريب متعمد للبيئة المدرسية بناءاً واثاثاً ومستلزمات!! ولذا فإن السعي لبناء ثقافة جديدة متحررة من الخوف والتخويف لا بد ان يتكامل مع تغيير عميق في النظام التعليمي وبذر المفاهيم الجديدة في الجو المدرسي .. كتاباً ومعلمين، وهذا وحده يستحق دراسة قائمة بذاتها غير اننا لن نكون منصفين ولا حتى مجرد مستوفين للموضوع منهجياً ما لم ندعُ الى تكامل الثقافة مع التربية والتعليم! اجل، فلقد انحطت مدارسنا الى العجز عن تحبيب الكتاب لتلاميذها فضلاً عن عجز كثير من (خريجيها) عن القراءة الصحيحة والكتابة الصحيحة مما سهّل للطاغية واتباعه ان يمروا جرائمهم عبر الصمت والمداهنة واللامبالاة بمصير الوطن وشعبه !!
هذه مجرد رؤوس اقلام تفتح ملفات الثقافة الجديدة لزمن ما بعد الفاشية او الملفات الساخنة منها بكلمة ادق، لتأسيس بداية صحيحة لا بد ان تكتمل مع السعي لتجديد المؤسسات الثقافية بعد تطهيرها من ادران الفاشية والظلام الاستبدادي اذ لا شك ان المؤسسات التي تنكرت بزي الثقافة كانت القطار الذي حمل سموم المصادرات وسياط الاضطهاد وداس تحت عجلاتة الانفس والعقول.
 
* سلسلة من المقالات نشرها قاسم عجام في جريدة"المدى" وحملت عنوانا ثابتا رغم تعدد محاوره "ملامح من خطاب ثقافي لمواجهة ما بعد الفاشية"، وبدت تلك السلسلة فضلا عن البرنامج الذي قدمه الراحل الى وزراة الثقافة باسم "اتحاد ادباء بابل" برنامجا عمليا لاعادة بناء الثقافة العراقية.



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM