نقد فني  



روبن ويليامز: صورة عراقية

تاريخ النشر       19/09/2014 06:00 AM


علي عبد الأمير عجام*
 
غيّب الموت، الممثل الاميركي الحائز على جائزة أوسكار روبن وليامز، فقد عثر عليه ميتاً الإثنين نتيجة حادث انتحار فيما يبدو في منزله بالمنطقة الشمالية لولاية كاليفورنيا.
واعلنت الشرطة إنها تشتبه في أن الوفاة نتيجة حادث انتحار عن طريق الاختناق إلا أن سبب الوفاة لا يزال قيد التحقيق.
وقالت سوزان شنايدر زوجة وليامز في بيان "هذا الصباح فقدت زوجي وأفضل صديق لي في ما فقد العالم أحد أفضل فنانيه المحبوبين وإنسان جميل. قلبي مفطور"، وفق ما أوردت وكالة "رويترز".
وقالت مارا بوكسبوم الوكيلة الإعلامية للممثل الراحل إن وليامز الفائز بجائزة أوسكار عام 1997 كان يعاني من اكتئاب حاد في الآونة الأخيرة.
ودخل وليامز، الذي عانى في الماضي من الإدمان، إلى مركز إعادة تأهيل في مينيسوتا الشهر الماضي لمساعدته في الحفاظ على اتزانه النفسي.
من جهته، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما في بيان أشار فيه إلى أعمال الفنان الراحل المتنوعة "روبن وليامز كان طياراً وطبيباً وجنياً وجليسة أطفال ورئيس دولة وأستاذ جامعي وبيتر بان وكل شيء بين هؤلاء .. لكنه كان فريداً من نوعه. تتقدم عائلة أوباما بتعازيها لعائلة روبن واصدقائه وكل من وجدوا لهم صوتا ومثلا بفضل روبن وليامز".
كذلك قال المخرج ستيفن سبيلبرج في بيان "روبن كان عاصفة رعدية للكوميديا العبقرية وضحكنا كان البرق الذي يصاحبه. كان صديقا ولا استطيع تخيل انه رحل".
والممثل جون كراير علق في تغريدة على موقع "تويتر" "سنحاول أن نكمل الحياة ... لكنها لن تكون ممتعة بدونك".


ويليامز: 3 ملامح بغدادية
اذا كان الامر يتعلق بصدمة فقدانه بين اقرانه نجوم الدراما وصناعها في اميركا، فان لروبين ويليامز صورة عراقية بثلاثة ملامح، هي التي تركها فيلمه المدهش " جمعية الشعراء الموتى" الذي تناقله الالاف من محبي الفن السابع عبر اشرطة الفيديو القديمة ( في اتش اس") في بغداد، اوائل عقد الحروب والحصار، تسعينيات القرن الماضي. وبعدها جاء فيلمه المرح الذي لعب فيه دور شخصية بيتربان الاسطورية الملهمة للاطفال في فيلم من اخراج ستيفن سبيلبيرغ، وشاهده الالاف من العراقيين عبر مكاتب تأجير اشرطة الفيديو في العقد المرير ذاته.
الا ان الاكثر تعميقا لتلك الملامح في صورة عراقية للمثل الكبير ويليامز، هي في ادائه  شخصية النمر (ممدوح)، الذي الهمت قصة مقتله على ايدي جنود امريكيين سكارى، مسرحية لاقت رواجا كبيرا اثناء عرضها اولا في "برودواي" بنيويورك 2011 ثم في "ويست اند" بلندن لاحقا، وتركت اثرا عميقا في نفوس الذين عرفوه من العاملين في حديقة حيوان بغداد حيث ولد وترعرع.
مقتل (النمر) ممدوح انتشر على نطاق العالم في ايلول 2003، بعد الغزو الامريكي للعراق ، وبدا مدخلا لكشف مشهد مضطرب انسانيا وفكريا وسياسيا عن المهمة الاميركية.
واستلهم الكاتب راجيف جوزيف، تلك الحادثة، فكتب مسرحية "نمر بنغالي في حديقة حيوان بغداد" التي لعب دور البطولة فيها النجم روبن وليامز، وجسد شخصية النمر القتيل الذي يقول عنه الدكتور عادل سلمان موسى، مدير حديقة حيوان بغداد " النمر كان اسمه ممدوح، وكان بالنسبة لنا ذا اهمية خاصة ليس لانه كان نمرا بنغاليا نادرا فحسب، بل ايضا لاننا ربيناه منذ ولادته ونتذكره عندما كان صغيرا"، موضحا "الفترة التي اعقبت الغزو الامريكي نفق العديد من حيوانات الحديقة اما قتلا او جوعا، كما سرقت المئات من الحيوانات، ولكن ممدوح الذي كان يبلغ من العمر 14 عاما آنذاك كان قويا جدا. فقد تمكن من قهر الجوع والعطش ليموت ميتة لا معنى لها بعد بضعة شهور."
ورآى نقاد اميركيون ان "موت ممدوح في فترة كان العراق يشهد فيها تنامي الحركة المسلحة التي كانت تستهدف الجنود الامريكيين والمواطنين العراقيين على حد سواء. وكانت شوارع العراق تشهد دوريات يقوم بها الجنود الاميركيون الذين يجهلون لغة اهل البلد وعاداتهم جهلا تاما، وقتلواالعديد من العراقيين الابرياء في تلك الفترة".
 وبحسب النصر المسرحي فأن مقتل النمر ممدوح (روبن ويليامز) اشارة دالة على هؤلاء القتلى، ففي ليلة من ليالي ايلول 2003، اقامت مجموعة من الجنود الامريكيين حفلة شرب في حديقة الحيوان ببغداد. اثناء الحفل، قرر احد الجنود اطعام النمر ممدوح، ولكن عندما كان يحاول دفع الطعام الى داخل القفص عض ممدوح ذراعه مما حدا باحد زملائه الى اطلاق النار على ممدوح وقتله في الحال.
ويستعيد الطبيب البيطري في حديقة حيوان بغداد، ذلك اليوم: "لقد اجهشنا بالبكاء عندما سمعنا بموت ممدوح، فقد عانينا الكثير معا، الحروب والعقوبات والاوقات الصعبة عندما كانت الحيوانات تموت جوعا ولم يكن لدينا الطعام الكافي."
وعلى جانب العرض المسرحي، فيظهر ممدوح كنمر سليط اللسان، يشهد على العنف في بغداد ويستنكره، ويؤرق شبحه قاتله ويتأمل في سر الوجود.
وفي باب المضحك المبكي، فقد تبرعت اميركا، بالنمرين رايلي وهوب ( نمران بنغاليان) الى حديقة حيوان بغداد،  كما دفعت مبلغا قدره 23 الف دولار كتعويض لممدوح القتيل.
وجاءت مشاركة روبن ويليامز في مسرحية عن حرب العراق، بعد رحلاته المتعددة إلى بغداد لعرض وصلات كوميدية منفردة أمام الجنود الاميركيين هناك. وفي تلك الجولات عاش تجارب ميدانية لافتة، منها فقد حلق بطائرة فوق المناطق الساخنة، وبات في إحدى الليالي داخل أحد معاقل رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين. وكان أكثر ما يتذكّره ويليامز هو الوقت الذي أمضاه في أحد المستشفيات مع جندي يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة النفسية. واعتبر تلك التجربة أحد الأسباب التي شجّعته على أداء دور "النمر البنغالي".

*نشرتها وكالة "واي نيوز" بعد يوم من اعلان وفاة ويليامز منتحرا 12-8-2014



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM