1999: كتّاب عراقيون يكشفون لـ "أوراق ثقافية" حقيقة عفو صدام عنهم؟

تاريخ النشر       19/09/2014 06:00 AM


تحقيق: علي عبد الأمير

     شكلت ظاهرة هجرة الصحافيين والكتّاب العراقيين التي تزايدت بعد هزيمة نظام صدام في حرب الخليج الثانية عام 1991 وتصاعد معاناتهم المزدوجة (الجوع والمرض...كما يعانيه عموم الشعب العراقي, والقمع الذي يطال حرية الرأي والتعبير وانعدام وسائل النشر والعمل الفكري والثقافي) - هاجساً أمنياً -  لدى سلطات بغداد التي حاولت مراراً وضع الحد لاستمرارها كظاهرة تسهم في كشف أحوال العراقيين المتردية وتقديم "البراهين" على ما يعيشونه من تسلط تفرضه سياسة الحزب الواحد والنظام الإرهابي.

شارع المتنبي 1999(ا ف ب)

     وقامت تلك السلطات في عام 1993 بأول "مراجعاتها" للوضع الصحافي والثقافي, فشكلت "التجمع الثقافي" وألحقت الإشراف عليه وإدارته إلى الطاغية الصغير عدي, الذي أمر بان تصبح القضايا المتعلقة بالصحافة والكتابة والأنشطة الفنية العراقية تحت إشرافه المباشر, إلا أن إجراءاته ومنها تخصيص رواتب شهرية تراوحت بين (1250 - 250) ديناراً للمثقفين العراقيين, أي ما يعادل (ثلاثة دولارات إلى أقل من دولار) لم توقف تلك الظاهرة التي تزايدت خلال السنوات الثلاث اللاحقة, حتى اكتظت منافذ العاصمة الأردنية الصحافية والثقافية بهم باعتبار عمّان محطة خروجهم الأولى من "سجن مهين".
     وقبل فترة شكلت "السلطات المعنية" لجنة برئاسة وزير ثقافة وإعلام صدام - همام عبد الخالق - لدراسة الظاهرة, ودرست من بين خيارات طرحتها, إصدار "عفو" عن المثقفين والصحافيين الذين غادروا العراق واتخذوا مواقف معارضة لنظام صدام, هو الثاني بعد عفو أصدره العام الماضي - عدي - لم يستجب له أحد.
     "أوراق ثقافية" حاورت مجموعة من الصحفيين والكتّاب العراقيين في الخارج, الذين اعتبروا "عفواً رئاسياً" آخر قد تصدره بغداد, بمثابة "التفاف على قضية الشعب العراقي وهي قضية الحرية والكرامة", مؤكدين أن هجرتهم هي جزء من "هجرة جماعية اعتمدها العراقيون كواحدة من وسائل التخلص من ظلم النظام وقمعه".
     ويشير الصحافي والكاتب العراقي المقيم في دمشق - عامر بدر حسون - ويكتب في صحف عربية منها "الشرق الأوسط" إلى أن "طابعاً أمنياً" يسم الإجراءات الخاصة بمتابعة المثقفين ويقول: عندما تنتهي اللجنة التي شُكلت في بغداد, فإنها ترفع تقريرها إلى جهة أعلى وهذه الجهة ستقوم بإحالة الأمر إلى جهات أكثر اختصاصاً, أعني أن أجهزة الأمن ستشترك في النتائج وتطعيمها بما لديها من معلومات أمنية عن المثقفين, ويصف حسون أوراق هذه اللجنة بقوله: "مهما تضخمت فإنها ستبقى كما هي في جوهرها, أوراق وتقارير كتبها العبيد عن الأحرار".
     ويقول صاحب كتاب "القسوة": "إذا كانت البلاد بقيادة صدام, وإذا كانت علومه وفنونه وثقافته بقيادة عدي, فمن الطبيعي أن يبحث الأحرار عن نسمة حرية خارج هذا السجن المهين".
     ويؤكد عامر بدر حسون: "عبيد السلطان لا يملكون ولا يجرؤون على استيعاب منطق الحرية عقاباً أو مكافأة, والحرية خارج هذه اللعبة وخارج هذا المنطق ولذلك ستبقى التقارير مكتوبة بروح العبودية وسيبقى الأحرار يبحثون عن منفذ للحرية".
     وعن ما قاله طارق عزيز في حديث متلفز قبل فترة حول استعداده مناقشة العراقيين في أسباب هجرتهم, يقول حسون: "العالم كله يعرف أسباب مغادرة العراقيين وطنهم, أما حكامه فهم يطلبون أن تتقدم الضحايا في طابور ليخبروهم عن أسباب تغربهم, العالم كله يعرف إن الجحيم في الداخل والتشرد في الخارج, لهما سبب واحد هو وجود هذا النظام في الحكم, لكن النظام يفضل أن يعيش في الوهم ويقنع نفسه أن الأمر مرهون بتشكيل لجنة أو تقديم التماس أو شكوى".
     وعن هذا "الإجراء" يقول الكاتب والصحافي العراقي المقيم في لندن, الدكتور مهدي السعيد: "إنه محاولة لجذب المثقفين من الكتّاب والصحفيين وغيرهم للعودة إلى العراق, ولكنها ليست المحاولة الأولى, كما إنها تشير إلى أن العراق يعاني حالياً من فراغ ثقافي هائل جرّاء انكماش الكتّاب والصحافيين في الداخل والابتعاد عن مؤسسات السلطة الثقافية".
     ويصف السعيد معاناة المثقفين العراقيين داخل وطنهم بقوله: "إن حملات القمع والإرهاب والسجن وما يترتب عليها من تعذيب جسدي ونفسي, كانت أول ما طالت المثقفين العراقيين لأنهم عيون الشعب وحراس إرثه الروحي والنضالي وحصدوا طوال السنوات الثقيلة الماضية المزيد من كراهية النظام وحلقاته العليا التي تهيمن على البلاد".
     ويعتبر مهدي السعيد, هجرة المثقفين ومحاولة بغداد الحد منها بإجراءات العفو أو غيرها "قضية سياسية" فيقول: "إن نظاماً استبدادياً كنظام بغداد لا يمكن له أن يؤسس حياة ديمقراطية مستقرة وهو المحيط الطبيعي للثقافة" مؤكداً أن على منظمات الصحافيين والكتّاب العرب أن تنحاز إلى صفوف المثقفين العراقيين وتدافع عنهم, فطبيعة هذه المنظمات وانتماؤها إلى الحرية والديمقراطية, يتطلبان منها مواقف تضامنية.
     ويقول الصحافي العراقي المقيم في عمّان - صباح اللامي - والذي شغل من قبل رئاسة تحرير صحيفة "الزوراء" الأسبوعية, وإدارة تحرير صحيفة "الجمهورية" اليومية, وكان عضو مجلس نقابة الصحفيين العراقيين حتى العام الماضي: "أن أسباب هجرة الصحافيين العراقيين من بلادهم ليست خافية على أحد, إنهم مقموعون, تترصد كتاباتهم أعين الرقباء, وجيوب الأمن والمخابرات و (الدائرة الصحفية) في ديوان رئاسة صدام, وسوى ذلك فالبقاء فقط لمن يمجد النظام في الصحف اليومية, أو يقبع تحت سلطة (عدي), وأستطيع القول بأن قلة قليلة من صحفيي العراق  (المظلومين) تختار الانتماء إلى السلطة, فالأغلبية تسيّرها همومها المعيشية الصعبة, وهي ناقمة على النظام, وتتحين فرصة الخلاص هروباً أو تنتظر فرج التغيير المرتقب".
     ويضيف اللامي "والسؤال الأهم, هو المتعلق بلجنة (عبد حمود) سكرتير صدام, التي شُكلت أخيراً للنظر في أسباب هروب الصحفيين والأدباء والكتّاب والمبدعين من العراق, وعزوف فئة غير قليلة منهم عن العمل في صحف النظام, هذه اللجنة دخلت في صراع مع (عدي) فهو لا يريد لأحد أن يتدخل في شؤون (دولته الثقافية), فمَن يخرج يخرج, ولا عودة له إلى العراق, سبق لعدي أن صرّح برأيه هذا في صحيفته (بابل) ولهذا السبب توقفت اللجنة عن عملها, واختارت أن تطلق على المثقفين الذي غادروا العراق, صفات (العمالة, الخيانة والارتداد).
     ويسترجع اللامي تاريخاً من علاقة دموية للحكومة العراقية مع الكتّاب, فيقول: "لقد أعدم الصحفي الشاب الجريء (ضرغام هاشم) بسبب رأي دافع فيه عن كرامة الشعب, ونشرته صحيفة (الثورة) - لسان الحزب الحاكم - سنة 1991, وما فتئ الكاتب المفكر عزيز السيد جاسم, يقبع في غيابة سجنه بين الحياة والموت, فقط لأنه نشر كتاباً في لبنان باسم "علي سلطة الحق", ويضيف: "إن العمل الوطني والجاد في الصحافة العراقية, أشبه بالمشي في حقول الألغام, لقد مارسه الكثيرون وأهمهم داود الفرحان, والدكتور هاشم حسن".

* نشر في "أوراق ثقافية" الشهرية الصادرة في عمّان .. العدد 1 س2 تموز - آب 1999

 



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM