1998: 6 ملايين نخلة في العراق ... تحاصرها الملوحة والآفات الحشرية

تاريخ النشر       24/09/2014 06:00 AM


 "الشرق الأوسط"- علي عبد الأمير*
تُجمع الكتب على ان موطن النخيل الأول, كان شبه الجزيرة العربية ومنها إنتقلت في زراعتها الى جنوب العراق, ومع بداية العصور الزراعية الأولى واستيطان البشر لهذا الجزء من العالم, وفي شريعة حمورابي نصّت فقرات عديدة على سبل زراعة النخلة وغرسها ورعايتها. وفي تاريخ سلالة أور الثالثة وردت اخبار كثيرة عن النخلة وأهميتها, ومع بداية الإسلام قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم "أكرموا عمتكم النخلة", يستعرض مراسل الشرق الأوسط في عمّان جوانب تاريخية ومعلومات إحصائية عن النخل في العراق.
أورد مؤرخون ورحّالة منهم البلاذري والسمعاني وياقوت الحموي وصفهم لـ"البصرة" كجنة من جنات الدنيا لكثرة ما فيها من نخيل, وحتى نهاية السبعينات من هذا القرن كانت البصرة تحتفظ لوحدها بسبعة ملايين نخلة من مجموع نخيل العراق البالغ 21,842,000 نخلة. وكانت منطقة الفرات الأوسط تأتي بالمرتبة الثانية بعد البصرة في عدد النخيل ثم مناطق أخرى محصورة بين المنطقتين الوسطى والجنوبية من العراق.

بعد أن كان فيه 22 مليون نخلة ويصدّر تموره الى 70 دولة؟
 ومكّنت الملايين التي تزيد على العشرين من النخيل في العراق, من احتلال المرتبة الأولى بين دول العالم في عدد النخيل وإنتاجها من التمور, غير ان سعادات الماضي ليست لها علاقة بحقائق اليوم, وحين كان العراق يصدر تموره الى 70 دولة, لم تعد لائحة التصدير في المؤسسات العراقية تتجاوز بلداناً على عدد أصابع اليد وأصبح عدد النخيل في العراق اليوم لا يتجاوز ستة ملايين نخلة, وهكذا فالنخلة ليست رمزاً اعتباطياً للعراق, بل أصبحت دالة على حالته الإقتصادية والإجتماعية, تنتعش وترتوي مع إنتعاش انسانه وتنكمش مع إنكماشه.
 
الحروب أحالت النخيل جذوعاً محترقة
ساهمت الحرب العراقية – الايرانية في تدمير شبه كامل لأكبر غابات النخيل في العالم, تلك الممتدة على طول شط العرب. و (مسؤولية) الحرب تأتي عبر مستويين, الأول (مباشر) حيث أحالت القذائف الايرانية والعراقية على السواء, ملايين النخلات الى جذوع محترقة ليست بعيدة عن مشاهد تنتمي في تأثيراتها الى (السريالية), فحين كانت القوات الايرانية لم تعبر (شط العرب) بعد, كانت القذائف تنهال على القطعات العراقية المرابطة على الشاطيء الآخر من الشط وبعد ان احتلت ايران الفاو وشريطا طويلاً من شط العرب كانت القذائف العراقية تنهال على البقية الباقية من النخيل لطرد المعتدين.


والمستوى الثاني الذي دمّرت الحرب بموجبه غابات النخيل في البصرة (غير مباشر): ومثلته ملوحة الأراضي المتزايدة, وهذه نتجت إثر قيام السلطات العراقية بردم أكبر أقنية للتصريف الطبيعي للمياه الممتدة ما بين شط العرب وبساتين النخيل, وذلك لتهيئة الأرض لحركة المدرعات والمدفعية وعجلات القوات المسلحة المتمركزة في المنطقة.
وساهمت أحداث الثأر من السلطة العراقية المركزية بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت وهزيمته في الحرب في صب المزيد من النار على بساتين النخيل, فقد استخدمها المقاتلون الثائرون على النظام العراقي كمناطق اختباء لهم بعد انسحابهم من البصرة وضواحيها, وهذا جعلها هدفاً للقطعات المطاردة لهم والتي ضمت ألوية من الحرس الجمهوري والرئاسي الخاص.
ويضيف مسؤولون في الزراعة العراقية سبباً آخراً لموت النخيل هو الأمراض الكثيرة التي تصيبه وصعوبة مكافحتها بسبب الحظر الجوي المفروض على الطائرات الزراعية.
ويقول جبار حسن هاشم مدير زراعة محافظة بابل التي تحتل المرتبة الأولى في عدد النخيل وتأتي البصرة بعدها ثم كربلاء ان اجراءات في طور الإعداد منها الإهتمام بالأصناف الممتازة من خلال بستان (أمهات النخيل), الهدف منه اجراء البحوث واختيار وسائل المكافحة المناسبة للآفات التي تصيب النخيل.
 ويضيف هاشم ان محافظة بابل تتوفر على مليوني نخلة 20% منها صالح للإنتاج وبأصناف تزيد على 60 صنفاً من التمور, وان عدد بساتين بابل 12,862 بستاناً وان متوسط انتاج النخلة الواحدة يبلغ 47,6 كيلو جرام ورغم انه يقر ببيع دائرته كمية من الأسمدة المركبة لأصحاب البساتين وتجهيزهم بأدوات المكافحة, إلا انه لا يخفي ضعف تلك الإجراءات ومحدوديتها في إنقاذ وضع النخيل في محافظته والعراق ككل, وان الحاجة (كبرى) – حسب ما يصفها – لحملة إنقاذ شاملة.
وإذا كانت عمليات الثأر التي أعقبت حرب الخليج الثانية 1991 قد جاءت بنتائجها على نخيل البصرة, فهي جاءت بنتائج مماثلة على جزء مهم من بساتين النخيل الممتدة ما بين مدينة الحلة (مركز محافظة بابل) وقضاء "الهاشمية" فعلى طول 34 كيلومتراً تبلغها المسافة بين المدينتين كانت بساتين النخيل تمتد على الطريق المحاذي لنهر (الحلة) وبسبب (عدم ولاء) اهل المنطقة للسلطة المركزية, أمر (طالع خليل ارحيم الدوري) – الحاكم العسكري لمنطقة بابل – بعد الأحداث بتسوية قرابة نصف مليون نخلة مع الأرض الممتدة ما بين المدينتين, ثم قامت سلطات المحافظة لاحقاً لتهدأة خواطر اصحاب البساتين بصرف بعض المبالغ تعويضاً لهم.
ويقترح مدير محطة ابحاث النخيل في قضاء (المحاويل) التابع لمحافظة بابل (تدخلاً سريعاً للدولة) لانقاذ ما بقي من النخيل, فالحشرات والأمراض التي تصيب  النخيل في ازدياد وهي (طامة كبرى لا يعلم مخاطرها إلا اصحاب الشأن), كما يشير مدير المحطة المهندس سليم حسن الى ان لا وسائل تكنولوجية في رعاية وتلقيح ومعالجة النخيل تستخدم حالياً بعد ان كانت بساتين النخيل في منطقته قد شهدت ادخال التكنولوجيا المتطورة في زراعة النخيل منذ السبعينات.
 
النخيل والحظر الجوي
في ناحية (الإمام) القريبة من مركز محافظة بابل, والتي تشتهر بساتينها بكثرة نخيلها وتعدد أصناف تمورها, تتصاعد الحسرات في نفوس المزارعين وبعد ان كانت بساتينهم تعمر بالحياة أصبحت اليوم مهددة كلياً بالأمراض التي أصابت النخيل وأحالت (القلوب) المثمرة الى كتل متفحمة أعلى النخلة.
 ويقول مدير شعبة زراعة الناحية, ان مكافحة الأمراض كانت تتم بواسطة الطائرات الزراعية, وكانت هذه الطائرات لا تغادر المنطقة إلا بعد التأكد تماماً من معالجتها بشكل نهائي.
غير ان الحظر المفروض على تحليق هذه الطائرات ومنذ عدة سنوات, سمح لنمو أجيال جديدة من الحشرات سرعان ما فتكت بالنخيل, فيما لم تنفع محاولات الرش الأرضي, لإرتفاع النخيل وعدم توفر المضخات الكفوءة التي بإمكانها ايصال المبيدات الحشرية الى أعلى النخلة.
ويضيف المهندس مدير الشعبة ان (الحشرات أثّرت كثيراً في الحمضيات والأشجار الظلية المزروعة تحت النخيل وأتت عليها). بينما يرى مدير مركز أبحاث النخيل في جامعة البصرة الدكتور عبد الباسط عودة ان الأمراض والحشرات التي تصيب أشجار النخيل خاصة (مرض خياس طلع النخيل) وحشرة الحميرة (الدوباس) وأمراض تخص الثمار (حفار العذوق) ساهمت مساهمة كبيرة في انخفاض انتاجية النخيل وبشكل خاص في المنطقة الجنوبية (البصرة, الناصرية, العمارة) ويرى ان الوقت حان للقيام (بحملة وطنية لدرء الخطر عن النخيل وزيادة عدده) وأشار الى زراعة 50,687 فسيلة نخيل في مختلف انحاء البصرة كخطوة أولى في هذا الشأن.
ويعدد مدير قسم النخيل في مديرية زراعة البصرة, طه زويد أسباباً أخرى ساهمت في (موت النخيل) والنقص المستمر في إنتاج التمور فقد وصل انتاج عام 1997 الى 30% أقل مما كان عليه في عام 1996 ويسمي منها عدم وجود قروض من المصرف الزراعي وعدم وجود تشريع لتعويض متضرري الحرب وقلة المبيدات لمكافحة آفات النخيل وتحسين قنوات المبازل للتقليل من ملوحة التربة.
* تقرير نشر في "الشرق الاوسط" اللندنية 1998


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM