2004: مقاتل من "جيش المهدي" أكل الجراد وترك النجف خائباً

تاريخ النشر       27/09/2014 06:00 AM


بغداد- علي عبد الأمير*
اضطر قاسم خلف المعروف بين ابناء حي البلديات السكني القريب من مدينة الصدر بأنه واحد من عناصر جيش المهدي، الى بيع مجموعة من الأسلحة والذخيرة كي يوفر لعائلته قوتها اليومي.
وخلف الملقب بين اصحابه بقاسم جرادة امضى ثلاثة اشهر في النجف يخوض تدريبات للإشتراك في عمليات مسلحة الى جانب جيش المهدي. فقد عمله السابق حلاقاً في منطقته، حينما جعل من صالونه البسيط مقراً لأنصار رجل الدين مقتدى الصدر قبل سفره الى النجف، مما جعل زبائنه يتخلّون عن خدماته لأنه بنظرهم اصبح "قائداً في الجيـش" وليس حلاّقاً كما كان في السابق.

من المليشيات العراقية
 
قاسم جرادة الذي عاد الى بغداد من النجف الأسبوع الماضي اكتسب لقبه منذ كان جندياً في الجيش العراقي السابق حين كان يطارد نوعاً من الجراد ينتشر في القاطع الجنوبي من ساحة الحرب العراقية - الايرانية. يقوم بجمعه ومن ثم يطبخه ويأكله من دون ان يشاركه احد في وجبته النادرة تلك، وخرج من تلك الحرب من دون "غنيمة" تذكر سوى لقبه الذي لازم ابناءه الستة.
يسكن جرادة، الذي كان يحلق شعر زملائه المقاتلين من اتباع الصدر، في مبنى حكومي استولى عليه بعد سقوط النظام السابق. وفي عمليات السلب والنهب التي اعقبت سقوط النظام، تمكن من الحصول على قطع اسلحة وكميات من العتاد، واستطاع ان يؤثث غرفته في المبنى الحكومي الذي استولى عليه من اثاث الدوائر المنهوبة.
والى جوار المبنى كانت فسحة حولّها الى صالون حلاقة ليقدم خدماته للزبائن ولكنه سرعان ما فشل في عمله نظراً لتطلعاته نحو الثراء السريع بأي اسلوب او طريقة.
يشترك الآلاف من سكان الأحياء الفقيرة الشيعية في بغداد مع جرادة في التطلعات نفسها. ولهذا كان جيش المهدي خير ممر الى النفوذ الاجتماعي والاقتصادي. وفي المبنى الذي حمل لافتة تقول "سكن عوائل" يمكن الاستدلال الى مسكن قاسم خلف بسهولة حين يطلب السائل "قاسم جرادة" فيتبرع العشرات لارشاده نحو غرفة منزوية تضم قاسم وابناءه وزوجته.
تغالب آثار التعب ملامح قاسم الذي يأمر عادة زوجته باعداد الشاي في مطبخ جيرانه في غرفة ملاصقة كتب على بابها "الحسابات" في اشارة الى ان الغرفة كانت قسماً من دائرة حكومية شغلت المبنـى في الماضي.
قبل الإجابة عن الأسئلة عرض قاسم 6 رشاشات كلاشنيكوف وكمية كبيرة من العتاد وطلب تسهيل مهمة بيعها بأي سعر لغرض التخلص منها وشراء حاجيات ومتطلبات ابنائه.
ولم يجب جرادة اجابات واضحة، ومباشرة ولكنه قال: "هناك قيادة عليا لجيش المهدي يشرف عليها ابو حيدر الكرعاوي وهو ضابط سابق في الجيش العراقي اسر اثناء الحرب العراقية - الايرانية في الثمانينات، وانضم الى فيلق بدر، الجناح العسكري للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق. وبعد تحويل الفيلق الى منظمة مدنية، التحقت اعداد كبيرة من اعضائه بجيش المهدي".
واضاف ان "جيش المهدي أسس بعد اعلان تشكيل مجلس الحكم ويعتمد في تنظيمه على مجموعات مستقلة مسلحة بمعدات واسلحة الجيش العراقي السابق".
وعن مصادر الاسلحة الاخرى، اعترف بأن "هناك اسلحة واعتدة ايرانية عثر عليها في مقبرة النجف وبكميات كبيرة وهي تعود الى احزاب عراقية مثل الدعوة والمجلس الاعلى وحزب الله في العراق".
واكد قاسم ان "عناصر الجيش يتسلمون اعانات مالية غير منتظمة تراوح بين 50 و100 الف دينار توزع من قبل اشخاص يتولون تلك المهمة من دون اعتماد القوائم الحسابية المعروفة". وأضاف انه تسلم منذ التحاقه بالجيش مبلغ "75 الف دينار".
وحول اسباب التحاقه بجيش المهدي اوضح قاسم: "لبينا نداء الجهاد بعد ان افتى المرجع الشرعي بذلك ومهمتنا ان ننفذ ما يطلبه منا".
وأشار الى انه بعد انتهاء المواجهة في النجف، بصدد العودة الى عمله السابق حلاقاً في الحي الذي يسكنه لأن فكرة الجهاد "لم تتوافر فيها الشروط الشرعية حسبما ادرك من بعض المراجع"، مؤكداً انه تعرف على عناصر في جيش المهدي "جاءت من اماكن مختلفة من المدن العراقية"، ووصفها بأنها "كانت ترغب بإشعال الأزمة وإيقاع اكبر عدد من الضحايا".
وتابع قاسم الذي وشم على ساعده اسم مقتدى الصدر: "اكتشفت أنني على وهم بعد ان تركت عائلتي بغية الحصول على غنيمة من الجهاد ولكن ما حصلت عليه المزيد من المتاعب وربما سأتعرض للقتل في حال عدم المشاركة في القتال الذي قد يتجدد في أي وقت".
على مقربة من مسكن قاسم جرادة، علقت لافتة سوداء تشير الى "مقتل شاب اثناء تأديته فريضة الجهاد في النجف". والقتيل ترك زوجة واربعة ابناء لمصير مجهول بعد ان كان يعمل سائق شاحنة حكومية سلّمها الى جيش المهدي.
وبين تلك اللافتة السوداء ومحنة جرادة الذي عاد خائباً، الآلاف من عناصر جيش المهدي الذين لبوا "النداء الشرعي فلم يأتهم الا الموت واليتم والألم".
* نشرت في "الحياة" 7-9-2004


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM