2003: فتاة عراقية تكتب في مذكراتها... "بغداد لا تعرف الحب "

تاريخ النشر       01/10/2014 06:00 AM


بغداد- علي عبد الأمير*

تغيب ملامح النساء عن بغداد اليوم، بل ان زائرها يكاد يشعر انها مدينة بلا نساء، وإن حضرن فبملامح تكاد لا ترى. فالنساء وتحت ضغوط الانفلات الأمني، يغبن خلف البيوت او خلف اردية الحجاب اذا ما كانت هناك "ضرورة قصوى" للخروج الى الأمكنة العامة.

انسحاب النساء من الحياة العامة وخصوصاً الجامعات ومواقع العمل جاء ليس بسبب التهديدات الأمنية كالخطف والسلب والنهب والقتل العشوائي، بل بسبب تهديدات ثقافية وفكرية جديدة، لم يكـن احد يقدر عـلى توجـهيـها علناً الى النساء خلال حـكم النظـام العراقي السابق. فوصف رجال دين من الشيعة والسنَّة بأنهم "متطرفون" عندما وجهـوا انذارات الى النساء بالتزام "الحجاب الشرعي" حتى لغير المسلمات وإلا فإنهن سيواجهن عقوبات لم يـكـن حـددها في دعـوتـه رجـل الديـن الشيعي محمد الفرطوسي، الذي لم يوفر في تهديداته ملامح رقيقة اخرى في المديـنـة، متـوعـداً دور السـينما وأصحاب محال بيع الشراب.
 

 

وفي كل يوم تغدو بغداد مدينة رجال بامتياز! "السلب والنهب والقتل والقتل العشوائي هي اعمال رجولية"، تقول الباحثة في علم النفس إلهام فوزي القيسي.

وتضيف: إلهام "انها اعمال تجعل النساء ينسحبن، ومعهن تنسحب المشاعر الرقيقة، وثمة فتيات في هذا المشهد الكئيب يجدن سلوى في كتابة خواطـر عن ايامهن الثقيلة ما بـين البـيـوت ومخاوف الإخوة والآباء عليهن".

رؤى، الطالبة في كلية الصيدلة، باحت عن مشاعرها حيال مشهد القسوة في المدينة فكتبت في مذكراتها عن آخر يوم لها في الجامعة، آخر مرة قد ترى فيها حبيبها: "اعرف انني لن آراه وحتى الهاتف ليس سهلاً. فخطوط محلتنا معطلة، ولكي اتصل به عليّ الذهاب الى بيت خالتي وفي هذه الحال يجب ان يرافقني احد اخـوتـي، اي انـني لن استطيع ان اقول له كلمة واحدة. هذه مدينة لا تعرف الحب، هذه مدينة لا تعرف المشاعر الرقيقة".

فتاة كانت وجدت وظيفة في وزارة الإعلام وهناك تعرفت إلى شاب، اعجبت به، غير انها فقدت اي وسيلة للقائه مع حل الوزارة وتكتب: "اكتفي الآن بسماع اغنيات رقيقة في البيت، ولحبيبي البعيد في مكان من المدينة احتفظ بدموعي كلما اسمع اغنية رومانسية للمطرب وائل كفوري: يا هوى روح لعنده قصر لي المسافات".

المحامية اكرام حسين التي تخصصت في مرافعات قضايا الأحوال المدنية، تقول ان "معدلات الزواج اقل بكثير من الطلاق"، لافتة الى ان الحرب الاخيرة، تسببت في سقوط عدد غير معروف من الرجال مبكراً، كما ان نتائجها الدموية وأوضاع البلاد التي تميزت بمعدلات عالية من العنف "اورثت الرجال في المجتمع العراقي عجزاً عن ممارسة الحياة العادية".

ودفع واقع "رجال اقل" بالنساء في العراق الى التفكير العملي حيال قضية الزواج والحـب. وتشـيـر فاتـن الطـالبـة فـي كـليـة الآداب الى انـهــا بالـكــاد تتذكر قصة حب بين زميلاتها.

وتلفت فاتن الى ان "مشاعر الحب لم تعد موجودة في العراق وأن ما تبحث عنه الكثيرات من النساء العراقيات الآن ليس الحب، بل رجل يكـون مشـروع زواج، قـادر على ان يوفر فرصة حياة مستقرة نوعاً ما، من دون الحاجة الى مشاعر حب".

منظمات حقوقية عالمية وناشطات نسائيات في كثير من البلدان تشير الى ان "النساء والفتيات يسيطر عليهن الخوف الآن في بـغـداد ويفضـل كثير منهن التخلي عن اعمالهن وعن الذهاب الى المدرسـة او عـن البحث عن عمل".

وتضيف التقارير ان "من الضروري ان تصبح سلامة النساء اولوية ملحّة" كي يشاركن في صوغ مجتمع جديد.

"مجتمع لا يوفر السلامة للنساء، مجتمع يعاني نقصاً في معدل مشاعره الإنسانية"، هذا ما تقوله الباحثة الاجتماعية إلهام القيسي في وصفها تغيرات الوضع الاجتماعي في العراق مؤكدة ان "ميلاً شديداً الى القسوة والعنف في السلوك بين فئات المجتمع بات يتشكل كممارسة ثقافية، وهذا بالتأكيد يتعارض مع المشاعر الرقيقة، وتحديداً مع النساء اللواتي يعتبرن مركزاً لإشاعة مثل تلك المشاعر".

فتاة جامعية، تجد هذه الأيام في عملها الموقت مع احـدى وسائل الإعلام الأجنـبـيـة في بغداد فرصة للقاء حبيبها، لكنها تشكو مـن نمط ثقـافـي وسـلوكي لم تعتده سابقاً: "لا يمكنني استقبال حبيبي، فهذا يتعارض مع تقاليد العمل، لذلك نلجأ الى حدائق الفندق الذي نتـخـذ من احد اجنـحـته مكتبـاً للعمل، وهنـاك تـختـفـي كل مشـاعـر الحب، فالقيظ العراقي يشوي الـرؤوس ويجـفــف كـل كـلمة حب".
 
* نشر في "الحياة" 19-8-2003
 


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM