وقفة دم على أرض الحلة

تاريخ النشر       03/10/2014 06:00 AM


سلوى زكو*
قاسم عبد الأمير عجام.. قبل نحو ثلاثين عاماً، كان يأتي إلى (طريق الشعب).. حاملاً مقالات كتبت بخط أنيق ودقيق. أحبب في كتاباته تلك اللغة المطواعة الموحية الصادرة عن ذهن صاف يعرف ما يريد ويعرف كيف يوصل ما يريد إلى قارئه. والكتابة فن وحرفة وممارسة، وأسوأ أنواعها ذلك الذي يستخدم لغة مسطحة ومتخشبة لا تحترم لفرط مباشرتها ذكاءك ولا تقرأ شيئاً بين سطورها.

 

ودار الزمن دورته العنيفة الهائلة، ولم ألتق الرجل إلا عندما زارنا في (المدى)، وما عرفت أنها المرة الأخيرة التي سألتقيه فيها. كان يحمل شيئاً مما كتب، فاكتشفت أن الرجل ظل عصياً على الزمن المر، إذا ما زالت لغته ذكية وموحية صادرة عن ذهن صاف وبصيرة ترى بوضوح.

من هو قاسم عبد الأمير عجام؟ ما عرفت أحداً أكثر منه دماثة خلق ونقاء سريرة وتواضعاً واحتراماً للصغير قبل الكبير. فوجئت أن هذا الرجل المثقف قد أصبح مدير ناحية. لقد اختاره الناس ووضعوا ثقتهم فيه فما استطاع أن يخذلهم.. ثم اختارته وزارة الثقافة ليدير دار الشؤون الثقافية العامة وانعقدت الآمال بنشاط ثقافي عريض. ولم تكن المهلة سوى أيام حتى لعلع الرصاص ليسقط الرجل النبيل على أرض الحلة.

في الزمن المر، كان باستطاعة المثقف أن يحمي نفسه من الإذلال والتهميش وتسطيح المعرفة ومغريات المادة والمنصب محتمياً بعناده وكبريائه وصبره وعيناه معلقتان ببصيص نور يلتمع في نهاية النفق المظلم. وعبر قاسم النفق المظلم حتى نهايته ووصل نقطة الضوء حاملاً جراح عمر بكامله، وما إن لامست يداه الضوء حتى انهمر الرصاص ليسبح هذا الرجل الجميل في دائرة من دم قان ونقي.

من ضغط الزناد؟ لن ينفع قاسم في شيء أن نعرف القتلة، لكن ذلك قد ينفع في حماية مبدعين آخرين دونت أسماؤهم في لائحة الموت. ويالخيبة هذا الزمن إن لم يعرف العراقيون كيف يحمون رموزهم الثقافية من بندقية ولثام.
 
* المقالة نشرت في صحيفة "المدى" في اليوم التالي لاغتيال قاسم.. واعتذر للكاتبة الفاضلة والرائدة د سلوى زكو، ان مقالتها لم يتضمنها كتابي عن قاسم "قتل الملاك في بابل" ذلك انني لم اعثر عليها الا اليوم، بعد اشارة كريمة من الاستاذ جاسم العايف الذي دّلني على عرض للكتاب كان قد نشره في وقت سابق، وفيه تلميح الى خلو الكتاب من المقالة المهمة اعلاه.


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM