حوارات  



الناقد محمد الجزائري وحوار في النقد, المنهج والرؤية

تاريخ النشر       04/10/2014 06:00 AM


حوار: علي عبد الأمير*
• قد لا نسميها أزمة بين النقد والعمل الإبداعي, بل هي فجوة نجدها تتسع في احيان عدة, ترى هل ان ذلك بسبب النقد ذاته, مناهجه واتجاهاته, أم ان التلاقح مع الإتجاهات الفكرية والنقدية الوافدة أضاع فرصة لتكوين منهج نقدي خاص بحركة الثقافة العربية؟
• بدأت مع المنهج الواقعي وتأكد ذلك عبر دراسات "حين تقاوم الكلمة" و "ويكون التجاوز", لا ندري هل انك ما تزال تضع في ذلك المنهج, ثقة تجعلك تتعامل معه لاحقاً وفي دراسات تتناول الظاهرة المعرفية بشكل عام وفي نقد الشعر بالتحديد؟
• متى تعتقد ان على الناقد ان يدلي برأيه؟ ان لم يفعل ذلك في فوضى تقديم المناهج والتعريف بها, وهذا ما تفعله مؤسسات وتجمعات ثقافية عربية عديدة.
• في نقد الشعر العراقي والعربي بشكل عام, لم نزل نفتقد الآراء الكاشفة عن جوهر حركة ذلك الشعر, حيث سادت ولعقدين مضيا (آراء صحفية سطحية) عن غربة الشعر العربي المعاصر عن الواقع وظاهرة الغموض فيه, وللأسف أصبحت تلك الآراء حكماً نقدياً عند عموم متلقي الحركة الثقافية ومن تسعى جاهدة الوصول اليهم؟ ما الذي تقولونه في غياب الرأي الحقيقي والفاعل؟
 

 
بدأ الأستاذ محمد الجزائري حديثه, اعتماداً على ما أثارته تلك المحاور, بشكل شامل دون التحديد, وأشار الى ضرورة اعتماد المفاهيم العلمية في النقد, وبالتالي استيعاب العصر والإلمام بقوانين الطبيعة كي توفر للناقد فرصة أكبر لفهم الإنسان ونتاج الإنسان كما ان الإفادة من الفنون الأخرى في مضمار النقد (الفن التشكيلي مثلاً) وبقية الفنون الإنسانية تمنح الناقد عدة حقيقية لمواجهة النص الأدبي, لمواجهة الظاهرة العامة في الحياة الأدبية, ويكتشف الناقد قانونه النقدي من خلال تمثله للمادة الإبداعية والعمق الحضاري والثقافي لبلده وأمته, انه يستوعب التفاصيل والجزيئات لتشكيل الظاهرة.
ان اعتماد محور مركزي في الموضوع يوصل الى استيعاب بقية اجزاء الموضوع حسب العلاقة الجدلية بين الجزء والكل (النقطة والمحيط), (المركز والفضاء), بذلك يستطيع تشكيل الخطاب النقدي من خلال استيعاب فضاء الإبداع وخطاب الإفصاح عند الشاعر المبدع ثانياً ... كيف؟, (السياب مثلاً) كان من الضروري عدم الإبتداء نمطياً بتاريخ حياته, بل الصواب ان نبدأ مع محور أساسي في قصدة محددة, بل محور أساس في مجمل قصائده وليكن المحور مفردة (الظلام), كيف يفهم السياب الظلام؟ في حصاره الفكري, في تقاطعه مع هذا التنظيم السياسي او ذاك؟ في التقاطه لحظة الصِدام الحضاري في إحساسه بالمرض تشاؤمياً, الإضطهاد كضغط اجتماعي – سياسي وقد يفهم الظلام من خلال السياق التقليدي, الليل – الوحشة – الخوف أو في السياق النفسي, الخواء, القبر – الموت, تشكيلياً يمكن التقاط صورة الظلام, لون الظلام من خلال صور الشاعر في هذه القصيدة او تلك كذلك يمكن للناقد ان يلتقط لون الظلام في داخل القصيدة وبهذا يستطيع الناقد ان يتوفر على مستويين في البناء الشعري وبالتالي يخرج من خلال المحور المركزي الى الفضاء الشعري والحياتي للشاعر بما يحقق التكامل في الرؤية, من خلال ربط علاقة التفاصيل الحياتية بموضوعة "الظلام", "الميلاد", "القرية", "الإرتباط او الإنتماء السياسي", "المرض", "القراءات", "الجامعة", "الإحباط في الحب", "السفر", "الإضطهاد", ثم (الموت) بذلك تستوعب المقالة النقدية كل تفاصيل حياة وإبداع الشاعر من خلال المحور وبالتالي من تستفيد في عديد من المناهج: النفسية, الجدل المادي, التاريخ, الفلسفة, الجماليات .... الخ.
هذا المنهج يقف عند شرط الحرية وشرط التعبير ويؤسس مادته على جدل القصيدة أو جدل الشعر والحياة معاً وهذا هو منهجي .....

النقّاد: قلة النخبة الإبداعية
     الناقد جدلي بطبيعته وكي ينتج لا بد ان يضيف, اضافة إبداعية وهذه الإضافة تقع دائماً خارج سياق المألوف, انها لحظة تصادم حضاري مع التقليدي والسائد والعادي, هل تلمّسنا ما يسمى بأزمة بين النقد والعمل الإبداعي ام نحن خارج هذا الهامش؟ بمعنى ان الفجوة التي تعتقدها في السؤال موجودة منذ نشأة الآداب ولحد الآن, فلو عدّدت النقّاد في العالم لكانوا القلة, لكنهم قلة النخبة الإبداعية, وليس كما يدعي البعض انهم شعراء فاشلون, أو قصاصون فاشلون, أو روائيون فاشلون, وفي كتبي عموماّ وجدت نفسي ومنهجي واذا لم يكتشفني البعض فتلك مهمته خارج اطار الحساسيات وتضخم الذات والنرجسية التي تقتل وتحاصر وتخفي الكثير من الأصوات الجيدة في الزمن الهلامي.
     ان قوة الموقف النقدي تعني قوة الإبداع, ولكل عمل في ساحته والأزمة بينهما (إتهام) وليس لها أساس, لأن أي مركز بحوث, علمي ومحايد وأي مجموعة كتّاب (فريق عمل) بحثي سيصلون الى إستنتاجات مهمة جداً حين يتفحصون بمعاينة دقيقة وكاشفة, كتب النقد العربي وسيتوصلون الى وجود حركة نقدية منهجية داخل حركة الثقافة العربية ولكن بين كل ناقد وآخر مسافة التكوين, لناقد روائي من نمط خاص يمتلكون – الرؤية, يتفقون في قدرة الكشف ولكنهم يختلفون في الأساليب وفي الآفاق التي يكتشفون.

التلاقح الفكري: لا أثر سلبي
     ان معنى التلاقح الفكري مع الإتجاهات الفكرية والنقدية الوافدة او المكتسبة لم يضع فرصته تكوين منهج خاص بحركة الثقافة العربية بل ساعد من خلال لحظة التقاط واعية عند هذا الكاتب او ذاك, او هذا الباحث او الناقد, تجربة خاصة تدخل في نسيج حركة الثقافة العربية, خاصة الذين أفادوا من التراث النقدي والفكري والحضاري العربي في بُنية تفكيرهم وكتاباتهم.
     ان التضليل على تيارات النقد العربية هو بسبب الإحتراب بين أجهزة الإعلام العربية وليس بسبب عدم وجودها داخل حركة الثقافة العربية والمنهج ليس رهين الساعة, بل هو تكوين, جزء من بناء هرم الشخصية وتتشكل من خلاله تجربة الحياة والقراءة والكتابة معاً.
     من هنا أنا لا أستعجل النقد او الكتابة النقدية, ولا اتأثر سلبياً بالضغوط الصداقية أو العلاقات أو أية ضغوط خارج موضوعية وجدلية النقد.

الحاجة للتظاهرة الثقافية
     نحتاج في الوطن العربي عموماً الى حالة صحية تخرج على الأطر التقليدية في التعريف والإنتشار والحضور, وبالتالي فإن تظاهرات كالمربد هي واحة حقيقية لمثل هذا الصحو الصحي في التعارف الجاد بين المبدعين وبالتالي للتعرف على كتبهم وقنوات تفكيرهم مما يسهل عملية معرفة المنهج أو المناهج النقدية في حركة الثقافة العربية.

 منهج نقدي– جدلي
     (المنهج الواقعي) تعبير غير دقيق مع احترامي للسائل وللسؤال عن منهجي النقدي, ذلك انني أستفيد من الواقع والواقعية, ولكن هناك مستويات للواقعية تبدأ من الواقعية الرثّة وهي تحت الصفر عادة, الى الواقعية الفوتوغرافية, الى الواقعية التسجيلية, الى الواقعية النقدية أو ما يطلق عليها الواقعية الجديدة الى غير ذلك من مستويات, حسمها علم الجمال بتياراته المختلفة حتى لو كان منتمياً الى مدرسة فكرية واحدة, لذا اعتمدت خاصة في كتاب (ويكون التجاوز) على تمثل حقيقي لجدلية الفعل الإبداعي وما يعطيني من قوانين نقدية او مصطلحات دون الإتكاء على النمط الجاهز من التفكير المادي التاريخي ولا زلت اؤمن بهذا المنهج فهو يستوعب الروحي والجمالي واليقين الفكري ضمن وحدة العمل النقدي كإبداع, هذا لا يعني الطلاق مع ما تقدمه المناهج او النظريات الجديدة في طروحات خاصة في ميدان الألسنية والبُنيوية والتي نجد بعض جذورها في فكرنا النقدي التراثي.

الوقت يتسع لتكوين رؤية دقيقة
     الناقد لكي يدلي برأيه لا بد ان يحتكم الى صِدقه اولاً فإن نجح في خلق التوازن مع داخله وضميره وصِدقه يستطيع ان يدلي برأيه تحت أي ظرف كان وأمام أية مناهج وفي مقابل أية مؤسسات او تجمعات ثقافية أو فكرية, ذلك ان يقين الناقد هو في تقديري يقين الحاكم, العادل إزاء كائن له وضعه وتاريخه وفعله وردود فعله كما له سلبياته وإيجابياته.
     لكن حين تعم الفوضى بما يؤثر على الإنسان في المُعطى العام, وتكون هذه المناهج مؤثرة به حد الضياع, لا بد للوقوف والتصدي لكل ما يفتت انسانية الإنسان ويُفقده يقينه ودوره في البناء الحضاري, دون شك هناك مؤسسات تعمل تحت غطاء التعددية على إنتزاع جذوة الإيمان بالقيم وبالوطن وبحضارية الأمة ورسالتها الإنسانية ودورها في التاريخ البشري, من هنا تستوجب المجابهة والتصدي لهذه التيارات السلبية.
     انا لست ضد التعددية, اذا كانت تحقق تلاقح الإتجاهات وزيادة الخبرة وتقويم بُنية المجتمع العربي, لكنِّي ضد كل ما يُشيع الإنكسار والهزيمة في إنساننا العربي, من هنا أقف مع عملية التحصين والبناء للذات الثقافية العربية في مواجهة كل التحديات الأجنبية, فالذاتية العربية هي الرسوخ الحقيقي في بناء العالم الذي نحب ونرغب ونتمنى.

نقد أم آراء صحفية؟
  قصيدة الحرب مثلاً, كانت هي الرأي وهي الفعل عند مبدعيها الحقيقيين الذين في فترات ما, كتبوا القصيدة وفق هموم التأثر بتجربة غريبة أو استلابية, الحرب مطهِّر لأحزاننا ولهمومنا وقد عمقت سياق القصيدة اليومية اذا نقيناها من شوائب التقريرية والمباشرة غير المتوازنة مع المعمار الفني للقصيدة, لذا فان بعض النصوص الحقيقية ذات البُعد والإمتداد النفسي والوجداني والتي خرجت عن إطار التعبئة اليومية وشرف التوثيق الساخن للحدث, استطاعت ان ترد, مع الأعال الفنية الإبداعية الأخرى, كالرواية والقصص والفن التشكيلي والنحت, على بساطة كتابة الأعمدة السريعة, ولو بحثنا في نتاج الشعراء العرب بحدود ما ألقوه في (المرابد) السابقة على وجه التحديد لوقفنا عند نماذج مشرفة تبعد تهمة (غربة) الشعر العربي المعاصر عن الواقع وظاهرة (الغموض) فيه بل هي لصيقة بعمق الواقع حتى في غموض وتعقيدات نسيجه العام, والذي يبقى هو وجه الإبداع حكماً نقدياً للمستقبل, وليس للراهن الحاضر, من هنا لا أقف ضد الذين يتدربون على كتابة النقد من خلال الصحافة اليومية والأعمدة فإن امتلكوا الجدية فسيصلون يوماً الى الرأي الحقيقي والفعّال.

 

* نشر الحوار في "القادسية" 17-12-1986

     
    

    



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM