فوضى المواقف العراقية وهشاشتها

تاريخ النشر       26/11/2014 06:00 AM


أربيل (شمال العراق) - علي عبد الأمير*

حين تسبب المواقف الاميركية، في ما خص مواجهة «الدولة الإسلامية»، بلبلة حتى بين اقرب حلفائها الغربيين والعرب، فإنها تصبح «احجيات» بين صفوف العراقيين المتشككين اصلاً بجدية واشنطن وتحالفها «الدولي»، وهو ما يتحول فوضى في برامج تسعى الى ان ترقى، بمساعدة واشنطن ومن ثم باريس فلندن، من جهة، ومع ايران من جهة اخرى، الى مصاف الخطط العملية أمنياً وسياسياً لمواجهة خطر التنظيم الذي «يزنّر» بغداد من جنوبها وغربها وشمالها، على رغم كل الاعلانات عن نجاح الضربات الجوية في إبعاد خطره عن العاصمة العراقية.
 


ارهابيو "داعش" يحتلون ثلث العراق؟
 
وفي حين تحقق شبه «إجماع وطني» حول ضرورة منح رئيس الحكومة الجديد، حيدر العبادي، فرصة كي يخرج البلاد شيئاً فشيئاً من حال الفشل الامني والسياسي والاداري الذي خلّفه زعيم حزبه، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، إلا ان ذلك الإجماع أُصيب بالإحباط ولمرتين خلال اسبوع واحد، فالعبادي المحاط بترحاب غير عادي في اميركا، اعلامياً وبروتوكولياً على الاقل، اطلق من هناك، تصريحاً «مبهماً» مفاده، ان «على اميركا ان تكون جادة في دعم العراق بمواجهة «داعش» وليس عبر الكلام فقط»، فيما كانت الطائرات الاميركية والفرنسية تغطي الأجواء العراقية في مهمات تتوزع بين المراقبة والتصوير أو القصف لمواقع التنظيم الذي احتل ثلث البلاد منذ حزيران (يونيو) الماضي.

وإذ يتنقل الآلاف من عناصر الحرس الثوري الايراني، في ساحات المشاركة العسكرية الميدانية او غير المباشرة (مستشاري التدريب والتحريض الدعائي لمتطوعي «الحشد الشعبي»)، الى جانب ما تبقى من وحدات الجيش العراقي ومقاتلي الميليشيات: «عصائب اهل الحق»، و «بدر» و «سرايا السلام»، ويتنقل نحو ألفين من مستشاري الجيش الاميركي، (عدد اقل وحركة اقل من نظرائهم الايرانيين)، بين وحدات عسكرية ومواقع عراقية، وتغير طائراتهم الى جانب «رافال «الفرنسية و«تورنادو» البريطانية، و «اف-16» الدنماركية وأخرى من استراليا، إلا ان حيدر العبادي، يؤكد أنه «يعارض في شكل كامل اشتراك دول عربية في الجهد الجوي الذي يستهدف مسلحي تنظيم «الدولة الاسلامية» في بلاده».

ويبدو ان «المستبشرين خيراً» بالعبادي، أداروا رؤوسهم كثيراً بحثاً عن تبرير لمثل هذا الموقف، لا سيما ان موقفاً عربياً واسعاً، جاء مرحباً به، حتى من دول خليجية كانت رافضة اي تعميق للعلاقات مع العراق بوجود سلفه المالكي على رأس الحكومة، فضلاً عن ان اي تبرير للموقف يأتي تحت باب «رفض المساس بالسيادة» يصبح نكتة ثقيلة الدم، مع سيادة مرغت بأوحال أقدام العسكريين الايرانيين والاميركيين، فضلاً عن اخرى تحتفظ ببقع الدم هي أقدام مسلحي «داعش» من كل الجنسيات والاقوام والذين «يحتلون نحو ثلث مساحة البلاد»، وفق التعبير الذي استخدمه رئيس الجمهورية فؤاد مصعوم في «مؤتمر باريس» المخصص للتضامن مع العراق.

وما ظل ممكناً في تبرير هذا الموقف (رفض اسهام الطيران العربي في ضرب «داعش» في العراق) من العبادي، هو ان الرجل اراد «اغلاق الباب امام طلب ايراني بتسيير هجمات بالطيران في الاجواء العراقية»، كان وارداً، في حال اشترك الطيران العربي بصفته عنصراً في «التحالف الدولي» بشنّ هجوم جوي على «داعش».

هذا الاعلان من العبادي، بدا وكأنه «الجزء الطافي» من فوضى المواقف العراقية وهشاشتها، التي تغيب معها، او تكاد، المهمة الواجبة التنفيذ على المديين القصير والمتوسط في مواجهة «داعش»، مع اعلان اميركا والغرب عن مواجهة طويلة مع التنظيم الارهابي.

ويرى الباحث والاكاديمي المتخصص بشؤون الجماعات المسلحة، هشام الهاشمي، انه:

أولاً، على المدى القصير:

ينبغي على العراق حكومة وبرلماناً وشعباً، العمل على:

- التشديد الاعلامي على الانشقاقات والخلافات الواقعة داخل قيادة شبكات التنظيمات المتطرفة في العراق، وتوظيف ذلك، عبر متخصصين في تركيب الجمل والعبارات وبطريقة لها قبول لدى افراد هذه الشبكات وأعضائها، بحيث توصل من يقرأها الى حد الشك او محاولة البحث عن الحقيقة.

- ﺗﺘﺒﻊ ﻋﻤﻠﻴﺎت ﺟﻤﻊ اﻷﻣﻮال، ﻣﻦ ﺧﻼل اﻷﻋﻤﺎل واﻟتبرعات واﻷﻋﻤﺎل اﻟﺨﻴﺮﻳﺔ، وإﺟﺒﺎر الجماعات المتطرفة ﻋﻠﻰ اﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ ﺟﻤﻊ اﻷﻣﻮال بالطرق العلنية الإجرامية التي تجعلها مكشوفة امام الجهد الامني والاستخباري الوطني.

- متابعة المشتبه بهم في رحلات الحج والعمرة، التي تعتبر رافداً مالياً كبيراً لتمويل شبكة القاعدة، وتتبع عمليات غسيل الاموال.

- ﺗﻌﺰﻳﺰ ﻋﻤﻠﻴﺎت ﺟﻤﻊ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻻﺳﺘﺨﺒﺎرﻳﺔ. فكلما زاد ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻨﺸﺎط اﻻﺳﺘﺨﺒﺎري، ضعفت شبكات الارهاب في العراق... وزﻳﺎدة كثافة ﺟﻤﻴﻊ أﻧﻮاع ﻋﻤﻠﻴﺎت ﺟﻤﻊ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻻﺳﺘﺨﺒﺎرﻳﺔ ﺳﺗﻘﻠﻞ ﻣﻦ اﻷﺛﺮ اﻟﺴلبي للإرهاب، وتزويد منظومات الاستخبارات بدارسين وباحثين متخصصين في تدريب وتثقيف القيادات الاستخبارية والامنية حول شبكات الارهاب في العراق، ودراسة هذه الشبكة فكرياً واجتماعياً ونفسياً وأمنياً... وذلك كله يساعد في معرفة العمليات الارهابية بشكل مسبق وتكون الاحتمالات المتوقعة كبيرة جداً.

- متابعة بؤر التجنيد المعتادة لدى شبكة «داعش» في العراق، مثل المساجد والمنتديات الثقافية والنوادي الرياضية بخاصة «نوادي بناء الأجسام والألعاب القتالية»، والمدارس الدينية والكليات والمعاهد الشرعية، وأماكن التوقيف والسجون والإصلاحيات التي اصبحت مدارس للفكر التكفيري القاعدي، فتعطيل تلك البؤر يفضل ان يكون بالاختراق المباشر من المتعاونين مع الاجهزة الامنية.

- اقامة مركز متخصص لدراسة استراتيجيات المنظمات الارهابية، والسبل النظرية والعملية لمكافحة إرهاب تلك الجماعات...

- لا بد للحكومة من استعمال الإعلام المضاد وعلى كل المستويات الاعلامية (الفضائيات العراقية والعربية والاذاعات

المحلية والمجلات والجرائد، اضافة الى الإعلام الالكتروني والملصقات واللوحات الاعلامية)، ولا بد من أن يدار ذلك كله من خلال قسم متخصص بالإعلام، فضلاً عن معرفته الدقيقة بالمنظمات الارهابية، وتأثير تلك العمليات الاعلامية في الحالة النفسية والاجتماعية لأعضاء شبكة «داعش» في العراق وفي ارباك الحالة النفسية للإرهابيين.

ثانياً، على المدى المتوسط:

- تضمين المناهج التربوية والدراسية فصولاً خاصة في التعريف بالإرهاب وشرّه، والمفاسد التي يأتي بها للمجتمع العراقي والانسانية.

- على الحكومة التقليل من البطالة وفتح باب الفرص وبشكل متساوٍ ومنصف لكل أبناء المجتمع العراقي، ما من شأنه امتصاص أعداد من عناصر تلك المنظمات الارهابية، وبخاصة من كان دافعه للانضمام اليها، مادياً محضاً.

- الدعوة الى مصالحة وطنية شاملة لأعضاء تلك المنظمات وبخاصة من الذين لم تتلطخ ايديهم بالدم العراقي، ومن شأن ذلك، تحقيق اهداف وغايات كبيرة على المستوى الاستخباري ومستوى الدراسات ومستوى التعاون العسكري.

- تأسيس لجنة عليا متخصصة في تشخيص ترشيد الفكر المتطرف وعلاجه، مكونة من علماء ودعاة وكتاب ومثقفين اسلاميين، لديهم القدرة على نشر الوعي المعتدل وتصحيح الفكر المتطرف، وإقامة برامج تلفزيونية وإذاعية وندوات ثقافية جامعية ومدرسية لتوعية المجتمع والطلاب...

- التعاون مع اهالي القرى الحدودية لحماية الحدود، وللتقليل او تعطيل عمليات تهريب المجنّدين الاجانب الى العراق.

- التوسع في استيعاب الفصائل المسلحة العراقية في مشروع «الصحوات» و «مجالس الإسناد العشائري» و «الحرس الوطني»، ومحاولة احتوائهم والانتفاع من خدماتهم الامنية والعسكرية.

- السعي الى اصدار وثائق إلكترونية تخص كل مواطن في كل محافظات البلاد (الحكومة الالكترونية) ولذلك اهمية كبيرة في عزل المطلوبين من اعضاء تلك المنظمات الارهابية وتمييزهم عن باقي الحراك الاجتماعي.

- التعاون الامني مع دول الجوار، وتبادل الخبرات والمعلومات في مهمة ضرب شبكات الارهاب في العراق.

مبادرة عراقية أم رضوخ للضغط الاميركي؟

ويرى الباحث العراقي المساهم في عدد من مراكز البحوث والدراسات الاميركية، حارث حسن، ان «الماكينة السياسية العراقية تتسم بالبطء الشديد وأبعد ما تكون عن اجتراح سياسات تستند إلى المبادرة»، حتى وإن تعلق الأمر بضرورة تحرك فعال وعاجل من اجل درء خطر التمدد الارهابي.

وفي مقابل «بطء الماكينة السياسية العراقية»، فإن حسن يرى ان هناك محاولة عراقية تتماشى مع الضغط الأميركي، لا سيما في ما يخص اصلاح المؤسسة الامنية واستشراف امكانية صناعة «حلفاء سنّة» جدد في اطار مشروع «الحرس الوطني».

وفي هذا السياق يمكن ملاحظة:

- ان الحكومة العراقية تفتقر الى برنامج سياسي اصلاحي واضح المعالم بسبب انقساماتها.

- ان الولايات المتحدة نفسها لم تبلور بعد استراتيجية سياسية واضحة، وقد كانت تصريحات الرئيس اوباما، بداية للتعبير عن الحاجة الى بلورة مثل هذه الاستراتيجية، لكنها لا تزال تدور في اطار الفهم الطائفي لانقسامات المنطقة، بما يوحي ان هدف الادارة هو الدفع باتجاه صفقة اقليمية بين «السنّة» و «الشيعة» لا رابح فيها ولا خاسر.

- ان الحكومة العراقية لا تزال تحاول الموازنة بين الضغطين الاميركي والايراني اللذين وإن التقيا على اهمية مواجهة «داعش»، إلا انهما لم يتفقا بعد حول سبل ذلك والمسارات العملية لترجمة ذلك الاتفاق، وتحويله موقفاً مثمراً في مواجهة «داعش».
 
* نشرت في "الحياة"
5-10-2014


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM