21/1/1991: غروب الحرب البارد

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       21/01/2015 06:00 AM


21/1/1991: غروب الحرب البارد
الغروب البارد يثير يأسي، مثلما كانت تفعل اذاعتنا التي كفاني التشويش شر الاستماع اليها وشر الاستماع الى أخبار مثل التي تصدرت النشرة الاخيرة لهذا النهار: "إزدياد معدل البطالة في ايطاليا"، - تذكرت هنا جدلية غوار الطوشة الاثيرة: "اذا اردت ان تعرف ماذا يحدث في ايطاليا، عليك ان تعرف ماذا يحدث في البرازيل، واذا اردت ان تعرف ماذا يحدث في البرازيل عليك ان تعرف ماذا يحدث في ايطاليا"! أو أن تتوقف الاذاعة عن بث برامجها الحماسية لتعلن عن وصول برقية تأييد للعراق من عمّال البريد والبرق في الخرطوم!!
الغروب البارد يزيد يأسي مثلما فعلت إذاعتنا، فقطرات المطر تتساقط وسط جو ملبد بالغيوم والصمت الذي خيم على الثكنة وما حولها نتيجة غياب مؤقت على ما يبدو للطائرات المغيرة.

http://www.aliabdulameer.com/inp/Upload/21142827_444890144_002666f2da_oe.jpg

الصمت في جو الرعب ورائحة الموت المنتشرة قادني للدخول في موجة ألم غامرة. أصبحت أتفاعل مع الظلمة القسرية المفروضة على مرافق الثكنة وتمضي خطواتي في عتمة كثيفة، فالحروب تبني ألفة مع الظلام، ها أنا أدخل الملجأ الذي رفضت الدخول اليه منذ ثلاثة ايام، وأستخدمت وسيلة في الاضاءة سبق أن تركها العراقيون منذ الربع الاول من هذا القرن في مدنهم المهددة بالاجتياح وظلت مستخدمة لفترة طويلة في الريف، واحدة من زجاجات (السفن آب) وقد امتلأت بالنفط وتدلى في وسطها شريط قماشي خرج من فتحتها العلوية التي اغلقت بواسطة حبة تمر.
أخذت معي بعض أوراق الواجب وأخرى فارغة لكتابة بعض السطور دون أن أنسى الراديو طبعاً!
أخرج في الصباح بعدة سعلات قوية وببلغم مغطى بلون سخام اسود، يشبه الحرب الى حد بعيد، كان ينبعث من الفانوس العراقي - أهكذا يجعلنا نقضي ايامنا فيما بيوتنا الى فراغ العتمة ووحشة الظلام! لماذا يحدث كل هذا مرّة اخرى؟
سحقني السؤال وتأتي اليّ البلاد يأخذها الرعب التام مما دفعت اليها من حرب قذرة، ليلتي الاولى في الملجأ حاولت أن أجعلها أكثر هدوءاً وأقل رعباً، فاستعنت لمؤانستي بكتاب بالانجليزية حمل عنوان "آيدنتتي" او الهوية، وفيه كتابة غرائبية بالصور ومقاربة بين مقاطع من شعر اليوت، أودن وفيليب لاركن وكولاج تعبيري في الصور، ولم أرفع عيني عن صفحاته الا حين إشتد القصف الجوي ودكّت القذائف منطقة القاعدة الجوية القريبة منا، حين تحسست ذلك من التراب والرمل الذي إنهال علينا في الملجأ.
أضحك على مضض حين يخبرني صديقي الذي يقاسمني الملجأ متسائلاً: هل تتوقع ان هذا الملجأ سوف لن يردم اجسادنا فيما لو سقطت قربنا قذيفة او صاروخ؟

* من "الخروج من قبة النار"  يوميات "عاصفة الصحراء".




 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM