23/1/1991: صباح الاغنيات

تاريخ النشر       21/01/2015 06:00 AM


علي عبد الأمير*

في صباح اليوم السادس للحرب، نهضت بمزاج رائق وكأنني اخرج الى الحياة مجدداً، كنت اردد اغنية لكاظم الساهر! وحلقت وجهي وغسلت شعري، مزيلاً عنه ما تعلق به من ذرات الرمل الناعمة، وسخام "الفانوس" النفطي.

غيم في الافق وجوّ بارد رطب. صوت عبد الحليم حافظ بشجنه وعذوبة لحن اغنيته "انا لك على طول"، رقة متناهية وتطوير لمشاعر لا تتوافق والملاجئ، رمالها، ونيران الطائرات!


http://www.aliabdulameer.com/inp/Upload/2114544_100076355.kwMUGGLH.re2.jpg

أنتبه لنفسي، لشياطين رغباتها وأكاد اصرخ: أين أنا من هذا واحتمال الموت يطلع الينا كل لحظة، ثم من الاغاني الى صوت "هيام" الأثير مرة اخرى، صوتها الذي يقلل دائما وحشتي في الخنادق وظلام الثكنات: هل لكم برسائل تبعثون بها لذويكم عبر الاثير؟ هذا ما تقوله هيام، عبر اذاعة "مونت كارلو"، وحتى هذا نحن الذين هجّرتهم ونفتهم حروب الخليج لسنا بقادرين حتى على الحلم به، هيام تقلل من آثام الدفء الانثوي في صوتها وتقلل من وحشتي حين تقدم فيروز في اغنية "طلع لي البكي"، الاغنيات ثانية توخز إنسانيتي التي تشتعل في أقصى دمارها، قد أموت الان، بعد لحظة، بعد أيام.. مرة اخرى تفجّر الأغنيات آمالا في ذاكرتي وتحيلها صدى إنفجار بعيد.

قررت ايداع هذه السطور عند أحد هنا، فاخبرت صديقي الذي يقاسمني الملجأ بذلك، وافق وهو يضحك بلطف، كونه للتو عرف انه سيذهب الى مدينة الكويت لتعويض احد المهندسين والذي قتل أو "غاب"، لا احد يدري! واتفقنا معاً أن نوصل أوراق كل واحد منا الى أهله في حالة وفاة اي منا! كما اتفقنا على المراسلة، فثمة أكثر من بريد سيظل بيننا، زاد تعليقه من إلتباسي حين ودعته وحملت معه حقيبته وسلاحه الى السيارة اذ قال: "اعتقد انني سأكون بامان اكثر هناك… اعتن انت بنفسك جيداً وارسل لي بالبريد (السري والشخصي) بعض ما تكتب وسأوافيك انا بما لدي من انطباعات مرفقة مع بريد نتائج القصف وبيان الخسائر والموقف اليومي للافراد والعتاد: اطمئن لا احد يفتح البريد السري والشخصي"

و"يطلع لي البكي" مثل فانوس عراقي يملأ انفاسي بسخام الحزن.


* من "الخروج من قبة النار"  يوميات "عاصفة الصحراء".


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM