نقد فني  



كامل الجادرجي... مصورا فوتوغرافيا

تاريخ النشر       21/10/2015 06:00 AM


علي عبد الأمير*

هذه مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي سجلت في ملامحها، فترة تقارب الـ20 عاما، وتلخص الاوجه المتعددة للحياة الاجتماعية في الشرق الاوسط والعراق بشكل خاص. هذه الصور لها ميزتها في هذا الكتاب، كونها التقطت من قبل سياسي كانت تشغله (الديمقر اطية) ولمدة اربعة عقود.

 (الصور- الوثائق) تستطيع ان تبرز الحياة الاجتماعية لبلادنا بين العشرينات والاربعينات من خلال عين مصور بارع وعالم حفريات اثارية ايضا.

المجموعة تضمنها كتاب بالانجليزية جاء على جزأين ومن خلال تحرير موجز عرض فيه، رفعت الجاردجي، ظروف تكوين هذه الفترة التي تتصل بها الصور التي ظهرت مميزة، وطبيعة الاهتمام الذي اظهره خلالها "الاب " بالفوتوغراف.


غلاف الكتاب 


وتلك المجموعة، اضافة الى اندراجها في مهمة التسجيل التاريخي، تظل قادرة على التأثير لمراحل لاحقة، لما حققته الصورة من امتياز جمالي في تقنيتها الفوتوغرافية، ومنها الصورة التي حملها غلاف الكتاب.

قد تتعجب وانت تنظر اسفل الصورة لتشاهد هامشها وهو يشير الى سنة مثل 1923، 1931، او اوائل العشرينات، فالصورة زاخرة بعناصر تكوين فنية لم تحققها احيانا حتى تجارب من احترف الفوتوغراف الفني.

وصاحبها، كامل الجادرجي، المولود ببغداد قبل ان يطل علينا القرن العشرون، وتحديدا 1897، نشأ في عائلة موسورة، ناشطة في اتجاهاتها السياسية، والحياة الاجتماعية بشكل عام، ومنذ بداية عشريناته، التحق الجادرجي الشاب بحياة البلاد السياسية، وكان علامة مهمة في النضال من اجل الديمقراطية والتحرر والعدالة الاجتماعية.



وضمن هذا الخضم المدهش من المواقف والصراعات، كان هناك (الثقافي) و(المعرفي) نصب عين الجادرجي،، ففتح صفحات جريدته "الاهالي"، للدراسات الحديثة في علم الاجتماع، الاقتصاد والأدب, انه قدم ايضا نموذجا للمثقف صاحب (الرسالة): معرفة غنية باتجاهات التحديث، ونشاطات الثقافة المعاصرة. بيته الشخصي على سبيل المثال، صممه وفق احدث الطر بل كان في حينه (طليعيا)، وكانت لمساته تتسع في ذلك المكان الشخصي، حيث صمم المكتبة، جناح النوم، الديوان، الطاولات وحتى ارائك الجلوس في الحديقة التي صمم اركانها ايضا.

من هذه الاهتمامات برز الاهتمام الاكبر في الصورة الفوتوغرافية، فوضع امامنا، توزيعات للضوء متقنة وتلعب على تأثيرات الحنين التي نكنها الان لجوانب من بغداد القديمة، وحياتها الاجتماعية. صوره ايضا كانت مؤشرا للحياة الاقتصادية في الريق، وحوض نهر ديالى  نال من الجادرجي اهتماما خاصا.

وابعاده عن العراق، بسبب نشاطه السياسي اوائل الثلاثينيات وفّر له فرصة السياحة الثقافية في سورية، لبنان وفلسطين، وعدسته كانت ترافقه هناك، فسجل بمجسات وعيه المتقدم، ملامح التغلغل (اليهودي) في الحياة الاجتماعية لمدينة القدس، صوره عن هذه المشاهد، تحمل تاريخ اوائل الثلاثينات، وكأنه في ذلك كان يقرأ في وقائع قادمة، لكنه كان يراها ماثلة امامه.

والفوتوغرافي البارع، هنا،  كامل الجادرجي، لا تعرف عن بداية معرفته بهذا الفن، حتى ان رفعت الابن، لا يذكر تحديدات عن ذلك، لكنه يذكر حادثة ايداع احد الانجليز لصندوق من الصور الفوتوغرافية عند الجادرجي قبيل رحيله الى خارج العراق بسبب اشتعال الحرب العالمية الاولى، وكان ذلك الرجل قد اخبر الجادرجي، بانه الوحيد القادر على العناية بتلك الصور/ الوثائق، ليحمل معه هذا الصندوق الى (بومياي) بعيد الحرب ولكنه اضاعه هناك. وظل يقول انه اضاع اهم شيء في حياته!

من تلك الاشارة نستطيع ان نقرأ علاقة الجاردجي بفن الفوتوغراف، وهناك غرفة في بيته لمعدات التصوير، التحميض، والتكبير. فكانت هذه نوازع اهتمام قل مثيله هذه الايام، ولكنه لم يكن بالغريب على ذلك المعرفي المدهش، وصاحب المعترك السياسي الضخم.
الكتاب، مجموعة الصور، صادر في لندن عن دار نشر "لام" وكما قلنا، حرره رفعت الجاردجي، الذي لاحق اتجاهات ذلك الاهتمام غير المعروف عن ابيه، ودعم بذلك ما انجزه سابقا في كتاب "صورة اب".

وفي هامش الكتاب نكتشف ان الامكنة التي تحتفظ بانجاز الجاردجي في الفوتوغراف هي عديدة ومنها:

*متحف الفن الحديث- نيويورك.

*متحف المتروبوليتان/نيويورك.

*الجمعية الملكية للفوتوغراف/ بريطانيا.

وفي مجموعة من الصور المرفقة مع هذه الكلمات، نتعرف الى ما حاول الكتاب، التعريف به، واجده الحنين/ نوستالجيا، المؤثر في حياتنا هذه الايام، ويجعلنا نخلط كل عناصر التلقي في قراءة عميقة لمداخل حياتنا التي انتهت الى ما نحن عليه الآن..

*نشرت في مجلة "الرافدين" الاسبوعية البغدادية 1992.

 



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM