أدباء عراقيون:السلطة الحاكمة، أيا كانت، تريد الثقافة حملة دعائية

تاريخ النشر       24/04/2016 06:00 AM


علي عبد الأمير*

خضع الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، لسيطرة مطلقة من مثقفي النظام السابق والمؤسسة الحزبية والأمنية، فيما كانت آخر تشكيلة للاتحاد تقارب المشهد الثقافي العراقي، هي لائحة منتصف سبعينات القرن الماضي حتى العام 1979 حين صعد صدام حسين الى السلطة في صيف دموي، أطاح برؤوس نحو 50 قيادياً من "الرفاق" في الحزب وصولاً الى اعلان الحرب على ايران في خريف 1980.

تلك اللائحة ضمت أدباء شيوعيين وماركسيين مستقلين وقوميين فضلاً عن أدباء سلطة "البعث" وكتابها. غير انها قضت مع شهوة صدام اللامتناهية الى السلطة، ليدور اتحاد أدباء العراق في فلك يرسمه "مكتب الثقافة والاعلام" التابع لقيادة البعث، وليصل شعراء عراقيون الى سدة الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب من خلال "نشوة قومية" للتضامن مع صدام في حربه على ايران".

الشعراء حميد سعيد، سامي مهدي، الراحل عبد الأمير معلة كانوا طبعوا بحضورهم القيادي البعثي، حركة الثقافة العراقية في ايام الحرب العراقية - الايرانية، غير انهم فوجئوا بموجة أبعدتهم عن "مكانهم الطبيعي" في قيادة العمل الأدبي والثقافي، وقد بدأت في تسعينات القرن الفائت، حين رأى عدي صدام حسين، حقاً له في الاطاحة بمن سماهم "ديناصورات" الثقافة العراقية، وأرسل سكرتيره الصحافي عباس الجنابي الى إجتماع حاشد وصاخب لاتحاد الأدباء والكتّاب في بغداد العام 1992 ليخبرهم بأنه أسس "تجمعاً ثقافياً" سيكون تحت اشرافه المباشر. وبذلك تبوأ رئاسة الاتحاد التي كانت تحمل أسم الجواهري ذات يوم، شاعر كل رصيده، قصائد مديح صدام اسمه رعد بندر الذي خلع عليه الرئيس السابق لقب "شاعر أم المعارك".


والى نحو ستة اعوام كان بندر "ممثلاً" لأدباء العراق وكتابه، ومفوضاً إطلاق أوصاف "الخيانة" و"الوطنية" على من هاجر من مثقفي العراق، فيما دخل الاتحاد العام للأدباء والكتاب نفقاً اكثر عتمة بعد بندر ورهطه، تمثل بوجود كاتب سياسي أمي كل مجده انه كان ذات يوم "سكرتير صدام الصحافي" هو الكاتب هاني وهيب، الذي أصبح رئيساً للإتحاد، ومعه كوكبة من كتاب "روايات ام المعارك" و"شعراء القائد"، وبينها قلة ممن ترى في العمل المهني فرصة في الدفاع عن مؤسسة ثقافية رائدة.

ومثلما إنهارت في التاسع من نيسان (أبريل) الماضي، الأجهزة الأمنية والعسكرية والحزبية والسياسية للنظام السابق، ومعها أجهزة الدولة التي اختصرها صدام في مهمة وحيدة، هي الدفاع عن حكمه، انهارت الاجهزة الثقافية، ومنها اتحاد الادباء والكتاب، وظل ادباء العراق وكتابه تحت "هول الصدمة"، حتى بادر عدد من الكتاب والأدباء، أبرزهم القاص حميد المختار قضى في السجن ثلاث سنوات بتهمة التحريض على مقتل مسؤول أمني لانتخاب "هيئة تحضيرية" للأتحاد تتولى ترتيب أموره.

غير ان اللافت هو في غياب الوجوه البارزة في الثقافة العراقية عن "التحضيرية" التي لم تجمع غير 50 عضواً من اعضاء الاتحاد الذي يربون على 1500 كاتب. ومن بين أولئك الخمسين انتخب عشرة، فوّضوا أنفسهم تمثيل العراق في المؤتمرات التي تشارك فيها اتحادات الأدباء العربية.

الأرجح ان الحاجة الى اتحاد ادباء وكتاب في العراق اليوم، باتت شبه معدومة، مع اتجاه يسود البلاد، قائم على التعدد ورفض التكتل حتى وان كان مهنياً. ولعلّ الإرث الذي مزج بين "الوصاية" و"الرقابة الأمنية" لاتحاد الأدباء في العراق، هو من الثقل والقوة حتى بدا غيابه مع التغيير السياسي، نعمة لا أحد يريد التضحية بها حالياً. ومعظم أهل الأدب والكتابة في العراق يميلون اليوم الى التريث في عقد مؤتمر موسع لانتخاب "هيئة حقيقية" وذات تمثيل واسع.

ويتّسع اليوم النقاش في العراق، لا ليطاول "دوراً مفترضاً" لاتحاد أدباء جديد، بل ليطاول معنى لوزارة الثقافة يخشى كتاب العراق من ان تلعب الدور القديم ذاته: ان تجعل السلطة الحاكمة اياً كانت، الثقافة جزءاً من حملتها الدعائية.

*نشرت في "الحياة" 15/1/2004

http://bit.ly/1WPO0PI

 



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM