كامل الدّباغ.. مستمر في ثمار غرسه الجميل

تاريخ النشر       04/05/2016 06:00 AM



قبل أسابيع، ودعنا الأستاذ كامل الدباغ وبرنامجه "العلم للجميع"، بعد ثلاثة وثلاثين عاما من التواصل مع العلم وإخباره وانجازاته والمهتمين به، وجمهور يغريه العلم ذاته بالمتابعة، وجمهور صنعة البرنامج بمثابرته ومادته، فكان إحدى نجاحات البرنامج الكبرى، إضافة لما يمثله من نجاح لتلفزيون العراق نفسه. 
فليس بدون مغزى ان يبدأ هذا البرنامج العلمي بعد خمس سنوات فقط، من افتتاح التلفزيون العراقي ممثلا بذلك سبقا على كافة محطات التلفزيون في الاقطار العربية، خاصة بالنسبة للظروف الاجتماعية والثقافية التي يبدأها البرنامج. 

كامل الدباغ (يمين) خلال معرض علمي ببغداد 1966 افتتحه الرئيس عبد الرحمن عارف (يسار) ورئيس الوزراء ناجي طالب (وسط)

ولسنا هنا في مجال تحية الأستاذ كامل الدباغ وصبره ومثابرته، فالجهد النبيل الذي يستحق التحية، هو فيما بلغته البرامج العلمية في تلفزيون العراق، اذ لم يطو برنامج (العلم للجميع) صفحة حلقته الاخيرة، الا بعد ان تطور تأثيره وإتسع حتى قام في التلفزيون قسم كبير للبرامج العلمية انبثقت عنه برامج علمية مرموقة كـ"مجلة العلوم والتكنولوجيا" الذي كتبنا عنه صفحه ثقافة ( الثورة – 17/11/1985 )، ثم برامج التراث العلمي العربي الذي أعاد معده ومقدمه الاستاذ الدكتور حميد محول النعيمي، أعاد الينا برنامج "الطيف" الذي يستمر الان، كما يستمر الاستاذ الدكتور صباح ناصر العلوجي الذي قدم لنا "مجلة العلوم والتكنولوجيا" ليقدم برنامج "العلم والحياة"، وما بين ذلك قدم القسم العلمي بتألق الاستاذ الدكتور قدامة الملّاح برنامج "2000" ثم "الغد"، اما سلسلة الافلام العلمية المختلفة كتلك التي مثلتها "اسرار البحار" وغيرها، فتلك اطلالة كبرى على علوم العالم وفنون تقديمها الى الجمهور العريض. 
مما لم يسعنا الا الوقوف عندها بتأمل وإكبار كما في فعلنا في دراستنا "عن البرامج العلمية في التلفزيون وحقائقها – افاق عربية العدد  11  تموز 1984"، وكل اولئك ثمار طيبة لغرس "العلم الجميع" والخبرات المتراكمة في اعداده وتقديمه، فأصبحت المادة العلمية في تلفزيون العراق من عناصره الاكثر بهاء حيثما حضرت، فهي لم تعد مقصورة على برامجها المتخصصة، بل اتخذها في برامج الاطفال وبرامج التنمية وبرامج المسابقات ... ولذا يحق لنا ان نرى ما بدأه كامل الدباغ في كل فروع هذه الشجرة العلمية الزاخرة بالعطاء نراه مستمرا فيها بذكرنا بما يمكن لحب العمل والمثابرة فيه من ان يفعل مثلها فعل الحب والمثابرة في عملمؤيد البدري ببرنامج "الرياضة في اسبوع" الذي ودعنا بعد ان ان اصبح للتلفزيون قسمه الرياضي وبرامجه العديدة وصولا الى قناه للرياضة! 

صورة متحررة من الأوهام 
ومثلما ترك لنا مؤيد البدري دروسا يترك الاستاذ كامل الدباغ لنا دروسا اخرى، في اعداد المادة العلمية للتلفزيون والتخطيط لها، ولعل اكبر دروسه التطور النوعي، الذي حققه البرنامج مقارنه ببداياته ومنهجها. وإذا كان التطور سنه الحياة كما نقول، فانه في عمل كامل الدباغ لم يكن مجر تراكم عفوي او تغير يحمله الزمن وما يأتي به من جديد، بل كان تخطيطا ليستفيد من الخبرات السابقة، ومن الانجازات العلمية الجديدة ومن مقترحات جمهوره ومن التطور الاجتماعي، كل وما يطرحه من مهام أمام الهيئات العلمية ومراكز البحث والتخطيط العلمين ويكفي ان نشير الى الفارق النوعي بين اعتماد البرنامج على الأخبار العلمية او إضاءته لها، وبين وصوله الى تقدم صورة بانورامية عن موضوعات متكاملة الأبعاد، فيما كان يسميه البرنامج المسلسلات العلمية. بحيث يسهم متخصصون عديدون في علوم الحياة، الفيزياء، الكيمياء والفلك وغيرها، في إحاطة الجمهور بحقائق علمية عن موضوعات كالصحاري او البيئة او الزلازل او .. او .. وما يساعد على تكوين صورة متحررة من الاوهام او الصورة المتوارثة عن تلك الموضوعات. 
ولقد كان اقتراب البرنامج من البعد العملي للعلم، وانعكاسه في حياة الناس ومتابعته، اكبر انجازاته، مما شجع التلفزيون على ان يخصص لذلك برامج مستقلة كبرنامج "العلم في العمل"، او تلك البرامج الخاصة بالأجهزة المنزلية وإدامتها وهي لا تزال برامج لها جمهورها رغم الحاجة الى تطويرها. وفي أفياء شجرة القسم العلمي للتلفزيون، ازداد وتعمّق، حضور الكادر العلمي الأكاديمي على شاشته وفي وعي جمهوره، وهذه بحد ذاتها قيمة ثقافية اجتماعية من حق التلفزيون ان يفخر بها، ومن حقنا ان نتطلع لاستمرارها من خلال البرامج التي تواصل شوطها وريثة لأفضل تقاليد "العلم للجميع". 
ان لتحيتنا لكامل الدباغ وبرنامجه الرائد، هي احتضان وتطوير أفضل انجازاته، وهكذا لنا ان نأمل ان يستمر برنامجا (الطيف) و (العلم للحياة) في متابعة الإحداث العلمية التي تقع في دائرتي اهتمامهما، وحبذا لو خصص كل منهما حلقة شهرية للإصدارات العلمية بما هو اكثر من مجرد التنويه لعناوينها. كما ان التعريف بالأعلام من قبل العلماء الإحياء والراحلين في هذين البرنامجين والتعريف بالنظريات العلمية والمفاهيم العلمية مسائل ضرورية لا تقل اهمية عن ملاحقة الجديد والتعريف به خبريا، لتزداد الحصيلة الثقافية للبرنامج وتتسع دائرة تأثيرها. 

تحية الصبر الجميل 
ومما يساعد على ذلك الاتساع، ان يبادر المخرجون الى تطوير هذه البرنامج وطريقة تقديسها، فليس سرا انها تكاد تكون أحاديثا إذاعية مصورة لولا الأفلام العلمية التي ترافقها. بل ان الموسيقى ما زالت غائبة عنها حتى ولو كفواصل بين فقراتها وهو ما سبق ان تخطاه البرنامج الرائد نفسه، وهي أذن لتحية عمل ريادي وصاحبه. وفرصة للحديث في مهام استمراره، واحتضانها مع اسرة برنامجي (الطيف) و(العلم والحياة) وكل اسرة القسم العلمي في التلفزيون .. وعمرا مديدا استاذ كامل وتحية الصبر الجميل . 

*لا اشارة تقول ان المقال قد نشر في صحيفة او مجلة عراقية، وهو مكتوب على الأرجح نهاية ثمانينات القرن الماضي.



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM