نقد فني  



إمثولة جعفر علي في حياته وموته

تاريخ النشر       28/12/2016 06:00 AM


علي عبد الأمير
في السنوات العراقية العجيبة 1972- 1975 ثقافيا واجتماعيا وسياسيا، قدمت تجارب شكلت لي مسارا شخصيا في النظر إلى الأفكار والإنسان، ناهيك عن قضيتين شغلتا اهتمامي مبكرا: نقد المجتمع المحلي وقيمه السائدة من جهة والإنفتاح على العالم من جهة أخرى.

"فيت – روك" في الأخيضر:
من تلك التجارب، ما مثله عرض فني عجيب حقا وزاخر بمعانيه ودلالاته، اجتمعت فيه فنون المسرح والموسيقى الحديثة والرقص التعبيري، وما بدا مثيرا أكثر فيه هو استخدام مخرجه الفنان، جعفر علي، لفضاء حصن الأخيضر في تقديم العرض الذي جاء في اصله استخداما لموسيقى (الروك) في ادانة حرب (فيتنام)، ومن هنا جاء عنوانه "فيت- روك".
بالصدفة كنا في سفرة مدرسية إلى الحصن التاريخي الكائن في بادية كربلاء، وبينما كنا نتقافز بين أروقة المكان ودهاليزه، حتى تصاعدت عبر مكبرات الصوت، أنغام غيتارات حادة كانت جزءا من العرض، وهو ما دفعني واصدقائي، يوم كنا مأسورين حد الهوس بالنغم الغربي، إلى الذهاب الى موقع الصوت، لنجد مجموعة من الشبان يعرضون مقاطع تمثيلية اختلطت فيها النبرات الغاضبة بالحركات الراقصة، ومن أعلى قوس في الحصن كان هناك رجل ممتلىء الجسد يصدر تعليماته الى الممثلين.
مشهد لحصن الأخيضر وفي الأعلى الراحل جعفر علي

بعد اسبوعين تقريبا، قرأت في مجلة "ألف باء" تحقيقا عن عرض مسرحي في حصن الأخيضر، لأعرف تاليا ان مخرجه هو الفنان جعفر علي المولود ببغداد العام 1933 و المتحصل على بكالوريوس الأدب الإنجليزي من جامعتها العام 1956 ليلتحق بجامعة أيوا الأميركية ويحصل على ماجستير السينما والتلفزيون منها.




                                بوستر عرض "فيت – روك" 

ما جذبني شخصيا في ذلك العرض الفني "فيت - روك"، هو الاستخدام الذكي لموسيقى الروك في التعبير المناهض لحرب فيتنام، في رموز شعرية احتجاجية ليست تقليدية ولا تسقط، كما عادة العروض الفنية السياسية، في فخ المباشرة والسطحية، وهذا كان مدخل صلة ثقافية مع علي سيتعمق لاحقا (1975) عبر فيلمه "المنعطف" المأخوذ عن رواية "خمسة أصوات" لغائب طعمة فرمان، والذي أراه تعبيرا جماليا عميقا عن مأزق الحداثة الفكرية- الاجتماعية في العراق وبغداد بخاصة، وأعمال أخرى مرئية ومكتوبة، رسّخت أثرا قويا للرجل عندي، حد أنني أصبت بصدمة عميقة وانا أتلقى في العاصمة الأردنية خبر موته ببغداد، وبالكاد كتبت تقريرا خبريا عن رحيله يوم كنت محررا ثقافيا في صحيفة "الرأي"، فقد كان موتا تراجيديا يكثف أزمة الرجل المفكر والعميق روحيا وأزمة بلاده وهي تذهب إلى مصير موحش، أو تكاد.  


موت كصفعة للضمير
 ذلك الموت الذي يشكل حتى في سياقه الطبيعي (بعد وفاة زوجته وابنته) واحدا من ملامح الحياة العراقية الوحشية، وتحديدا تلك التي عنت للراحل خسارتين: النسغ الفكري الذي أخلص له وقد صار غروبا متصلا، وبلاده التي أحب وأوفى النذر، وقد وقعت بين مطرقة الديكتاتور وسندان العقوبات الدولية الأكثر قسوة في تاريخ العالم المعاصر: "في أيامه الأخيرة بدأ يفقد كل شئ ، فزوجته قتلها متهور في نفق الشرطة (منطقة ببغداد)، وابنته الدكتورة ماتت هي الأخرى، فحزن كثيراً وبدأ الضعف والمرض في جسده، وأتذكر الجلسة التكريمية الأخيرة له في "منتدى المسرح" حيث قال بأسى : "أعتقد إن هذه الجلسة جلسة توديع بيننا"، وقد صدق الرجل كل الصدق. وفي لحظاته الأخيرة كان يقف في طابور مع حفيدته ليتسلم دواء الأمراض المزمنة، فسقط أرضاً ومات ونقل جثمانه الى الطب العدلي، وحين استلام جنازته لم يجد اصدقاؤه صورة له كي تعلق أمام التابوت"!(1)
هذا الموت، ليس غريبا ان يكون في السياق الفجائعي- الاحتجاجي على وحشية الحياة وقسوتها الذي جاء عليه موت، بدر شاكر السياب وكان صاحب "غريب على الخليج" ذا تأثير خاص على صاحب فيلم "المنعطف": " معظم ما اقرأه من الشعر باللغة الانجلیزية، يسحرني بريشت وطريقته في توظیف الشعر مسرحیاً (مسرحیاته الشعرية)، لكني مغرم بالسیّاب خصوصا، واتمنى أن أقدم فیلماً عن حیاته".
وبالعودة إلى تلك الصلة الشخصية التي جمعتني بنتاج الراحل جعفر علي (هل أنسى جهده الجبار في ترجمة كتاب "فهم السينما" الذي وضعه لوي دي جانيتي، وصار لي ركنا ركينا في النظر إلى الشاشة وقراءة سحرها الضوئي؟)، جعلتني أحرص على متابعة نتاجه بتمهل، ومن ذلك النتاج، عرض "فيت - روك" وهو كنص مسرحي للمؤلفة الأميركية ميغان تيري، وليس (المؤلف) كما يورد فنانون وكتاب عراقيون، لا يعرض مجرد المشهد المأساوي للحرب ولا الغضب منها، بل انه يذهب الى الأصعب، نقد اللحظة الأميركية التي انتجت الحرب سياسيا وثقافيا، وصولا الى لحظة يتلاشى فيها الفرق بين العيش المتآخي والموت في الحرب كمصائر فردية لا معنى لها. انه نص يقدم محاولات فهم لجو شديد التعقيد، تحول عبر عرضه أول مرة في العام 1965 في نيويورك عبر تقنية التفاعل بين المؤدين والجمهور، ولبيان حقيقة المسرح بوصفه جزءا من الحياة، ووسيلة استعادة نبضها الانساني، وهو ما ظهر عبر عروض لنحو أسبوعين في مسرح جامعة ييل الأميركية العريقة، لتنتقل الى برودواي في أكثر من ستين عرضا، توقفت في آخر يوم من العام 1966.
وفي قراءة للجانب الثقافي-الاجتماعي لصاحب هذا العرض اللافت في دلالاته يقول المخرج ووالأكاديمي والممثل فاضل خليل، "ضمن تجربتين مهمتين لي خضتهما مع المخرج جعفر علي، كنت فيهما الداينمو-حسب جعفر علي- الذي ساعد على انضاج تلكما التجربتين، التجربتان هما: مسرحية "فيت روك" للكاتب الأميركي: ميكان تيري، (الصحيح انها الكاتبة ميغان تيري)، ترجمها وأخرجها جعفر علي، و(أين تقف)، من تأليف واخراج: جعفر علي. الأولى تحدثت عن الحرب الفيتنامية-الأمريكية (جون مكين، أحد مرشحي انتخابات الرئاسة الامريكية الأخيرة كان واحدا من ابطالها)، عنوان المسرحية مركب من مقطعين هما: (فيت) وتعني القسم الأول من (فيت نام) و(روك) وهي أيضاً القسم الأول من (روك آند رول)، والمعنى التركيبي للكلمتين، وحسب ما شرحهما لي جعفر علي تعطينا فكرة العمل المسرحي وكما يلي: ان "تلوي الأميركي، على أنغام موسيقى الـ (روك آند رول)، شبيه بتلوي الفيتنامي برصاص الاميركان"(2).
وبعد حديث خليل عن المسرحية الثانية "أين تقف"، كونها "جاءت كرد فعل ايجابي بعد تأميم نفط العراق في العام 1972 وانحياز الكاتب لفعل التأميم كقرار وطني في صالح العراق"، يلفت إلى إن الموقف الفكري الوطني لصحاب فيلم "الجابي" انطوى أيضا على خصب فكري وفني: "انطلقت في انحيازي إلى المبدع جعفر علي باعتباره، وطنياً مسكوناً بحب العراق، إضافة الى كونه مبدعا متعدد المواهب، موسوعياً، كاتباً، شاعراً، يجيد الترجمة، إضافة الى كونه المخرج السينمائي والمسرحي، والرسام والمؤلف الموسيقي، والعازف، والتدريسي، والاداري، والمصمم الذي صمم كافة مناظر المسرحيات التي قدمها واشرف بدقة على تنفيذها. بالاضافة الى صفاته الخاصة فهو يتمتع باللباقة، وهو المرح، الساخر، الذكي بلا حدود، المفكر، القائد، المنظم، المتواصل مع العالم، المتفتح، الشجاع، المتحايل على الظرف الصعب، المتباهي بالوطن-المسكون بالعراق، العراق الذي مات في حبه"(3).

الموسيقي وروح جيل الستينيات
لنتوقف هنا عند ما لفت إليه فاضل خليل في عرضه للغنى الذي كان عليه الراحل جعفر علي، ألا وهو كونه "الموسيقي والعازف"، فيقول: "لن يفوتني أن أذكر انه من المؤلفين الموسيقيين وعازف ماهر على آلة البيانو وآلات أخرى، ولعل الدليل الأهم في هذا ألحانه أغاني مسرحيتي "فيت-روك" و"أين تقف". 
وعن هذا الجانب "غير المعلن" كثيرا في ثنايا الشخصية الإبداعية للراحل، يقول الموسيقي العراقي المقيم في ألمانيا طه رهك: "في مطلع عام 1973 وفي مقر فرقة "مسرح اليوم" كنّا نتدرب على الحفل الأول للأغنية (السياسية) وكان للفنان الكبير الأستاذ جعفر علي مشاركة متميزة من خلال أغنية "هذوله احنه"، التي كتبها الشاعر زاهد محمد، وكذلك أغنية من شعر برلتولد بريشت، وكانت تصاحبنا فرقة شيراك (انظر هرانت كاتنجيان)، بقيادة  كنت مندهشاً من طريقته في التدريب ومن طريقته المتميزة في الألحان، هي مزيج من الأنغام الشعبية والأساليب المسرحية في الغناء، كان له حضور أخّاذ. عندما كان يدربنا على الغناء، كان يستخدم آلة صغيرة للدوزان لتبيان الطبقة الصوتية للاغنية أي بدون آلة موسيقية وكان يهتم بطريقة الأداء البعيدة عن التطريب ويهتم بتفاصيل النغم ومخارج الحروف"(4).
وحسنا يفعل فاضل خليل، حين يقرأ هذا التعدد والغنى في انجاز جعفر علي، بكونه جزءا من انفتاح ثقافي لا على الذات الثقافية الوطنية وحسب، بل في أشكال التقافة العالمية المعاصرة واتجاهاتها. ويرى " لقد ظهر جعفر علي في واحدة من أهم المراحل الثقافية التي مر بها العراق والمنطقة صعوبة، حيث كان الغزو الثقافي الجميل في قمة ألقه يقيم ظلاله الوارفة على العراق والمنطقة"، وتلك هي مرحلة ستينيات القرن العشرين الذي ألقت بظلالها الثقافية والاجتماعية "التقدمية" بقوة على العراق وثقافته "بجدارة، انه (جيل الستينيات) المشاكس الخطير، ولم يكن (جعفر علي) الا واحدا من أبرز رواد ذلك الجيل الستيني الذي ساقه غياب حبيبته (السينما) وشحة الإنتاج الفيلمي، لأن يدخل المسرح، ولم يدخله خانعا، ضعيفا كونه مجالاً آخر غير عالمه، بل يتضح أنه كان متسلحا لأن يكون واحدا من قاماته العالية، وبكل جدارة، وفهم، ودراية. دخله بقوة، فأسس له "فرقة مسرح اليوم"، التي وقفت بتحد أمام اهم الفرق المسرحية العاملة آنذاك من أمثال: "فرقة المسرح الفني الحديث"، و"الفرقة الشعبية"، و"فرقة 14 تموز"، وسواها من الفرق التي ساهمت في تأسيس وبناء الحركة المسرحية العراقية"(5).
هو صاحب رؤية حاذقة قائمة على مزاوجة لطالما بدت شبه مستحيلة: النضج الفكري ضمن نسغ فني أنيق وجميل. وهذه الرؤية فضلا عن عناصرها الذاتية الأصلية، تستمد تبصراتها من طاقة فكرية "في اخراج مسرحیة، أو فيلم سينمائي، تكون الكتب مثلھا مثل الغذاء، تمدنا بطاقة فكرية، وتساعد في عملیة الخلق الفني الذي يظھر أحیاناً تألیف قطعة موسیقیة أو التخطیط لفیلم سینمائي، أو ترجمة كتاب، أو إلقاء محاضرة على الطلبة، أو كتابة بحث فني، ھذا ھو دور الكتب في حیاتي، فھي غذاء يھضم، ولیست مجرد مراجع أعود إلیھا".(6)


تعدد الملامح غنى الأدوار
واذا كان فيلمه البارز عراقيا وعربيا "المنعطف"، قرأ على نحو بالغ المتعة والأصالة رواية "خمسة أصوات" لغائب طعمة فرمان، كونها تعددا لملامح مثقفين عراقيين حقيقيين كان كل منهم يمثل توجها فكريا واسلوبيا، فأنه عكس بذلك جانبا جوهريا في حياته الأكاديمية والفنية: "وجه مشدود مازالت آثار الماضي مؤثرة فیه، لكن بعد دقائق حین يدخل أحد الطلبة لیتحاور معه، يمر ھذا ترى وجھه المحايد وقد تعرض إلى عملیة تحول سريعة، سوف نرى وجه فنان ھادئ يركز في الكلمات التي ينطق بھا. وأحیاناً لا يريد أن يرھق نفسه في حوار بلا جدوى، فھناك جعفر علي الكاتب والمخرج المسرحي، وھناك جعفر علي الأستاذ الأكاديمي، وھناك جعفر علي عاشق السینما، وھناك جعفر علي الذي يريد أن يكتب سیرة سینمائیة للمجتمع العراقي، وھناك أيضاً جعفر علي الأديب الذي جرّب كتابة القصة والشعر، وھناك جعفر علي الذي عشق العمل الصحفي، وھناك جعفر علي الذي ساھم في صناعة التلفزيون في العراق، وھناك جعفر علي الموسیقي الذي أصَّر ذات يوم أن يؤلف المقطوعات الموسیقیة الخاصة بمسرحیة "فیت روك" ويعزفھا بنفسه، أما الوجه الأھم فھو وجه الأب الحاني لتلامذته والعاملین معه، لم أَر مثله ينطوي على ھذا القدر من الطیبة والتسامح والرعاية، لذلك لم تجد أستاذا كبیرا قبل جعفر علي ولا بعده، فناناً له كل ھذا الحب في نفوس طلبته وزملائه. كل ھذه الوجوه لصاحب "المنعطف" و"الجابي" تكاد تكون إلى حد ما، لمثقف عراقي، وطني لم نكتب تاريخه الحقیقي بما فیه الكفاية"(7).

جعفر علي (يسار) يدير مشهدا في فيلم "المنعطف" ويظهر فيه الراحل يوسف العاني  

وفي تاريخه الحقيقي الذي لم يكتب بعد، ثمة تأكيدات لما ذهب إليه كاتب السطور على ذلك النسيج الفريد والمنسجم من العمق والمتعة في عمله، فـ"ھو خلال اكثر من أربعین عاماً بعد تخرجه من جامعة بغداد 1956 وحتّى لحظة رحیل ، كان لايطلب من الدنیا سوى أن يعمل في السینما، هو القائل فأنا من دون السینما أنسان میت، لقد ظل مھموماً، في قاعة الدرس، في كتابة سیناريو فیلم جديد، في العمل كمخرج منفذ مع أحد زملائه، في ترجمة كتاب سینمائي جديد، في البیت، في الكلیة ، في البلاتوه ، وراء جھاز المونتاج، إنه فنان 24 ساعة في الیوم، تحس أنه فنان منذ لحظته الأولى في الحیاة، إن جعفر علي يضع لنفسه مقايیس عمل أخلاقیة صارمة. في الدنیا التي صنعھا جعفر علي لنفسه كان الالتزام والرؤية الواضحة، أحد المضامین التي تستمر بھا الحیاة .أنظر إلیه وھو يلقي محاضرته على الطلبة، فنان ينحت أدق تفاصیل الفیلم السینمائي، يبھر الطلبة بأسلوبه الدقیق والبسیط والعمیق في الوقت نفسه"(8).

حداثة عراقية؟
واذا كانت السينما الإيطالية ما بعد الحرب العالمية الثانية ولنحو عقد أو اثنين، وضمن ما بات يعرف بـ"الواقعية الجديدة"، قد أنتجت علامات فلمية تميزت بالغنى والمثمر من الأفكار والجماليات، فإنها صارت مثار اعجاب عند مخرجين وصناع سينما كانوا يحاولون قراءة مجتمعاتهم وفق ذلك الأسلوب، ولكن بملامح شديدة الخصوصية في نزوع نحو تأصيل الحداثة وجعلها عراقية محلية الملامح والجوهر ثقافيا واجتماعيا، فكانت تجربة المخرج الرائد كاميران حسني في فيلم "سعيد أفندي" 1957، وبعدها بنحو عقد جاء "الجابي" والذي كتب قصته والسيناريو والحوار فضلا عن الإخراج، جعفر علي، وهو وهو عرض واقعي عن حياة الناس وهمومهم اليومية داخل حافلة نقل الركاب (طول الفيلم)، الذي يثبت إن مخرجه "يؤرقه الواقع وتناقضاته، لم يفارقه حلم التغییر، وكان انشغاله بتغییر الواقع أكبر من ولعه بالسینما في ذاتھا، بمعنى أن السینما عنده، أداة إدراك معرفي للواقع وتناقضاته الأساسیة أكثر منھا أداة إدراك جمالي له، بمعنى آخر، أن السینما ھي أداته في فھم العالم، الحیاة، الانسان، وھي عنده تحل محل السیاسة أو ھي أداته السیاسیة، ھي حزبه السیاسي الخاص ، وھو قادر عند مناقشته لتلك القضايا على أن يقوم بتجريدھا من تفاصیل الحیاة الیومیة وتخلیصھا من المبتذل والعارض والاستثنائي والوصول إلى أطرافھا الأساسیة وجوانبھا الأكثر ھیمنة، وھو في ذلك كله، إنما يريد أن تجادل فكرته ورؤيته الخاصة تجاه الواقع مع المجتمع كله"(9).

جعفر علي بين تلاميذه في رحلة لتصوير مدينة القنيطرة السورية 1973 التي دمرها الاحتلال الاسرائيلي (الصورة من ارشيف الموسيقى هرانت كاتنجيان)

ينطلق جعفر علي في فهم السينما وتطبيقا لذلك الفيلم "من اعتبار، إن الكاميرا صورة مجازية للعين، والعين صورة مجازية لرؤية الفنان الكونية والشعرية، هذا الفهم المتقدم للعمل والحياة، جعله يتعامل مع السينما في كونها اللغة الأكثر شجاعة وايصالا لأفكاره في ايصال الحقيقة، وفي مقارعة ما يستجد عنده من خصوم، هكذا راق لي ان تكون البداية في الكتابة عن جعفر علي، أي من مكانة السينما التي أحبها كثيرا، وناضل من أجل أن تكون مؤثرة في العراق، ولو بالإمكانات المتواضعة غير المشجعة، فصنع وبالإمكانات البسيطة أول فيلم انتجته الدولة عبر "مصلحة السينما والمسرح" وهو فيلم "الجابي"، وأسس للسينما والتلفزيون "قسم السمعية والمرئية" في أكاديمية الفنون الجميلة العام 1973 "، ليكون أول قسم علمي يتولى تدريس السينما ونقل معارفها وتقنياتها إلى شباب بلاده: "كان يتابع الجديد من خلال وسائل الإعلام والنشريات والدوريات بمختلف لغاتها، فكان يتميز بإتقانه لأكثر من لغة، على رأسها اللغة الانجليزية بجدارة، قراءة وكتابة- كنا نتحلق حوله بكل صدق لمعرفتنا بما يملكه لنا من جديد كطلبة من ذوي التطلعات في ما يجري من جديد في العالم، وكان هو السباق في تقديم الجديد من المضامين الانسانية والاشكال، في الفن العراقي"(10).

مصادر:
(1) حديث عن أيامه الأخيرة :حيدر الحيدر، موقع "الحوار المتمدن"، 1 حزيران/يونيو 2013 
(2) في ذكرى رحيله، جعفر علي، عراب السينما العراقية: فاضل خليل، "الحوار المتمدن"، 27 حزيران 2009 
(3) و(5): في ذكرى رحيله، جعفر علي، عراب السينما العراقية: فاضل خليل، "الحوار المتمدن"، 27 حزيران 2009 
(4): الموسيقي طه رهك، مراسلة شخصية معه عبر "الفيسبوك".
(6): وجوه جعفر علي، علي حسین، صحيفة "المدى"، العدد 3980 27 تموز/يوليو 2017

(7) و(8): وجوه جعفر علي، علي حسین، صحيفة "المدى"، العدد 3980 27 تموز/يوليو 2017.
(9): وجوه جعفر علي، علي حسین، صحيفة "المدى"، العدد 3980 27 تموز/يوليو 2017.
(10): في ذكرى رحيله، جعفر علي، عراب السينما العراقية: فاضل خليل، "الحوار المتمدن"، 27 حزيران 2009 .




 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM