مقالات  



إيما نيكلسون... الثمن البخس لبارونة

تاريخ النشر       10/03/2017 06:00 AM


علي عبد الأمير
 كنت كلما التقيت البارونة ايما نيكلسون في مؤتمر او ملتقى للمعارضة العراقية خلال الاعوام 1998 ـ 2002 أقول أي مثال للحرية هذه السيدة؟ فهي بامكانها ان تكون نجمة المجتمعات الارستقراطية في بريطانيا وأوربا والعالم بأكمله، لكنها تصر على ان تجد في "تطلع العراقيين الى الحرية والنضال ضد الديكتاتورية"، قضية تنسجم مع افكارها وشخصيتها، بل إنها، في حديثها المتأسي عن اهل الجنوب والاهوار بخاصة، تبدو كأنها احنّ من (تسواهن) على اهلها.

اليوم* تقدم لنا عضوة التحاد الأوربي، البارونة ايما نيكلسون، مثالا على الثمن البخس لبارونة، فهي لم تعد سوى مجرد سمسار لشركات النفط البريطانية، بين قادة حزب الدعوة الحاكم ممن كانت بريطانيا ساحتهم (النضالية) ضد ديكتاتورية صدام، بل هي تقدم خدمات الدعاية والترويج لاولئك القادة في (10 داوننغ ستريت) وغيره من مكاتب السلطات البريطانية فضلا عن مراكز قرار أوربية وغربية لا تبدو غريبة عن كارتلات النفط الكبرى في العالم.

بارونة العمائم الحاكمة 

كنت الى حين قريب بعد اسقاط نظام صدام، لم ازل اصدق بعض الروايات التي عرفتها عن عمل المعارضة العراقية وبعض العاملين في اوساطها، ومنهم السيدة البارونة نيكلسون، حتى وصلت الى خبر بث في 24/ 1/ 2008، وفيه "سلّم يوم أمس سفير العراق لدى بلجيكا السيد محمد جواد الدوركي رسالة خطية من رئيس الوزراء السيد نوري المالكي الى البارونة ايما نيكلسون نائبة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوربي، تم بموجبها تعيينها كمستشارة فخرية لرئيس الوزراء للشؤون الصحية". هنا بدأ الشك يلعب لعبته. ولكنني عدت وتساءلت مع نفسي: لم لا، قد تكون حجة السفير مقنعة، فهو يوضح للبارونة أن "هذا التعيين يأتي نتيجة للجهود التي قدمتها البارونة طيلة السنوات الماضية للشعب العراقي ووقوفها الى جانبه في الظروف الصعبة".

ولكن، أن تُعيَّن البارونة مستشارة صحية، فيما كان افضل اطباء العراق وفي الوقت ذاته يقتلون او يهجرون، وحتى يغادرون البلاد، هو امر محير ويبعث على الريبة، الريبة التي ضاعفها الدوركي ذاته حين اوضح للبارونة (المناضلة) أن "العراق لا ينسى أصدقاءه"، اذ ذهبت ضحكتي مجلجلة الى اخر مدى، فعراق الدوركي الذي لا ينسى اصدقاءه، كان قد نسي ليس اصدقاءه حسب، بل كل شريف ونبيل ضحى من اجله، اللهم الا اذا كان الدوركي وسيده المالكي لهما مقياسهما الخاص والفريد بالعراق، وبالتالي بمن هم اصدقاؤه.

يقال إن المستشارة الفخرية لرئيس الوزراء للشؤون الصحية تقبض راتبا ممتازا من هيئة مستشاري المالكي، مثلما يقال ايضا إنها، عن نشاطها (النضالي) في المعارضة العراقية، كانت تنعم برضا إيراني وحفاوة بارزة، فهي زارت طهران في آب 1991، وبتنسيق مع أجهزتها، زارت مخيمات اللاجئين العراقيين، وسهلوا الدخول الى مناطق الاهوار والتعرف على "حقائق استخدام النظام الديكتاتوري اسلحة دمار شامل ضد شعبه في الجنوب".

البارونة ايما (تسواهن) نيكلسون، التي كانت تذوب في حب اهوار العراق، تترأس اليوم "مجلس الأعمال العراقي البريطاني"، وهو عبارة عن لوبي تستثمر فيه علاقتها مع قادة المعارضة العراقية يوم كانوا ينطلقون نحو حرية بلادهم من لندن وطهران والكويت، وتستثمر الدعم الايراني الشخصي لها لدى الشركات البريطانية في اعمار العراق وجنوبه بخاصة. أليست هي (تسواهن)، الحريصة على حب الاهوار والتي سكبت الدموع من اجل عذابات الإنسان فيها؟

اليوم، لا يشغل البارونة شيء في العراق الا الترويج لقادته وانجازاتهم في الاعمار والامن والاستقرار لدى كبريات الشركات النفطية. اليوم، لا علاقة للبارونة، المسكونة بحرية العراق، بالعذابات التي يتعرض لها الإنسان العراقي، ولا بالانتهاكات التي تتعرض لها حقوق البشر الاساسية فيه.
مثلما يصح القول: "كم من الجرائم ترتكب باسم الحرية"، يصح ايضاً: "بارونة، ولكنها بثمن بخس"، مثلما هي ايما نيكلسون.


*نشرت المقالة في صحيفة "العالم" البغدادية 2013





 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM