في تحية شراع بعيد

تاريخ النشر       13/03/2017 06:00 AM


علي عبد الأمير

في العام 1966 هكذا كان يبدو لي المبنى من بعيد: شراع سفينة عملاقة، وانا بالكاد ألحق خطوات أخي التي تأخذني إلى " دار سينما غرناطة". كيف لي ان أنسى هنا رقته وقد عرّفني الى أجواء عروض تلك الدار؟ كيف لي ان انسى فيلم "غرباء حين نلتقي" او "غرباء عند اللقاء" كما في ترجمة الفيلم اثناء عرضه حين أخذني اليه؟ وكيف أشار لي الى ملمح في الفيلم كان عليّ لاحقا ان اعتبره أول درس لي في تذوق الصورة ودلالات البناء الدرامي، حين ربط بين قصة الحب المتنامية بين كيرك دوغلاس وكيم نوفاك في الفيلم، والبيت الذي كان يبنى طوال فترة العلاقة بينهما، في اشارة ذكية منه الى ان الحب في عمقه الوجداني والإنساني هو بناء حقيقي وكيان يتحول الى حيز ملموس ومؤثر.

جانب من منطقة الباب الشرقي ببغداد 1966 وفي العمق يظهر مبنى سينما غرناطة الشهير

وكيف لي ان أنسى درسه التربوي حين أخذني العام 1968 الى الفيلم الذي أحدث ضجة في العالم "الى أستاذي مع التحية"، فمع سحر الممثل سدني بواتييه، (الاستاذ) الذي قرر التصدي لتحسين سلوك طلبة مشاغبين بالتوازي مع اغناء قيم المعرفة والإيثار والصداقة وحب الآخر، ومع غناء لولو الذي صارت واحدة من المغنيات البريطانيات الشهيرات، أمكنني ان اخرج من صالة السينما مكتظا بمشاعر أصيلة عن قدرة السلوك التربوي على تغيير البشر وافكارهم نحو اتجاه ايجابي يركز قيم الخير والسلام والتعاون.

وفيما كنت قد تحصلت على قدرة شخصية في مواصلة المعرفة والثقافة، بعد أن رسّخ فيّ، أخي قاسم عبد الأمير عجام، أسسا قوية وثابتة، ظلت "سينما غرناطة" محطة لخطاي منفردة تارة، ومصحوبة بأصدقاء وصديقات تارة أخرى، وفيها شاهدت أفلاما فرنسية بارزة، لا سيما مع موجة افلام السينما الفرنسية التي غزت بغداد في سبعينيات القرن الماضي، كما في فيلمي " الموت حبا" و" الاغتيال" والأخير كان معالجة سينمائية مؤثرة عن اغتيال السياسي المغربي المهدي بن بركة في باريس العام 1965

اليوم اكتشفت هذه الصورة لبغداد في العام 1966، وهي تحديدا لمنطقة الباب الشرقي، فعن يمين الصورة تكون "حديقة الأمة" وفي عمقها العميق، يعلو  مبنى " سينما غرناطة" كأنه مثلما رأيته أول مرة وفي زمان الصورة تماما، شراع سفنية عملاقة، أكتب أليه الآن تلويحة شراع يبتعد.




 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM