أسعد محمد علي: رهافة الموسيقى وخبرات الأديب

تاريخ النشر       04/09/2017 06:00 AM


علي عبد الأمير

يبدو الحديث عن الراحل أسعد محمد علي، حديثاً منتمياً بكامله لايقاع الألم، فهو رحل دون أن يتم رحلته التي انتظرها طويلاً في المانيا، اذ كان يأملها ممراً لمشاريع ثقافية لاسيما وانه حصل على "تأشيرة" تعتبر شبه مستحيلة لعراقي (1). وموته بعيداً عن وطنه أعاد التذكير بمحنة العراقي في بحثه اليائس عن مكان تحترم فيه إنسانيته، كما إن رحيله كشف خسارة لا تعوض، فهو لم يكتف في أن يكون موسيقياً ماهراً لجهة الخبرات الحرفية كعازف بارع على الفيولا وأستاذا لها، وإنما انفتح على فضاء الموسيقى بوصفه فضاء معرفياً وثقافياً، مثلما لم يكن مثقفاً عادياً نمطياً يفهم الثقافة في النتاج المكتوب وحسب، ناهيك عن شفافيته ووفائه وتواضعه الجم وحرصه على إدامة العلاقة بأجيال الثقافة العراقية المتتابعة.

 عنى الراحل محمد علي بموضوعة (الأدب والموسيقى) لا في كتابه الشهير الذي حمل العنوان ذاته وطبع في جزأين وحسب، بل وحتى في تمثله النقدي للعروض والنتاجات والظواهر الموسيقية، كما امتدت موضوعته الى عملية الروائيين "الضفة الثالثة" و"الصوت والدوي"، مثلما راح يقرأ النتاج الادبي وفق قراءات نقدية تستقي منهجها من بناء الأشكال الموسيقية وإضاءة المنظورات المشتركة بين ما هو أدبي وما هو موسيقي.

 في أواسط ثمانينات القرن الماضي كنت أتابع ما يكتب الراحل محمد علي بشغف في صحيفة "الجمهورية"، حتى كانت فرصة اللقاء به في مبنى عتيق اتخذته الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية مقراً في منطقة (القصر الأبيض) وسط بغداد، حين كان مديراً للفرقة التي تعتبر من أعرق مثيلاتها في المنطقة وكان تأسيسهاعام 1948 علامة موسيقية وثقافية رفيعة، ولطالما أصبحت مثار تندر الأميين من وزراء الثقافة والأعلام العراقيين، والذين كانوا يرون فيها (وجاهة غربية) فائضة عن حاجة الأمة العربية يوم كان الحكم "قوميا" عرفيا، وحيث لا مديح للقائد في نتاجها ولا ثناء على عبقريته في زمن الديكتاتور.

سألت الراحل: أيعقل أن يكون هذا المبنى الرطب والمعتم الأرجاء والمهدم العتبات والمجاور لـ(الأمن العامة) مقراً لعلامة رفيعة في الثقافة العراقية؟ وكعادته في التهرب بلباقة من أسئلة لا أجوبة لها، مثل سؤالي، راح يحدثني عن المعنى الذي تختصره يد المايسترو وهي تحمل (عصا القيادة) المتناهية الدقة وحركتها التي تفصل ما بين النغم الرفيع والسكون التام.

 تلك الحكاية أوجزها (بوستر) لأحدى حفلات (الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية) منتصف سبعينات القرن الماضي، يوم عادت لنشاطها بعد تدخل جمهرة عازفيها لدى الراحل الشاعر والرسام والوزير، شفيق الكمالي، الذي سمح لهم باعادة الحياة للفرقة التي كانت ستعزف حين زرت محمد علي في مقرها عملاً رشيقاً لموتسارت هو (أغنيات ليل صيفية) وراح الرجل يحاورني في مقال كتبته عن موتسارت عبر صورته المثيرة للجدل والتي اظهرها فيلم (أماديوس) للمخرج ميلوش فورمان، مثنياً على قراءتي التي أظهرت الجانب الإجتماعي لعصر موتسارت من خلال موسيقاه.

وعبر غير حفل للفرقة السيمفونية الوطنية كان فيها محمد علي عازفاً لآلته الاثيرة (الفيولا)، حاوته عن معنى ألمعية العازف، وكيفية تمييز براعته وهو يعزف عملاً سبقه إليه عازفون كثر، فأكد ان نصف البراعة يأتي من فهم العمل ومحبة العازف له فيما تتكفل الموهبة بالنصف الآخر.

 وفي حين أسعدني تقديمه لكتابي (فصول في الموسيقى المعاصرة)، لكنه لم يجاملني حين أبدى شكوكه من مدى إصالة النماذج التي عنيت بها وتتصل بما يعرف الآن بـ(موسيقى العصر الحديث) أو New Age Music، معتبراً ان هذا الشكل الموسيقي يعتمد على إبهار التقنيات أكثر من اعتماده على اللمسة الانسانية، ولكن دون ان يبخسني حق الاجتهاد في عرض شكل موسيقي بدا وكأنه استجابة لمفاهيم عصره·

 ولأنه لم يكن موسيقياً منعزلاً عن الحياة، فقد تحسس موجة الرداءة في بواكيرها واندفع الى تأسيس ثوابت في التربية الموسيقية تحمي الأجيال الجديدة من فخاخ التسطيح الذوقي الغنائي وإن جاءت تحت تسمية الحداثة، فكان كتابه لافتاً وإن جاء بحجم صغير (صدر عن سلسلة "الموسوعة الصغيرة" في بغداد) والذي تناول أسس التربية الموسيقية عارضاً لملمح محلي علمي تأثر فيه بأسس ما كان قد خبره في هنغاريا اثناء اقامته ودراسته فيها·

 إضافة الى عمله وإدارته "الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية" فلأسعد محمد علي فضيلة تكريس شكل من أشكال الموسيقى الرفيعة "موسيقى الصالة"، عبر تأسيس "فرقة سومر لموسيقى الصالة" التي ظلت ملازمة لوجوده ونقلها معه الى عمّان، وكانت حاضرة في المواسم الثقافة المتعاقبة لـ"دارة الفنون" التابعة لمؤسسة عبد الحميد شومان، وتحديدا في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، جاعلاً منها ورشة عمل لموسيقيين عراقيين من داخل الوطن وخارجه، وكان ينتظم في عروضها العازفون أصحاب الخبرة مثلما ينتظم العازفون الشباب·

 الموسيقى كالشعر والرواية: رفاق الانسان في عزلته

اسمه دليل لمثابرة مميزة فهو روائي ناقد وموسيقي رصين، عازف أول على آلة "الفيولا" وادار لفترة، الفرقة السيمفونية العراقية، كتب في الرواية "الضفة الثالثة –1982" "الصوت والدوي 1991" وفي البحث والدراسة له "في أصول الموسيقى الفولكلورية –1977" و "بين الأدب والموسيقى –1948

 التقيته خلال زيارة لعمّان(2) قامت بها "فرقة سومر لموسيقى الصالة" (تابع إثنين من متابعاتي النقدية لعروض الفرقة آخر هذه الكتابة الإستعادية) الذي كان من مؤسسيها في شباط 1968 ببغداد -وشارك مع الفرقة في كونسرت ناجح للفرقة بضيافة من دارة الفنون التابعة لمؤسسة شومان. عزف على (الفيولا) في دارة الفنون الى جانب إحسان أدهم عازف الفلوت.

عن جوانب الإتصال بين الأدب والموسيقى، وما تعيشه اليوم الموسيقى من أوقات سبات شأنها شأن فعاليات تهتم بالذهني والروحي كان هذا الحوار·

 *بين الموسيقى وممارساتها وبين أشكال من الكتابة الأدبية تتشكل سيرة أسعد محمد علي الفنية أين انت بينهما كمعنى؟

- المعنى يشتكل وما يلبث أن يجاوز حدوده، فلأني لا أجد استقرارا في الموسيقى وحدها أو على الادب لوحده، فان من الصعوبة تجسيد معنى محدد أو تجسيد "منظور" واحد بالنسبة إلى فعل الابداع عندي. لقد استطعت أن أحقق ممارسة متواضعة لكنها الأولى في منطقتنا. مارست نوعاً من دراسة جمالية مقارنة "بين الأدب والموسيقى" وأجدني بين الأثنين دراسة وممارسة حتى في روايتي الأولى "الضفة الثالثة" كان للموسيقى حضور فاعل وزخرفي معاً، حضور كان بديلاً لمنظوري للعلاقة بين الرجل والمرأة فيما لم أبلغه في هذه العلاقة كنت أجده في الموسيقى، علاقتي مع الموسيقى بدأت في منتصف الخمسينات وحين أردت ممارسة كتابة القصة بشكل منظم نهاية الستينات، وجدتني أعتمد على الشكل الموسيقي في بلوغ شكل قصصي: فالبداية لعرض الموضوع، والوسط يحوي الحبكة حيث تطور الأبعاد والنهاية تكون مستوفية لتحقيق أثر نفسي، ذلك هو "المنظور" العام للشكل الفني في الموسيقى والقصة والرواية·

 اللغة لوحدها لا تستطيع أن تقيم معرفة

 *نقرأ في حياة كتاب كبار وأصحاب معارف ومناهج، ما الذي تركته الموسيقى من تأثير في حياتهم وفكرهم، فيما نحن على علم بالفقر الذي يتعرض له هذا الجانب عند المثقف العربي، ما مدى اضمحلال الموسيقى في تركيبة المثقف العربي ومرجعيته؟

- من خلال معرفتي وجدت المثقف المبدع: الكاتب والمؤلف الموسيقي والرسام لا يستغني عن فن ولا يكتفي بفن دون آخر. نعم التخصص لابد منه ولكن (جان جاك روسو) كان مفكراً وأديباً ومارس البحث الموسيقي وألّف في الموسيقى، المفكر الألماني المعروف (نيتشه) كتب الموسيقى، وكان المفكر (كانط) ملماً بالموسيقى كذلك كان (شونبهاور) والمؤلفون الموسيقيون مارسوا الأدب: (بوليوز) المؤلف الموسيقي الرومانتيكي كان ناقداً وأديباً، (شومان) كتب في الأدب وله كتاب في أدب الموسيقى، وفي عصرنا كان الروائي الالماني (هرمان هيسه) موسيقياً (عازف كمان)، وهو الذي بنى روايته "لعبة الكريات الزجاجية" على شكل موسيقى هو (الكانون) أو التتابع·

ومن الكتاب العربي كان الراحل (جبرا ابراهيم جبرا) ذا ثقافة موسقية مذهلة، كذلك القاص العراقي الراحل (غانم الدباغ)، الأديب المفكر (مطاع صفدي) اهتم بالموسيقى في مطلع حياته الأدبية، كذلك الباحث والأديب المتعدد المواهب (علي الشوك) كذلك انت ايضاً -يا أخي علي- تمارس الشعر وتكتب مقالات في نقد الموسيقى وتذوقها، رغم كل هذه العناصر الإيجابية إلا إن الموسيقى والفنون الأخرى لم تدخل بعد في تركيبة المثقف العربي، أقصد المثقف المبدع، فهناك مثقف متلق حسب، والموضوع ياخذ أبعاداً اشمل فانتباهة العرب إلى ما يجب ممارسته في مجالات الفنون والآداب جاءت متأخرة ومازالت هذه الانتباهة تفتقر إلى البرمجة، فممارسة الموسيقى والفنون ممارسة فردية من قب الإنسان الذي يعي حاجته النفسية إلى الفنون، هذه الممارسة سيكون أثرها ايجابياً فاعلاً اذا استطعنا منح الحرية وإيجاد السبل لممارسة المستويات الأعلى من الفنون·

نحن ما زلنا ننظر إلى الثقافة مجزأة غير متكاملة ولم نمتلك بعد إمكانات جعل الثقافة كلاً واحداً دونما تجزئة، الثقافة تكاملية الأبعاد، ولا يمكن الفصل بين الأدب والموسيقى والرسم، نعم الرياضة والأغنية جزء من الثقافة الشعبية لكننا تعاملنا معها بشكل مجد فيما لم نستطع التعامل بذات الشكل مع جوانب الثقافة فأصاب الكسل امكانات التلقي الثقافية عند الفرد وعند المجموع، من اضطراب وعي كهذا ومن ذائقة تبدو متخلفة يطلع أدباء وكتاب ومثقفون للاسف أغلبهم يرون ان اللغة لوحدها تستطيع ان تقيم معرفة وثقافة دون الاهتمام بجوانب مهمة اخرى الى جانب الكتابة·

 الموسيقى كالرواية نتاج مدينة

*تنحدر الموسيقى في الوطن العربي، صوب الأشكال السائدة في الأغنية، ما الذي تراه في هذا كمؤشر؟ ثم ما قيمة الموسيقى في الحياة العربية حتى في حدود الفهم الأولية لها؟

-المسألة صعبة على العموم، لأن تذوق الموسيقى صعب، أقر بهذا، لكنني أصر على ان أجهزة الثقافة لابد أن تسعى إلى برمجة نشاطها الفني والأدبي بشكل آخر لايعتمد الفردية في الإنجاز والأداء، انما جماعية التبني لهذا الموضوع هو السبيل الى نقل مستوى الذائقة الجمالية عن الفرد والمجتمع من مرحلة الى أخرى، هنا أعود إلى الصعوبة: لان الموسيقى ظاهرة فلسفية كما قال (كانط) والفلسفة عسيرة التناول من قبل المجتمع لكن كما كانت ثمة مناهج لدراسة الفلسفة، فلا بد ان تكون هناك مناهج لدراسة الموسيقى والرسم نحن لحد الان لم نستطع تطوير درس الانشاد في مدارسنا، ترى كيف بموضوع يمت الى الفلسفة بصلة؟

نأتي إلى الغناء فهو أول سلم في الموسيقى والغناء ارتبط منذ القدم بالشعر، لانه فن افصاح كما الشعر، أما الموسيقى الصرفة فهي فن التضمين والايحاء والاضمار، والموسيقى كالرواية نتاج مدينة، اما الشعر والغناء فهما نتاج أولي لنشوء الحضارة والأغنية عند العرب لم تجد مسارها الصحيح لأسباب كثيرة أهمها العلاقات الاجتماعية والمؤثرات التاريخية، حيث ان الغناء العربي منذ الجاهلية وإلى الآن كان مادة لهو، لهذا تركت الأغنية في شعور الفرد العربي ولا شعوره، اثراً سلبياً لم يسعفه في موقفه العام ازاء الفن·

 الموسيقى سند الإنسان المتعب

*بين ادارتك للفرقة السمفونية العراقية، وروايتك الصغيرة "الصوت والدوي" تتحدث عن الموسيقى الوحيد مع ذاته الذي ينهض ليواجه علامات الموت والخراب المنتشرة حوله، في مجتمعات قسوة كهذه، يتبرعم الموت فيها! هل يتبقى دور للموسيقى فيها كمعنى وحس رفيع؟

-لا أدري كيف أجيبك هنا، لابد ان أكون واعظاً او متفائلاً، لكنني لا أستطيع التخلي عن شيء جميل اسمه الموسيقى. هناك أناس يقرأون في اليوم ساعة أو ساعتين والمثقف الحقيقي هو الذي يتناول كتاباً إذا انهى قراءة الكتاب الذي بين يديه. أنا أضيف إلى القراءة الاصغاء إلى الموسيقى، والمثقف عندي هو الذي يقدر على الجمع بين الفنون كافة، لانها واحدة في الأصل: الشعر إيقاع والموسيقى ايقاع والصوت يجمع بينهما، الرسم شكل وهارموني والموسيقى كذلك، الرواية تكوين فني والسمفونية تكوين فني، لا فرق بين هذا الفن وذاك، الفرق يظهر عند من لا يستطيع ادراك ما هية الفنون الموسيقى تعمل على اسناد الانسان من الداخل، الخارج يضغط على الإنسان فيما الفنون، لاسيما الموسيقى، تخفف ذلك الضغط وتحقق للانسان توازنه، ذلك التوازن الذي حققه الإغريق القدامى عبر مفهوم التطهير في الدراما·

الموسيقى كالشعر، وكالرواية: رفاق الإنسان في عزلته التي يفرضها تصاعد ايقاع الحياة المعاصرة.

نبع المهارات والأفق الثقافي الواسع

وفي عمّان تلقى عازفون شبان ومحبون للموسيقى في "المعهد الوطني للموسيقى" و "مركز فريدي للموسيقى" دروساً من نبع أسعد محمد علي، في المهارات وفي تذوق النغم الرفيع وفي محبة الأدب وعلاماته المبدعة، وكان ليس غريباً أن يموت وهو يعطي درساً لأحد طلابه في عمّان بعد أن داهمته نوبة ربو حادة.

وفي عمّان أرسى الراحل دعائم اتصال قوية مع المشهد الثقافي الأردني، فكان اسماً رصيناً لم يقارب "الإدعاء الأجوف" بتفوق المشهد الثقافي العراقي على الأردني كما فعل غيره، ولكن مع حرصه على تثبيت ملامح ناضجة لآداب العراق وفنونه، فكان ذلك مبعث احترام المثقفين الأردنيين له وتقديرهم.

وفي حين كان جثمان الراحل يسجى في ثنايا تراب وطنه الذي أحب، لم يتذكره أحد غير الناقد الموسيقي عادل الهاشمي في عموده الإسبوعي في "الجمهورية" والذي كان جريئاً في الإشادة بمآثر الراحل وفي نقده "الإحتفالية" التي أقامتها "دائرة الفنون الموسيقية" فكتب: "لم يكن الحضور على المستوى الذي كنا نتمنى لمبدع مثل أسعد محمد علي، فإن مثل هذه الظاهرة غير المفهومة نكسة مؤلمة من إنعدام الإعلان عنها ومن غياب التخطيط لها"·

 مخطوطاته لا ينتظرها سوى المجهول

 في اليوم التالي لرحيله، كان خبري عن غيابه القاسي والمؤلم ينشر في صحيفة "الحياة"، وإنطلاقا من تجليات الحدث، يكتب الناقد والأديب السوري نبيل سليمان متسائلا: كيف يموت كاتب عراقي في المنفى حتى لو كان هذا المنفى عاصمة عربية؟ وكيف يترك وراءه مخطاطات ينتظرها المجهول؟

هكذا رحل أسعد محمد علي الروائي والموسيقي العراقي.

في لحظة تائهة من نهار الجمعة 1/12/2000 عاجلتني "الحياة" بخبر رحيل الكاتب العراقي أسعد محمد علي في عمّان، وعن ستين عاماً تطوّح فيها بين العراق والمنفى، وها أنا أكذب الموت ملوحاً برسالته التي قرأتها صباحاً، وها هو يبشرني بحصوله على إقامة سنوية، وتأهبه للسفر الى ألمانيا لإلقاء محاضرتين: الأولى حول الموسيقى في أدب هرمان هيسه، والثانية عن الموسيقى العربية.

من موت هذا الموسيقي والروائي والناقد ألجأ الى الرسالة التي لا بد من أنه كتبها قبل يومين أو ثلاثة، فتهمس سطوره: "أنجزتُ كتاباً عن هرمان هيسه "ثنائية الأدب والموسيقى - هرمان هيسه مثالاً" وعندي ديسك منجز لكتابي "الرحيل نحو الحلم" وهو بحث في جوهر الموسيقى عبر لغة واضحة لا تخلو من إيقاع روائي".

ويواصل سليمان (3) الكشف عن رسالة محمد علي وما تضمنته من آمال: "لا أريد استباق الأمور، ولأنك تعرف الحال، فأنا بانتظار أن تقدم لي ما تشاء، كأن ألقي محاضرة في دمشق في موضوع نادر من نوعه: "صيغ موسيقية في ألف ليلة وليلة مع نماذج صوتية" أو موضوع: "الرواية والموسيقى" أتناول فيه الدراما كونها جذر الإبداع الأدبي والموسيقي، والرواية المتأثرة بالموسيقى في الغرب، والرواية التي أفادت من صيغ الموسيقى في الوطن العربي. الى جانب ذلك أنجزت مسودة كتاب جديد "بين الأدب والموسيقى" في جزأين ومقدمة بقلم (الناقد) عبدالواحد لؤلؤة، أبعث اليك بخلاصة عن الكتاب أو فهرس موسع، ولي مسودة رواية أو نص نثري في ثلاثة أقسام عنوانه "يوميات مدينة". في القسم الأول وعنوانه "النهر" تعود الشخصية الى الماضي: الطفولة والشباب، والنهاية حين تبتر ساقاه في الحرب: عجز جسدي يوضح - ربما - العجز العام الذي يعاني منه وضعنا العربي الراهن... النهر هنا نبض يمد المرء بنسغ حيوية خاصة، انه رمز واضح لحياة تأبى الزوال. في هذا القسم رصد فني لمنطقة بغدادية قديمة هي الأعظمية: معالمها وأزقتها وبيوتها وشناشيلها وطابعها الخاص الذي أزيل من خارطة الواقع، حيث هدمت المنطقة قبل ربع قرن. القسم الثاني: "حكايات" يضمّ رصداً للواقع الذي أعقب الحرب: شخوص ومصائر ورغبات وآمال مكبوتة، وأثر الحرب على النفس وإيقاع الحياة. أما القسم الثالث فهو بعنوان "الأنتظار" فيه رصد لشخصية فنية "أشبه بسيرة ذاتية عن بعد أو موضوع واحد معين" تحاول بلوغ أمنية له ولعائلته عبر انتظار طويل يتداخل بانتظار آخر "معادل" كأن يتحول الأثر إلى نوع من انتظار لا طائل من ورائه، لكنه يصبح جزءاً من طبيعة حياتية تكسب الشخصية طابعها المميز. في هذا القسم طروحات في جماليات الفنون".

 المثابر أدبا ونقدا

ويواصل الأستاذ سليمان مراجعته العميقة للراحل محمد علي المثابر في الأدب والنقد فضلا عن النتاج الموسيقي على امتداد سيرة طويلة، فيقول "في كل رسالة كنت أزداد معرفة بفن ونقد أسعد محمد علي. ولأنه رحل وترك مخطوطاته الى مصير مجهول، بات لزاماً عليّ أن أشارك قارئاً بتلك المعرفة مهما ضؤلت، فأضيف الى ما تقدم ملخصه لمسودة كتاب "بين الأدب والموسيقى"، حيث تلي مقدمة لؤلؤة فصول عن ثنائيات الفنون وخصوصيتها "بدءاً من علاقات أولية بالانسان حتى مقاربات جمالية متقدمة"، ثم فصول حول "ثنائيات الإيقاع والصوت، وخصائص درامية في الموسيقى، وأثر الموسيقى في الدراما والأوبرا والفنون الأخرى، وتقابلات بين خصائص الدراما ذات الاحتواء الكلي للفنون، والموسيقى ذات التأثير البارز في فنون القرن العشرين" ويلي ذلك فصول عما بين الشعر والموسيقى: العلاقات الأدائية الداخلية، الجمالية بين الشعر والموسيقى، الأرض اليباب لأيليوت وتأثرها بالموسيقى، قصيدة السياب "المسيح بعد الصلب" وتأثره بالشعر الإنجليزي، تأثره غير المباشر بالموسيقى، حيث "الفكرة المسيطرة" ذات الجذر الرومانتيكي في الموسيقى، والجذر الدرامي في التاريخ الابداعي، وتأثر السياب بالشكل الذي مارسه ايليوت". وبعد ذلك ينتقل أسعد محمد علي إلى ما بين فنون الشرق والغرب، حيث: "فنون الشرق استرسالية، ارتجالية المنشأ، وتهدف الى تحقيق أشكال أفقية غير منتهية، عكس فنون الغرب الطامحة الى بلوغ نهايات ذات أثر تكثيفي منشأه الدراما. هنا حضور لألف ليلة واحتوائها على صيغ موسيقية حديثة، وهو تحليل جديد من نوعه". ويقفل هذا المخطوط بأثر الموسيقى في روايتي "تحريك القلب" لعبده جبير، و"طواف متصل" لمحمد حياوي.

وهنا ينوه أسعد محمد علي بمحاولته أن يكون هذا الكتاب أكثر بساطة للقارئ الذي راوده بعض الصعوبة في قراءة كتابي الأول في إشارة الى "الأدب والموسيقى" الصادرة في بغداد عام 1985.

وأضاءت رواية أسعد محمد علي "الضفة الثالثة" 1981 نزوع الناقد السوري إلى "علاقة الرواية والموسيقى، فيما كنت أهيئ لكتابي "وعي الذات والعالم" 1985. وكنت ممتلئاً بالغبطة لاكتشافي ريادة قصة أحمد مكي "النداء البعيد" في "المكشوف" البيروتية 1939، لتصوير لقاء الأنا بالآخر الفرنسية سيلفينا في الوطن، قبل سليمان فياض وعبدالحكيم قاسم بعقود، فيما ألفت القصة والرواية العربية من التعبير عن وعي الذات والعالم في لحظة لقاء الآخر في موطنه. ثم جاءت رواية "الضفة الثالثة" لتضيف اللقاء في بودابست بالآخر الذي كان اشتراكياً قبل سقوط الاتحاد السوفياتي وكواكبه، عكس الخط المألوف نحو باريس أو لندن. ولئن كان صنع الله ابراهيم سبق الى ذلك نجمة آب /أغسطس - 1974 وحنا مينه تابعه الربيع والخريف - 1984، فالإضافة التي حققها أسعد محمد علي جاءت بامتياز في بناء الرواية الذي بدا لي "منطلقاً من نقطة الصفر، من العادية، من المصادفة، وراح يتصاعد ويتعقد بشفافية ويسر، حتى إذا ما بدا أنه وصل الى ذروته، انداح الى بداية اخرى، وعاد يتشكل من جديد، من دون أن يكرر التشكيل التالي سالفه، بل هو ينهض على خلاصة ما تقدمه، حتى يكتمل البناء؟".

كان ذلك بعض ما كتبته عام 1985، وربما كان على الجواب أن ينتظر جديداً ريثما يقيض لمخطوطة "يوميات مدينة" وسواها أن تظهر، كما انتظرت "الضفة الثالثة" نقداً آخر قرابة عشرين عاماً، وكما انتظرتُ لقاء أسعد محمد علي حتى عام 1998، فإذا بذلك الكركوكي المتواضع المجهول والدافئ، موسيقي وناقد ومنفي، يكويه، كما عبرت رسالته بصدد القسم الثالث من مخطوطته الروائية "نوع من انتظار لا طائل من ورائه"، غير انه لا ينكر وطنه ولا ينتسب الى منفى. ها هو اسعد محمد علي اليوم يغيب ليبقى سؤاله الحضاري، ابتداء بالموسيقى أو النقد أو الرواية أو المنفى أو الوطن، وانتهاء بالكون والتاريخ".

 

رائد متمرد على النسيان

وفي لمسة وفاء نادرة في المشهد الثقافي العراقي، أقام الفنان التشكيلي، والكاتب الصحافي، المقيم في الدانمارك، مصطفى الأدهم معرضه الشخصي العاشر تحت عنوان "أسعد محمد علي .. رائد متمرد على النسيان".

أما لماذا أسعد محمد علي؟(4) فالجواب حملته سطور الأدهم: "أهدي معرضي العاشر هذا إلى روح الفنان الرائد الأستاذ المرحوم أسعد محمد علي - الموسيقار الكلاسيكي، والناقد والكاتب الفني، الذي انحاز لفنه ومبادئه بكل صدق والتزام، فكان مثالا يحتذى به في التمترس العجيب خلف المهنية والمباديء، وتطليق كل المغريات.. ومواجه الدنيا بفيولته (آلته الموسيقية: الفيولا) وقلمه وأخلاقه النبيلة.. فلا غرابة أن توافيه المنية مغتربا، مهاجرا - اضطراريا - وهو يعطي درسا لأحد تلامذته في العزف".

 أثره المعرفي

ويواصل الأدهم الثناء على الأثر المعرفي للراحل أسعد محمد علي بقوله: "من هنا، واستمرارا مني في المضي قدما في مبادرتي في تكريم الرواد الكبار في مجال الثقافة والفن والأدب العراقي، التي افتتحتها بالمعرض السابق الموسوم بـ "خالص عزمي موسوعة عراقية خالدة"، ولدت الخطوة الثانية هذه بما يليق أن يهدى إلى فنان رائد قدير، وعلم من أعلام الثقافة العراقية، لا سيما في مجال الموسيقى الكلاسيكية، بالإضافة إلى التأليف والكتابة والنقد الموسيقي الرصين، الذي أثرى المكتبة الموسيقية بمؤلفاته ومقالاته القيمة، ككتابه الشهير "بين الأدب والموسيقى"... فمع غياب التكريم الرسمي من قبل الجهات المعنية في العراق، تجاه قامات ثقافية وفنية وأدبية رائدة لها دورها النضالي في حماية الثقافة والأدب والفن العراقي الرصين، لابد لنا من قول كلمة حق تجاههم، لما لهم من دين في أعناقنا، ووفاء منا لهم على نضالهم الثقافي المثمن.. والعقود التي أفنوها من أعمارهم المعطاءة في بناء المشهد الثقافي والفني والأدبي العراقي المعاصر.. بما يستحق أن يكون مفخرة عراقية بأمتياز".


 

الراحل أسعد محمد علي الثاني على يمين الصورة عازفا على الفيولا في حفل موسيقي بعمّان


"سومر": رهافة الوتريات في فضاء مفتوح

 أقامت دارة الفنون (مؤسسة شومان)(5) أمسية موسيقية، قدمت خلالها " جماعة سومر" العراقية لموسيقى الصالة، والتي تكونت من الرباعي الوتري: أسعد محمد علي (فيولا) باسم حنا بطرس (تشيلو)، زيد عصمت شوكت (كمان أول)، ونهلة ألياس ججو (كمان ثان)·

 واشتملت الأمسية على معزوفات مكتوبة للرباعي الوتري أو تناسب الإمكانيات التعبيرية لهذا الآلات، مثل الحركة الأولى من كونشرتو كتبه انطونيو فيفالدي (1680-1743) أو المقطوعة المكتوبة لرباعي وتري والتي صاغها جوزيف هايدن (1732-1809) كما عزفت الفرقة أحد الاعمال المناسبة لتكوينها الالاتي والتي كتبها الموسيقي العراقي الراحل حنا بطرس (1896-1958) وحملت عنوان مدورة شرقية (روندو) وقدمت إحياء لذكراه في عيد ميلاده المائة·

 في الجزء الثاني من الأمسية قدمت الفرقة أجواء من موسيى ادوارد غريغ ( 1843-1907) حيث لمسات الفترة الرومانسية وأجواء موسيقى بداية قرننا الحالي·

فرقة "سومر" لموسيقى الصالة تأسست في بغداد عام 1896 ومرت بظروف ومتغيرات كثيرة فشهدت تواجد عدة أجيال من العازفين فيها، وها هما زيد عصمت شوكت ونهلة الياس ججو العازفان على الكمان، واللذان يمثلان الجيل الشاب من الموسيقيين العراقيين يتركان لمستهما على سيرة هذه الفرقة التي يحرص على استمرارها، الفنان والناقد والروائي أسعد محمد علي، وهو الى جانب باسم حنا بطرس واكب الفرقة منذ تأسيسها·

 ساهمت موجة البرد اللطيفة في ترك آثار سيئة على درجة نصب الآلات مما أدى الى إرباك عند العازفين الذين اجتهدوا كثيراً للتعويض عن ذلك، كما يمكن إضافة سبب آخر يؤدي الى تشتيت التوصيل ما بين الموسيقى والمستمع، الا وهو الفضاء المفتوح وفي مكان مثل دارة الفنون القريبة من حركة دائبة للمدينة، يصبح ذلك الفضاء ناقلاً لضجيج دائم يقلل من كفاءة الاستماع والعزف معاً·

"جماعة سومر": 30 عاما من النغم الجميل

مع اتساع فسحة الموسيقى في "دارة الفنون" التابعة لمؤسسة عبد الحميد شومان، وتعدد أمسيات الموسيقى التي تخصصها ضمن برنامجها الثقافي، يتعرف جمهور الدارة على جماعة "سومر" لموسيقى الصالة العراقية التي انتظم ظهورها الموسيقي الناعم والمؤثر في المواسم الثقافية الماضية التي قدمتها "دارة الفنون"(6).

وبات الثلاثي أسعد محمد على (فيولا) وباسم حنا بطرس (تشيللو)، وإحسان أدهم (فلوت) يقيمون في كل ظهور لهم مشهد صداقة حميمة مع فضاء (دارة الفنون) وجمهورها.

والأمسية التي أحيتها "جماعة سومر"، حملت نكهة مختلفة لا لبرامجها فحسب بل لتوقيتها فهي تصادف مع الذكرى الثلاثين لتأسيسها في بغداد. حيث شكل في شباط 1968 عدد من الموسيقيين العراقيين هم: محمود الأوقاتي (كمان)، غازي مصطفى بهجت (أوبو)، أسعد محمد علي (فيولا)، إحسان أدهم (فلوت)، مهدي علي (فلوت) وباسم حنا بطرس (تشيللو)، جماعة موسيقية حملت إسم "جماعة سومر" لموسيقى الصالة. وجاءت أهمية عروضها الفنية بعد توقف الفرقة السيمفونية العراقية عن العمل.

وتضمنت الأمسية في قسميها عدة أعمال موسيقية، جاءت متسقة في طبيعتها الفنية ومصادرها التاريخية وانماطها.

واختارت الجماعة حسب وضعها الحالي (ثلاثة عازفين بعد ان كانت من ستة موسيقيين وخمسة أحيانا) أن تقدم أعمالا امتازت برهافة وغنى روحيين وقعهما موسيقيون ومؤلفون، أمثال "شتامتز" المؤلف الجيكي من مدرسة مانهايم الذي تمتاز أعماله بمقاربتها للكلاسيكية التي مهدت إلى ظهور أسلوب هايدن وموتسارت. وكانت المقطوعة التي عزفتها الجماعة له، بنبضها السريع تكاد تلخص حيوية كل آلة من الآلات الثلاث.

 

كذلك تضمن الأسم الأول عملا للمؤلف الإيطالي من القرن الثامن عشر، دفيني، الذي كتب مقطوعات صغيرة في صيغة الثنائي والثلاثي والرباعي. ورغم انه لايعتبر مؤلفا ذائع الصيت إلا إن مقطوعته جاءت بروحية سريعة كانت تناسب الحاجة للنسيم في وقت الصيف.

 ولا تختلف هذه الصفة (السرعة والحيوية)، عن عمل آخر للمؤلف الفرنسي الكلاسيكي بوامورتيه الذي تخصص في صيغ الثنائيات والثلاثيات والرباعيات، وبرعت هنا الآلات الثلاث حسب قدرات عازفيها المهرة في تجسيد هذا الملمح السريع والحيوي في المقطوعة مما أدخل البهجة والسرور العميقين في نفوس المستمعين.

وتغير هذا الانتظام في عمل للمؤلف الموسيقي الجيكي فانهال الذي جايل بيتهوفن وكتب العديد من المقطوعات، ومنها عمله الذي جاء في صيغة "المتوالية"، ووقع في تسع قطع صغيرة تراوحت في إيقاعها بين البطيء الممتهل والسريع. ويحيل العمل إلى نوع من الافتتان بصياغة مشاعر يمكن لآلتين وتريتين وواحدة هوائية رقيقة أن تقدمها. وفي الوقت ذاته كشفت المقطوعات التسع الصغيرة عن براعة العازفين وعمق المشاعر التي لعبوا فيها على آلاتهم.

في القسم الثاني من الأمسية خصصت "جماعة سومر" فقرتين خاصتين لعبقري الموسيقى ولفجانغ أمادويس موتسارت، وعزفت ما أمكن لموتسارت أن يكتبه من موسيقى وهو في عمر التاسعة! حيث كان والده ليوبولد موتسارت قد أعلن عن قدرة ابنه الصغير في تأليف الموسيقى مما جعل الموسيقيين الآخرين يختبرون هذا (الإدعاء) وأمروا موتسارت الصغير بان يدخل غرفة ويغلقوها عليه خلال فترة ليخرج عليهم بمقطوعات موسيقية كما يدعي، وكان وقع المفاجاة عليهم ان خرج موتسارت بعدة مقطوعات مكتوبة (للثلاثي) الموسيقي.

وتقديرا لمثل هذه الموهبة التي ما زالت تغذي العروض الموسيقية في إثنيتن من هذه المقطوعات التي كتبها موتسارت في (غفرة الاختبار). وفيها ظهر موتسارت طليقا بهيجا ممتلئا بآمال واسعة ومشاعر طافحة.

 هوامش:

(1): علي عبد الأمير: صحيفة "الزمان" اللندنية بعد أيام على رحيل محمد علي. 

(2) حاوره: علي عبد الامير، عمّان، صحيفة "الرأي" 11/2/1998

(3): نبيل سليمان: صحيفة "الحياة" اللندنية 9/12/2000

(4): موقع "المثقف":

 http://www.almothaqaf.com/reports/64202.html

(5) علي عبد الأمير، عمّان، صحيفة "الرأي" 23/5/1996

(6): علي عبد الأمير، "الرأي" الأردنية 18/6/1998




 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM