مقالات  



جنة علي الشوك الساحرة

تاريخ النشر       27/09/2017 06:00 AM


علي عبد الأمير
في أواخر العام 1999، أي الأيام الأخيرة للقرن العشرين، وضمن استفتاء لكتاب ومثقفين أجرته صحيفة "القدس العربي"، عن أبرز من شكلوا توجهات الأدب والفنون في القرن العاصف من الكتاب والمثقفين العرب، جاءت مساهتمي في ذلك الاستفتاء عن أبرز من أراهم قد شكلوا علامات في الثقافة العراقية والعربية، على نحو هذا بعض ما فيه: في القصة القصيرة: محمد خضير، في الرواية: نجيب محفوظ عربيا، وفؤاد التكرلي عراقيا، وفي الشعر: بدر شاكر السياب عراقيا وأدونيس ومحمود درويش عربيا...الخ القائمة التي لم أعد أتذكر تفاصيها، لكنها تنتهي بجواب على سؤال: ما هو أبرز كتاب قرأته في القرن العشرين، وبدا غريبا من بين الأجوبة التي أمتدت على ثلاث حلقات وغطت ست صفحات، جوابي حين أشار إلى "الأطروحة الفانتازية" لمؤلفه الكاتب والمترجم والناقد إن شئت: علي الشوك.

هو كتاب عن الحداثة الغربية في القرن العشرين، علما وأدبا وفكرا وفنا، دون أن يغفل ذلك النسيج النادر من مزاوجة النص بالصورة الدالة والمعبرة. كتاب يعبر الزمان مثلما يعبر أشكال التعبير ويمزج بين استجابات المعرفة العلمية الصرف وغرائبيات النفس البشرية التي ميزت فنون الربع الأول من القرن العشرين وآدابه وصولا إلى تجليات ما بعد الحرب العالمية وتأثيراتها في ولادة أشكال جديدة من التعبير الفني في مجالات السينما والشعر والرواية. 

يساري "يقدس" حرية الفرد! 
بدا الكتاب، دون أن أنسى حجمه غير التقليدي (أقرب إلى الألبوم المصور في طبعته الأولى- وزارة الإعلام بغداد 1970) وغلافه الساحر الرسوم والتصميم، بالنسبة لي جنة فكرية حقيقية لطالما سعيت بالوصول إليها، ففيه العلوم حيث أدرس في الجامعة، والأدب حيث متعة اللغة وسحرها، وهو ما كنت في أولى مراحلها عبر عدد من النصوص الشعرية التي كبتها ونشر بعضها في منابر صحافية تعنى بأدب الشباب، فضلا عن مقالات قصيرة في نقد الثقافة والمجتمع نشر بعضها في منابر ثقافية طلابية جامعية، وضمن أفق من التفكير المستقبلي الذي لا يتعاطى مع المعرفة كونها مغلقة بأسيجة الواقع الحديدية، بل هو "المثال" الذي سعيت إليه شخصيا: كتاب عن الحرية الفردية وجمالياتها وعنفوانها الروحي وتمردها، يضعه كاتب يساري بل ماركسي، وهو ما كان يهزني بعمق كخيار ثقافي وانساني شخصي. فضلا عن جانب في شخصيته يجسد هذا الملمح الفريد الذي كان يقارب التناقض بحسب الصورة التقليدية السائدة للمثقف اليساري والماركسي في خمسينيات القرن العشرين حتى سبعينياته: واقعي ناقد بغضب للحداثة الغربية.

انتماء شخصي لنهج الشوك
هكذا وجدت كتاب "الأطروحة الفانتازية"، وقد صار مؤونة روحية فذة، كنت أعود إليها كلما شح الأمل في عراق الخيبات والقهر، عدت إليه وأنا مهزوم فكريا ونفسيا في عامي 1978 و1979، وثالثة حين كان تميمة صبري واحتمالي في سنوات الحرب الرهيبة مع إيران، ومع أنني تعرضت لهزات عميقة في حياتي، ومعظمها جراء وقوعي هدفا هشا لالة الطغيان المتمثلة في الحروب والخوف والعيش عاريا إلا من رغبة الحياة الآدمية البسيطة، وهو ما جعلني بلا بيت حقيقي وبلا مكتبة شخصية، لكنني حرصت على أن ابقي بعضا من الكتب التي شكلت ملامح شخصية جدا لثقافتي، معي اينما رحلت، حتى بين 15 بيتا وثقت هجراتي وغربتي الداخلية بين بغداد والحلة. ومن بين تلك الكتب كان إثنان منها لعلي الشوك، "الإطروحة الفانتازية" و"الموسيقى الأليكترونية" الذي سيكون مرجعا بارزا في كتاب قدمته إلى سلسلة "الموسوعة الصغيرة" وقدم إليها العازف والأديب والناقد أسعد محمد علي، وكان من المؤمل ان يصدر في نهاية العام 1990، غير ان احتلال الكويت وبدء فرض العقوبات على العراق ألغت إصدار السلسلة مع بدء سياسة التقشف في كل الميادين، ومنها الثقافية.

غلاف كتاب الموسيقى الالكترونية وفي الإطار تخطيط للكاتب والروائي والباحث والمترجم علي الشوك

ومنذ العام 1982 ومن خلال تراكم تجربتي في متابعة النغم الغربي المعاصر ونقد أشكاله عبر سلسلة من المقالات بدءا من مجلة "فنون" بدعم، لا يمكن لي ما حييت إلا استذكاره بالعرفان العميق، من الكاتب والناقد محمد الجزائري الذي تولى رئاسة تحرير المجلة حتى اغلاقها صيف 1986، تكونت لي معرفة وطيدة باشكال التأليف الموسيقى الغربي الجديدة، والتي تنتظم في حقيقتها مع الفكرة التاريخية والعلمية التي كانت قد قام عليها كتاب "الموسيقى الأليكترونية"، بل ان النماذج التي عرضتها في مخطوطة كتابي، بدت تطبيقا للإطار التاريخي والنظري الذي قدمه الشوك في جهده الرائد والصادر ضمن سلسلة "الموسوعة الصغيرة" ذاتها أواخر سبعينيات القرن الماضي.

*جزء من بحث طويل.



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM