سالم عبد الكريم يكرّم في القاهرة: تحية مستحقة للموسيقى العراقية الرصينة

تاريخ النشر       19/11/2017 06:00 AM


علي عبد الأمير عجام*
أحسنت صنعا إدارة مهرجان الموسيقى العربية في دورته الـسادسة والعشرين، المقام بالقاهرة وأنتهى قبل أيام، بتكريم الموسيقار العراقي سالم عبدالكريم، الذي وصلت مجموعة مؤلفاته الموسيقية واللحنية إلى مئات من المقطوعات الموسيقية الشرقية والغربية فضلا عن الألحان الغنائية، التي رجحت حضوره في أفضل صالات الموسيقى والعرض الفني في العالم، ومن بينها "ألبرت هول الملكية" في لندن، قائدا لأوركسترا سيمفوني.


 ثراء التأليف الموسيقي والعزف المحكم
وهي تبدو فرصة نادرة لمراجعة ملامح في أصالة الموسيقى العراقية نغماً وتربية، عبر تجربة المؤلف والعازف البارع على العود، سالم عبد الكريم، صاحب المقطوعات والأعمال الموسيقية الثرة، التي كتبها خلال رحلته الفنية، أو تلك التي أعاد توزيعها اعتماداً على قدرة لافتة في العزف على آلة العود· فهو عُرف بكونه مؤلفاً لعدة أشكال من الموسيقى العربية مثل "البشرف"، و"السماعي"و"اللونغا"، ولأشكال من الموسيقى الغربية الكلاسيكية "الافتتاحية"، "الكونشوتو"، و"القصيدة السيمفونية"، مثلما عُرف - أيضاً - بكونه صاحب ألحان غنائية، أخذت أنواعاً شتى في الغناء العربي مثل، الموال، الأغنيّة، الابتهال، تلحين القصيدة، أغاني الأطفال وغيرها.



وللفنان عبد الكريم، باع طويل في النشاط التربوي الموسيقي، من خلال إدارته للقسم الشرقي في مدرسة الموسيقى والباليه في بغداد، وإدارته لمعهد الدراسات ومعهد الدراسات النغمية الذي تخرّج فيه فنانون عراقيون مميّزون، منهم عازف العود المعروف نصر شمّة، والمطرب كاظم الساهر، وقدم خال فرة إدارته لتلك المؤسسات التربوية الموسيقية الكثر من المحاضرات، ووضع العديد من المؤلفات النظرية والعملية، كا برز خلالها كقائد فرقة (مايسترو) لمختلف المجاميع الموسيقية والغنائية، وبرز كموزّع موسيقي لمختلف الأشكال والصيغ الغنائية والموسيقية. وعُرف عن عبد الكريم بأنه القادم إلى الموسيقى من باب علم الرياضيات، فقد وضع طريقة جديدة لتدوين الموسيقى، وتطبيقاتها، ونال عنها براءة اختراع، كذلك نال براءة أخرى عن جهاز لتعليم المكفوفين قراءة وكتابه النوتة الموسيقية، ونقلته تلك المهارات والقدرات إلى الظهور كعازف منفرد إلى تركيا والمغرب وسلطنة عمان، فصلا عن قط التي يقود فرقتها الأوركسترالية ·

أعماله الموسيقية، تتوزّع ما بن الألوان التطريبية، التعبيرية والإيقاعية، كذلك تحضر في أمسياته مهارات العزف على العود وقدرة الآلة الشرقية العريقة على إقامة حوار موسيقي مع العديد من الأعمال الموسيقية الغربية الكلاسيكية والمعاصرة، كما يقدم عبد الكريم تنويعات لألحان شرقية وعربية معروفة، من بينها إعادة لعمل سيد درويش " زوروني بالسنة مرة"،
وأعمال لموسيقار القرن العشرين عربيا، محمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش إضافة لكبار مولفي بلاده الموسيقيين أمثال الراحل جميل بشير، ومنذر جميل حافظ وعبد الرزاق العزاوي وغيرهم.



في أمسياته حيث أعماله، تمتزج الأشكال الموسيقية كالتعبيرية والتطريبية والإيقاعية، وتعكس تلك المقطوعات قدرات الفنان المميّزة في العزف على العود، كونه يمثل مَلمحاً خاصاً من ملامح المدرسة العراقية في ذلك الفن (*).
هو صاحب حضور في فن التقاسيم، فتسمع منه تقسيما ارتجالي من نغم النهاوند، ومعه يظهر الفنان قدرة الأشكال القديمة على استحضار روح الطرب، وما يزخر فيه هذا النغم من روحية موسيقية، وإن غلب عليها الطابع الكلاسيكي، كما يعزف على عوده، أعمالا من روح الموسيقى العربية: مقطوعة من أعمال عبقري الموسيقى العربية المعاصرة محمد عبد الوهاب، وهي مقطوعة "مقدمة الفن"، والتي وضعها الفنان الراحل عبد الوهاب لمستوى
فرقة موسيقية شرقية متكاملة، غير أن العود يظهر وحسب قراءة أصابع سالم عبد الكريم، وقد قارب التأثر الذي يمكن أن تُنجزه الفرقة، حتّى إن الفنان يعزف على الأوتار بقوة أحياناً، لمقاربة المستويات اللحنية التي كانت موزّعة حسب آلات الأوركسترا.
وحين يعزف مقطوعة موسيقية معتمدة على لحن للراحل فريد الأطرش، كما في أغنيّة "علشان مفيش غرك"، والتي ضمّها آخر أفلامه "نغم في حياتي"، فهو يظهر من خلالها قدرة العود على تجسيد اللحن الغنائي، والوصول في التعبير إلى مستوى، يمكنه أن يضاهي طاقة الصوت البشري أثناء الغناء.

تنويع على لحن
وفي شكل (التنويعات عى لحن) يقدّم معزوفات موسيقية راسخة في ذاكرة المتلقي، مثلما قدم في أمسية بالعاصمة الأردنية عمّان، 36 تنويعاً على لحن "زوروني" للفنان سيد درويش، وأظهر خلاله عبد الكريم، قدرته في الانتقال من التعامل المرهف مع الأوتار إلى القوي الحاد، وظهر عمله مركباً، وفيه فهم عميق لمفهوم "تنويعات على لحن"، الذي استغرق فيه قرابة عشر دقائق.
ومن روحية الموسيقى العربية القديمة حسب سيد درويش، إلى مثال آخر لنتاجاتها، مثّلته أعمال الموسيقى العراقي الراحل جميل بشير، والتي يعزف منها سالم عبد الكريم "رقصتي المفضلة"، وتعكس ميولاً تحديثية في البناء الموسيقي العربي.

بيتهوفن على العود!
وفي مقاربة لعملين موسيقيين غربيين، أحدهما كلاسيكي، هو "إلى أليز"، والذي كتبه بيتهوفن، والآخر معاصر هو اللحن المميّز لفيلم "قصة حب" الذي كتبه فرانسيس لي، يظهر سالم عبد الكريم مقدرة آلة العود وعازفها، على نقل حتّى الأعمال الموسيقية المؤلفة أصلاً لآلات تختلف عنها كلياً مثل البيانو.
وفي اتجاه تقني بارز، يعزف الفنان العراقي مقطوعات، أحدها باليد اليسرى؛ حيث تضرب الأصابع على الأوتار، من جهة زند العود، والثانية باليد اليمنى، وعلى الأوتار المطلقة القريبة من البدن، ثم عادة ما ينتقل في أمسياته إلى جوّ آخر تماما، حيث يعزف من أعماله التي كتبها، ومن بينها "العيون العسلية"، وهي نموذج للعزف على العود في لحن راقص. وفيها ترقّ الأنغام، وتتناغم. وفي قالب "السماعي"، كتب الفنان سالم عبد الكريم أكثر من مقطوعة، وفي شكل "القصيد السيمفوني" كتب مقطوعة "ذكريات في بغداد" التي حفلت بتصويرية درامية، لملامح من بغداد ووداعة أفقها المفتوح على بساطة إنسانها.


*علي عبد الأمير، صحيفة "الرأي" الأردنية، 12 و 14 / 10 / 1996.



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM