مقالات  



هل أغلق العراق الباب أمام "داعش-2"؟

تاريخ النشر       11/06/2018 06:00 AM


علي عبد الأمير

لا يشغل بال المحللين والخبراء الاستراتيجيين الغربيين اليوم سؤالٌ مثلما يشغلهم: كيف يمكن قطع الطريق على قيام نسخةٍ جديدةٍ من داعش إنطلاقا من العراق؟
هذا السؤال الجوهري كان قد عاينه الكاتب والمحلل الاستراتيجي الأمريكي دافيد إغناشيوس، وهو يفحص ما بدا "لغزاً" في أحيان و"نظرية مؤامرة"، إنه السؤال القديم- المتجدد: كيف أصبح تنظيم "الدولة الاسلامية"  أو "داعش" في نسخته الأولى، قوة فاعلة في الشرق الأوسط؟
الباحث تناول في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 "الجذور العراقية لداعش" عبر المؤشرات والحقائق التالية:
•العامل الديني ليس هو الأمر الحاسم في قيام التنظيم الإرهابي، فكثير من قادة نظام العراقي السابق والبعثيين السابقين الذين خدموا في وحدات صدام حسين الأكثر سريةً ووحشيةً وتحالفوا مع "داعش،" لا علاقة لهم بالدين.
•حين اقتنع الأميركيون بغزو العراق، بدأ أبو مصعب الزرقاوي، بناءَ قاعدة هناك في عام 2002. وأثبت بعد عام أنه على استعداد للتحالف مع فلول استخبارات صدام. 
•إهمال العامل السني: ينقل إغناثيوس عن أحد المسؤولين البارزين في مجلس الأمن القومي الأميركي قوله أن "الأكراد والشيعة (80 بالمئة من السكان) هم بناء الدولة الجديدة بغض النظر عن معارضة 20 في المئة من السكان الذين كانوا من السنة". وهذا الرأي المتهور كان قد أخذ صورة السياسة الأميركية الحقيقية في العراق.
•الضربات الجوية الأمريكية قتلت الزرقاوي في حزيران/يونيو 2006، ولكن مع ذلك مضى أتباعه لإعلان "دولة العراق الإسلامية"، في تشرين الأول/أكتوبر 2006.
•لم يشعر المسؤولون الأمريكيون بالنار التي كانت تستعر تحت الدولة العراقية، ويقودها رئيس الوزراء نوري المالكي، وهو شيعي، ثبّت أركان الفساد والطائفية.
•في ما يمكن وصفها عملاً من أعمال الحماقة، بدت الولايات المتحدة تنسق (مع إيران كشريك صامت) في عملية المساومات التي أبقت المالكي في السلطة. نائب الرئيس جو بايدن، كان مسؤولاً عن المساومة، التي أشعلت الجمرة ومكّنت لاحقاً من اعلان "الدولة الإسلامية".
•في السنوات التي تلت إعادة المالكي إلى السلطة 2010-2014، كانت "الدولة الإسلامية" تنشط في حملة شرسة لاغتيال زعماء العشائر السنية وبقايا "حركة الصحوة" في محافظة الأنبار العراقية. بين عامي 2009 و 2013، قتلت "الدولة الإسلامية" 1345 رجلاً من أفراد الصحوة. لم ينتبه أي شخص في واشنطن إلى "رنين السيوف" ذلك، فيما كانت حكومة المالكي سعيدة برؤية مقتل مسلحين من السنة.
•حملة الاغتيالات تلك أضعفت المقاومة السنية للارهاب، مما ساعد "داعش" في الاستيلاء على الموصل في عام 2014..
•اعترف مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية جيمس كلابر في أيلول/سبتمبر 2014: "لقد قللنا من شأن "الدولة الإسلامية" وبالغنا في تقدير القدرة القتالية للجيش العراقي".


وما الجديد اليوم؟ 
يرى محللون أمريكيون وغربيون إنه ربما يكون تنظيم الدولة الإسلامية قد فقد معظم مناطق الخلافة التي أعلنها بنفسه، لكن مجموعةً جهاديةً جديدةً تحاول النهوض من رماد داعش في شمال العراق.
وينقل الكاتب المتخصص بالشؤون الأمنية جيف شوغول الذي يغطي نشاط البنتاغون والجيش الأمريكي لمدة 12 عامًا في العراق وهايتي، عن الكولونيل ريان ديلون، المتحدث باسم الجيش الأمريكي، إن المجموعة، التي يترجم اسمها من العربية باسم "الرايات البيض" هي فرع تابع لداعش ينشط في ريف كركوك وطوز خورماتو (شمال البلاد). 
ونجحت "الرايات البيض" في البقاء على قيد الحياة بعد العديد من عمليات التطهير في محافظة ديالى، شمال شرق بغداد، كما تقول جنيفر كافاريلا، من معهد "تي واي" للدراسات الحربية في واشنطن العاصمة.
حالياً، تبدو المجموعة صغيرة نسبياً مع ما بين 150 و 700 مقاتل أو نحو ذلك ، بحسب كافاريلا التي قالت إن الاعضاء هم من "الجهاديين الذين غادروا الحويجة، ومن المحتمل أن يكونوا من أعضاء حاليين أو سابقين في تنظيم داعش والقاعدة".
وتمثل "الرايات البيض" تمرد ما بعد داعش، وبالتالي تعكس إن "الدولة العراقية ستستمر في مواجهة التهديد الأمني من داخل سكانها السُنة حتى وإن لم تعالج فعليًا المصادر الأساسية للمظالم التي أدت إلى بدء داعش"، توضح كافاريلا مؤكدة "يعكس ذلك أنه لا يمكن لداعش فقط أن تعيش بل إن استبعاد السكان السُنّة من الحكومة العراقية يمكن أن يولّد المزيد من تمردات داعش".
إلى ذلك يرى الباحث ثانسيس كامبانيس وهو صحافيٌ متخصصٌ في الشرق الأوسط والسياسة الخارجية الأمريكية "ما لم يتعافى العراق نفسه - الأمر الذي سيتطلب التزاماً كبيراً ومستمراً من الولايات المتحدة وحلفائها - فسنظل جميعاً نعاني من الحصاد المرير لحل مؤسسات دولة عربية حاسمة".
وحول المسؤولية الأمريكية في غزو العراق واندلاع العنف وصولاً إلى داعش، يقول الباحث في معهد "سنتشوري" في نيويورك أن "صعود الدولة الإسلامية (وحتى الآن) يذكّرنا بحقيقةٍ مزعجة: "هذه المشكلة هي من صنع أمريكا إلى حد كبير، وتبقى مصلحة أمريكية بغض النظر عن مدى رغبة أمريكا الصادقة في طي الصفحة. لدينا مصلحة في النجاح العراقي، وليس فقط لأسباب أخلاقية".
وبينما يستيقظ العراق من آخر كابوس لداعش، فإنه "يتعين على بقية العالم مساعدة البلاد على التعافي وإعادة البناء. لا تستطيع أمريكا تحديد نتائج العراق، لكنها لا تزال تتمتع بنفوذ كبير. يجب أن يستمر هذا التوازن بهدفين أساسيين للسنة المقبلة: الحفاظ على الأمن المادي وتعزيزه في المناطق المحررة من داعش، والمساهمة في تشكيل حكومة وطنية مستقرة بعد انتخابات 12 ايار/مايو".
لقد سقط العرب السنة من سلطتهم المهيمنة في نظام  صدام حسين في عام 2003. الآن فقط، مع فوضى مجتمعاتهم بعد فترة حكم داعش الدموية لهم حد الإذلال التام، يبدو مهماً وجود عدد كبير من السنة المستعدين لجعل الحكم مشتركاً مع الشيعة والعراقيين العلمانيين على أساس نظام وطني يهيمن عليه الشيعة - وهو نظام له فرصةٌ فعالةٌ لتمريره كقاعدة عراقية، وليس حكمًا طائفيًا ضيقًا.




 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM