"وهبي" في بغداد: حملة تعريب الأسماء والمصطلحات الأجنبية

تاريخ النشر       15/10/2018 06:00 AM


علي عبد الأمير
بعد فشل حملة تعريب المصطلحات العلمية، وأغلبها لاتيني، في الجامعات والمؤسسات العلمية الأكاديمية، وغض سلطة البعث نظرها عن قرارها الذي أصدرتها منتصف سبعينيات القرن الماضي، عادت إلى الفكرة ذاتها، ولكن هذه المرة بالتغيير الإجباري لعناوين علامات تجارية معروفة عالمياً، فضلاً عن أسماء محال كان أغلبها يفضّل رنين الاسم الأجنبي. 
كانت فكرة "التعريب" منطلقة من أساس عقائدي تتبعه السلطة في تعظيم "العروبة" وجعلها حضارة حتى في مجالات هي متخلفة فيها، كما في العلوم والتقنيات المعاصرة.
وكانت حجة السلطة حينها قائمة على إن "الكندي يعد أوّل من وضع معجمًا للمصطلحات العلمية، 
ووضع العالم العربي الرازي كتابه "الحاوي"، ويقع في ثلاثين جزءا جمعت المعارف الطبية التي توصل إليها العقل البشري منذ أيام أبقراط، وظلّ هذا الكتاب المرجع الطبي الأساسي في أوروبا مدّة تزيد على أربعمائة عام، كما كتب الرازي في الكيمياء، وهو أحد الأوائل الذين جعلوا الكيمياء علماً يمارس على طرائق علميـة وعملية وتجريبية.
وفي السياق الفكري ذاته الذي دافعت عبره السلطة عن قرارها نجد إن " ابن سينا " كتب في عدة علوم، ففي مجال الطب وضع قواعد علم الجراحة والتشريح، ومهّد السبيل للاكتشافات الطبية العظيمة التي حققها علم الطب الحديث، ووضع كتاب "القانون" في الصيدلة أورد فيه ما يزيد على السبعمائة عقار.
وكان " البيروني" عالما بالفلك وفيلسوفاً ورياضياً وجغرافياً، وكتابه في الفلك موسوعة تضمنت القوانين الطبيعية، ووضع كتاب الجواهر الخاص بالأوزان النوعية للمعادن والأحجار الثمينة، وعالج في كتابه الصيدلة، أنواع الأدوية.

ويعدّ "ابن البيطار من أعظم العباقرة في علم النبات والأدوية فهو سمّى حوالي ألف وأربعمائة نبات طبي مع شرح طرق استعمالها.

ووضع أبو القاسم الزهراوي كتاب "رسالة التصريف لمن عجز عن التأليف" ويُعَدُّ كتابا مدرسيا للجراحة يشتمل على أشكال وصور لآلات طبية ساعدت على وضع أسس علـم الجراحة في أوروبا.

ويعّد جابر بن حيّان من أوائل الأسماء التي مجدها الغرب ترجم كتبه إلى اللاتينية وكتابه " التراكيب " من أوائل الكتب العربية التي ترجمت إلى اللاتينية، وظلت كتبه في الكيمياء المرجع الأساسي لأوروبا في القرون الوسطى، واستمر أثرها حتى القرن الثامن عشر.

كما يعدّ الحسن بن الهيثم من أعظم علماء الطبيعيات، ويأتي على رأس قائمة علماء البصريات، وقد ترجم كتابه " المناظير " خمس مرات إلى اللاتينية، ونقل كثير من علماء أوروبا في البصريات وعلم الضوء من مؤلفاته.

ووضع " الخوارزمي " كتابين هامين في الرياضيات، حمل الأوّل منهما حساب الجبر والمقابلة لتصبح كلمة "الجبر" كلمة عالمية، والكتاب الثاني في علم المحاسبة شرح فيه استخدام نظام الأعداد والأرقام، كما شرح طرق الجمع والطرح والقسمة وحساب الكسور. وترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية، واستعاض الأوروبيون بالأرقام الرومانية المعقدة الأرقام العربية البسيط. والصفر يعدّ من الاكتشافات المهمة التي أشار إليها الخوارزمي، وعن طريقه استطاعوا بناء الأرقام.
وهكذا كانت الحجة "إذا كنا اليوم نروم استنبات العلم عربيا والتعبير عن العلم بالعربية فما ذلك إلا لاستمرار أمتنا العربية، وربط لماضيها المجيد بحاضرها الذي نوده مشرقا وبنّاء وفعّالا في مسيرة الحضارة البشرية"، لكن ما فات أصحاب ذلك المبدأ، إن العالم المعاصر وبخاصة في عصور النهضة احتاج عقوداً طويلة وعمل مؤسسي ضخم ومتكامل ليترجم العلوم والمعارف من العربية إلى لغاته، وتحديدا اللاتينية، مثلما احتاج العرب مثل هذا العمل الضخم حين اقام العباسيون "بيت الحكمة" الذي استقطب معظم أهل المعرفة من كل الأمصار الإسلامية، فضلاً عن الدعم الواسع الذي قدمه الخليفة المأمون لكل نتاج في الترجمة من اليونانية إلى العربية، وهو عمل أخذ وقتاً طويلاً وجهداً واسعاً.

فرع مطعم "ويمبي" العالمي الشهير في الكرداة/خارج ببغداد وقد صار "وهبي"!

وفي الموجة الثانية من التعريب القسري المتمثلة بالتغيير الإجباري لعناوين علامات تجارية معروفة عالمياً، كانت هناك طرائف تتعلق بالحال التي انتهت إليها أسماء محال كان أغلبها فرعاً محلياً لأجنبية شهيرة، فصارت "باتا" الشركة الكندية الشهيرة للأحذية والصناعات الجلدية والحاضرة بقوة في الذاكرة العراقية المعاصرة، "الشركة العامة للجلود" ولاحقاً "جلود" فقط، وصار محل "أيف" الشهير في شارع النهر للملبوسات والأقمشة النسائية الشهيرة "محل حواء"، وغير ذلك من التعريب الذي كان مضحكاً في أحايين كثيرة، منها ما يتعلق بفرعين لمطعم "ومبي" افتتحا في أوائل ثمانينات القرن الماضي ببغداد، أحدهما في الكرداة خارج/مقابل مطعم همبركر أبو يونان، والثاني في المنصور خلف عمارة الرواد.
المثير في "التعريب" القسري بعد أن طال مطعم المأكولات السريعة الشهير الذي بدأ العمل في شيكاغو الأمريكية 1934، هو مراعاة موسيقى الاسم، فبدلاً من "ويمبي" صار "وهبي" (الصورة هي لفرع المطعم في الكرادة 1982 وهي من أرشيف المدون العراقي علي مؤيد)، في لعب موفق على الاسم وموسيقاه، لكنه البعيد عن سلسلة اشقائه من الفروع الأخرى على امتداد العالم. وليس سراً ان تلك اللحظات مثلت بداية القطيعة التي تواصلت فصولا بين العراق والعالم، حتى جعلته جزيرة معزولة أو يكاد.





 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM