نقد أدبي  



من التاريخ القريب للأدب العراقي 1: مثقفون حيال الحرب في 2003

تاريخ النشر       12/12/2018 06:00 AM


مثقفون حيال الحرب: يكرهون صدام ويرفضون أميركا!

علي عبد الأمير*
يقول القاص والصحافي العراقي المقيم في عمّان علي السوداني: "هل هي ازدواجية، أم معمعة؟" في إشارة اإلى إنه "يكره صدام لكنه لا يحب أميركا"، موضحاً في رده على أسئلة "الحياة" حول موقف المثقفين العراقيين في العاصمة الأردنية من الحرب الأميركية المعلن هدفها "إسقاط نظام الرئيس صدام حسين" إن انقساماً حاداً بات يعانيه الى جانب عشرات من زملائه العراقيين الذين وجدوا في عمّان ملاذاً في موقفه حيال الحرب، فهو يتمنى نهاية الديكتاتورية في بلاده كي يعود الى بغداد التي يعشق، لكنه يخاف على الناس من "صواريخ أميركا التي لا ترحم".
ويقول صاحب قصص "الرجل النازل": "ما هو عدد دقات قلبك بالضبط، وانت ترى فجر بغداد الجميلة، تنغرس في هدأته الصواريخ. يا للمحنة ويا للمشقة ويا للازدواجية التي تشطر الروح وتعصر القلب وتفتت الجسد". 
وفيما يقول السوداني الذي على غير عادة المثقفين العراقيين فضّل البقاء في الأردن على اللجوء الى الغرب: "أنت تكره صدام حسين منتظراً بلذة، مشهده يلهث في أزقة بغداد، ويتقافز على سطوحها من دار إ دار كما لص جبان بعباءة سوداء، ولكن هل يكفي هذا الفرح؟ ماذا عن صواريخ أميركا التي تكرهها، بل ماذا عن وجبة اليورانيوم الجديدة التي تهيأ لبغدادك الحلوة إذا ما أخذها صدام المريض رهينة"؟

مثقفون عراقيون في مقهى "السنترال" وسط العاصمة الأردنية 2002: من اليمين، ناظم عودة، علي بدر، رعد كريم عزيز، سعيد الغانمي، حكمت الحاج (كان زائرا) واستناد حداد

تماسيح حرب أخرى
الناقد سعيد الغانمي تخلى وهو يجيب "الحياة" عن سؤالها عن صرامته العقلية والتحليلية النقدية فاختار نصاً أشبه بلغة الشعر وصف فيه موقفه من الحرب:
"ها هي تماسيح حرب أخرى تتسلق سماء العراق لتزحف إلى أطفاله. فيتساءل صبي صغير كم من صواريخ سكود ينبغي لي أن أجتاز لأصل إلى صدر أمي! تهدر صفارات الإنذار معلنةً بدء حوار القنابل والدبابات، ومحولةً برنامج "الغذاء في مقابل النفط" إلى برنامج هواء في مقابل النفط. فقد تناقصت كمية الأوكسجين في أكياس الفضاء المعلب". 
ويوضح الغانمي "ها هي حرب أخرى تترعرع فوق جثتك يا أبي، وتندلع من أجل قبرك. ها هي ملائكة الحروب تتخاصم بخراطيم الأسلحة الالكترونية وتتسابق لإرضاع ذلك الرضيع اليتيم من حليب أحقادها. ها هم الجنرالات يتسابقون للوصول إلى مدرسة الأموات، ويدقون جرسها ليعلنوا القيامة عليها. أيها الأموات، يا من شبعتم من الموت، نعلن عليكم الموت باسمكم من أجل الحياة. ملائكة مدججون بصواريخ سكود وباتريوت، يقتحمون عزلة أحلامك أيها الشيخ الحالم برؤية وحيده البعيد، ليعرفوا أياً منهم أحق برثائك. تتكاثر الحروب حول قبرك، يا أبي، وأنت الغافل عنها، أنت الزاهد فيها، المعرض عنها لتمارس حرية أحلام موتك. تصحو من نومك القلق، وتنظر من نافذة كهفك الضيقة، لتتساءل: أكلّ هذه الحروب من أجل قبر؟ ها أنت أسير قاتليك، الذين يصطرعون بحثاً عن أفضل السبل العصرية لدفنك. إجمع أطفال القيامة، يا أبي، وشيوخها واهتف فيهم: كم من الحروب ترتكب من أجلك أيتها الحرية؟ كم من الحروب ترتكب باسمك أيتها القيامة؟".

لا صاحب ضمير يتعاطف مع الحرب
ويقول القاص والمترجم عبدالجبار ناصر: "لا يتعاطف مع الحرب، أي حرب، إلا مخبول أو أناني أو تاجر حرب، لكننا إزاء حرب لا نملك حيلة أخرى غيرها لركوبها للخلاص من نظام قاس متخلف، فلولا هذه الحرب لامتدّ عهد الظلم والاستبداد لقرن أو اكثر. ليس بمستطاع العراقيين العزَّل التغلب على نظام أسس ركائز وجوده على قوى الأمن والاستخبارات والوحدات الخاصة ومجاميع الاعدام وفصائل الاغتيال وتحكيم الرأي الواحد والحزب الواحد".
ويضيف ناصر الذي عرف تجربة قاسية في حرب بلاده مع إيران وكان أحد ضحاياها فأصبح أسيراً لنحو تسع سنوات: "من يعيش مأساة العراقيين سيفضل السكوت إن لم يدن الطاغية ويعلن المساندة والوقوف إلى جانب الضحية، لا الاختباء وراء يافطة معاداة الحرب. السلام الحقيقي هو ان تنعم الشعوب بحريتها وكرامتها وقد شاء قدرنا أن نبحث في الحرب عن سلامنا المفقود. الحروب مدمرة، لكن ما أحدثه صدام من دمار يفوق دمار حرب بأكملها. لقد زجنا في ثلاث حروب وهذا يكفي".

ساحة قتال منذ عام 1968
الناقد والشاعر العراقي ناظم عودة يقول موضحاً موقفه الرافض للحرب: "ليست ثمة شرعية وطنية لصدام حسين في حكم العراق، وليست ثمة شرعية دولية للولايات المتحدة". ويزيد عودة: "نحن في ساحة قتال منذ عام 1968، شوارعنا وبيوتنا ومؤسساتنا وأبداننا ليست سوى ميادين قتال أنشأها النظام، الذي اعتقد العراقيون انه سيمنحهم الأمان. ولو نظرنا نظرةً واقعية إلى الواقع السياسي الساخن الآن، لوجدنا إن محرك هذا الواقع ليس الرئيس العراقي وإنما الأهداف الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة". 
وينتهي صاحب كتاب "أصول نظرية التلقي" إلى القول: "إننا في لحظة تاريخية حرجة، فكلا الخيارين صعب: صدام موت وأميركا موت. وليس لديّ سوى أن أضع غصن زيتون على بلدي وأبكي".







*عمّان، "الحياة" 26 آذار/مارس 2003.



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM