نقد أدبي  



من التاريخ القريب للأدب العراقي2: حرب 2003 توقد النار في غضب سعدي يوسف

تاريخ النشر       14/12/2018 06:00 AM


علي عبد الأمير*
بين اعتبارها "عدواناً همجياً" وكونها "حرباً من أجل الحرية"، انقسم المثقفون العراقيون المنفيون في علاقتهم بالحرب فيما كان ثمة موقف يدين الحرب الأميركية و"الديكتاتورية" في بغداد على حد سواء. وتوفر مواقع الإنترنت العراقية التي أنشأها المنفيون في الخارج وبعض المواقع العربية، فرصة للتعرف على أجواء الانقسام المحتدمة بين المثقفين العراقيين حيال مواقفهم من الحرب. ولم تقتصر حدود الانقسام على خريطة "مع" أو "ضد" وحسب، بل انتقلت إلى تراشق بالاتهامات فجّرته الحرب. 

سعدي يوسف: مؤيدو الحرب انسلخوا عن وطنيتهم العراقية

الشاعرُ المقيم في لندن سعدي يوسف اتهم المثقفين العاملين في وسائل أعلام المعارضة بالعمالة لـ "وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية"، معتبراً انهم "انسلخوا عن وطنيتهم العراقية".
وقال صاحب "الأخضر بن يوسف ومشاغله" في مقال نشره موقع "كتابات" المجهول في هيئة تحريره ويضع شعار "موقع يحرره كتابه" إن المثقفين العراقيين عملوا في "الجهد الإعلامي الأميركي" المتمثل بإعلام المعارضة ومؤسسات بحث فكرية وأدبية: "منذ حرب الخليج الثانية غزو الكويت، بدأ الانخراطُ الأول لمثقفين عراقيين، في الجهد الإعلامي الأميركي المتمثلِ في صحيفةٍ كـ"المؤتمر" اللندنية، أو في إذاعةٍ كتلك التي يتولى بعضَ شأنها ابراهيم الزبيدي، وتبثّ برامجها من شبه الجزيــرة العربية، والأخرى التي يضطلع كامران قرداغي بمسؤولية فيها، وتبثّ برامجها من وسط أوروبا الحرة، من العاصمة التشيكية براغ تحديداً" إضافةً إلى عدد من مراكز "البحث" وجمع المعلومات، والجمعيات، والتجمعات السياسية والدينية، بل الأدبية، مجلة "المسلّـة" مثلاً".

"باعوا أنفسهم للشيطان" 
ويهاجم سعدي يوسف نظراءه من المثقفين العراقيين العاملين في وسائل إعلام المعارضة واصفاً إياهم: "الحقّ يقال إن معظم المثقفين العراقيين المنخرطين في أنشطة الـ سي آي إي ليسوا ذوي أهميةٍ في الجسم الثقافي الوطني العراقي، حتى من نصّبَ نفسه أميراً على العراق وآمراً مثل كنعان مكية يظلُّ كاتباً غير ذي شأنٍ في البانوراما العريضة للثقافة العراقية. كما أن العاملين العراقيين في صحافة الاستخبارات المركزية الأميركية يصنَّـفون متقاعدين أو فاشلين إبداعياً على العموم، وربما كان الحصول على الأجر دافعاً أساساً لهم في العمل، وهو أمرٌ مفهوم" ويؤكد ان الذين "باعوا أنفسهم للشيطان" لم يعودوا مواطنين عراقيين: "المتعاونون الآن، فقدوا، مع الزمن، الإحساسَ بالأرض الأولى، واكتسبوا جنسياتٍ أخرى، فلم يعودوا قانونياً مواطنين عراقيين".
غير إن وصف الحرب باعتبارها "من أجل الحرية" جاء ممن لم يعملوا في إعلام المعارضة وليس ممن اعـتبرهم سعدي يوسف "مثقفي الـ"سي آي ايه". فكتب الباحث الأكاديمي العراقي والخبير في اليونيسكو رياض الأمير مقالة جاء فيها: "في هذه الأيام العصيبات الحبـلى بالأمل الذي انـتـظره العراقيون عقوداً، في هذه الأيام التي تسيل فيها دماء العراقيين والأميركيين والبريطانيين من أجل إزاحة أكبر طاغية مر في تأريخ العراق، ما زالت تحبر أقلام البعض سطوراً ليس فيها أدنى شعور وطني عراقي في التعرض لمعارضين عراقيين أو الولايات المتحدة الأميركية حليفة الشعب العراقي الآن".

ويلفت الأمير المقيم في فيينا إلى إن "الهجوم على أميركا، في هذا الوقت تحديداً جريمة بحق العراق ومستقبله، ولا عذر للشاتم، ومن أي زاوية ينظر. وإن كان فارساً لما بقي يستمتع بالمساعدات الاجتماعية من الدول الرأسمالية ويحارب الإمبريالية باللسان، فإن كان ذاك أو غيره شجاعاً ليأخذ مديته ويذهب للدفـاع عن الطاغية في بغداد ضد محرري العراق من الأميركيين والبريطانيين والعراقيين".

"من أجل السلام والديموقراطية" 
ومثل هذا الموقف يعبر عنه الكاتب المقيم في السويد عبد الخالق حسين في مقالة نشرها موقع "ايلاف" يشير فيها: "هذه الحرب هي من أجل السلام والديموقراطية والازدهار والاستقرار في العراق والشرق الأوسط. هذه الحرب أشبه بعملية قيصرية لولادة عراق جديد يبشر بخير عميم ومستقبل مشرق ليس للعراق فحسب بل لدول المنطقة كلها. وعلى المثقفين والتكنوقراطيين العراقيين أن يتهيأوا للمساهمة في بناء عراق جديد ديموقراطي مزدهر خال من الظلم والقهر والاستلاب. حقاً إنها حرب من أجل السلام والبناء والحرية".

وفي الجانب الآخر يتصدى الكاتب والمعلق المقيم في سويسرا علاء اللامي للحرب الأميركية بصفتها "عدواناً همجياً" عبر سلسلة من المقالات التي يصور فيها "المجزرة الديموقراطية الأميركية" وفي واحدة منها يكتب اللامي:
"فعلها المجرم بوش وقتل أطفال البصرة وعجن لحمهم الشريف بتراب العراق على مرأى السفلة والشرفاء والمؤمنين والكفار... فعلها المتصهين بوش وهرس حياة أطفالنا البصراويين بقنابله الشيطانية! فليهنأ اليسار واليمين في المعارضة العراقية العاهرة، فليهنأ العلمانيون الشواذ والإسلاميون المنافقون العملاء، فليهنأ قادة الأحزاب الكردية الغبية المعادية للأمة الكردية، فليهنأ المثقفون الباردون".

وفي الموقف الذي يهاجم الحرب والديكتاتورية معاً، ينشط كتاب ومعلقون عراقيون، كأن يكتب ضياء الحافظ: "الموقف الحيادي ممكن ان يكون امراً سهلاً لغير العراقي مهما كان توجهه، أما نحن فحتى هذه الفرصة لم تكن ميسورةً لنا، لأن الحياد فيها يعني أن تلغي نفسك وذاتك وهواجسك وهو أمرٌ لا يمكن أن نحظى به لأننا في وسط الحدث وجزء منه".
وفي باب التوجس من النيات الأميركية يقول: "حاولت بجدية وقوة أن أقنع نفسي من خلال كثير من الشواهد والوقائع ومن خلال كلمات بعض الاصدقاء إن الجندي الأميركي وقادته وساسته وشعبه، طيبون يحملون قيماً انسانية وأخلاقاً عالية تضحوية ولتكن لهم بعض المصالح التي يحاولون ان يحافظوا عليها ولكن هذا لا يمنع من طيبتهم ونبلهم، حاولت ان اقنع نفسي بذلك... ولكنني تذكرت قمع أطفال فلسطين وذبح رجال فلسطين ومصادرة أموالهم وبيوتهم بقسوة ووحشية من دون أن يتحرك العالم الغربي أو يرفّ له جفن".

تيار معارض للحرب 
الشاعر المقيم في هولندا كمال سبتي يقول عن تيار معارض للحرب بين المثقفين العراقيين: "يقف التيار غير الحزبي داخل الحركة الأدبية العراقية ليقول لا للحرب. والتيار غير الحزبي، تيار واسع عماده الأسماء المعروفة بثقافتها الجدية وحياتها المريرة في المنفى. تيار قال لا للاحزاب قبل أن يقول لا للحرب، أبطاله مشردون في المنافي، جياع، لا يملكون البيوت في العواصم الاوروبية الكبرى، ولا حسابات سرية، غير انهم في مرارة حياتهم وفي منطق التاريخ، الوحيد، والقاسي: هم أدباء العراق".
ويؤكد صاحب ديوان "آخر المدن المقدسة" إن تغيير النظام في العراق كان يمكن إن يكون سلمياً: "يقول أدباء هذا التيار لا للحرب، لأنهم متيقنون تماماً من إن الغرب يستطيع تغيير الديكتاتورية - لو أراد - عبر الأمم المتحدة من دون حرب، كما فعل مع عدد من الحكام الديكتاتوريين في قارات مختلفة، عندما اجبرهم على قبول اجراء انتخابات تحت اشراف الأمم المتحدة، فاز فيها ممثلون ديموقراطيون، انهوا الديكتاتورية في ما بعد، وأرسوا أسس الديموقراطية في بلادهم. فلماذا لا يصح علينا ما صحّ على غيرنا؟".

*عمّان- علي عبد الأمير، "الحياة" 3 نيسان/أبريل 2003



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM