عن مخمل الأغنية البريطانية.. شاداي آدو

تاريخ النشر       17/01/2019 06:00 AM


علي عبد الأمير

السمراء النيجيرية الأصل شادي آدو، Sade Adu تلك القادمة من أعماق قرية صغيرة بنيجيريا والملوحة بلون بشرتها السمراء حيث الأب النيجيري وتلك الأجواء الفنية المتألقة التي نقلتها إليها الأم الإنجليزية وبالذات تعرفها على هذه المعالم اثناء دراستها في الجامعة، ها هي تحمل في عمق صوتها وروحها تلك الأصول العريقة لألحان أبدعها الأميركيون الأفارقة ومنها كان (الجاز) و (البلوز).
وعلى امتداد عقود عدة تأثر الذوق الموسيقي المعاصر بمثل هذه الألوان الرائعة، ونوعا ما كانت الأغنية البريطانية بعيدة عن أجواء التأثر هذه ولم تسجل ذلك الحضور القوي لهذه الألوان.
وفي سطوة اكتساح الموجة الجديدة و (موسيقى البانك) والألحان التي لا تستند على (ميلودي) متميز تلك التي تخلت عن الايقاعات المألوفة، ظهرت مجموعة غنائية حملت عنوان (حياة ألماسية) أو Diamond Life، تميزت على امتداد اغنياتها قاطبة بتلك اللمسات الهادئة والاخاذة التي يتركها لحن الجاز وايقاعات البلوز وذلك الصوت الدافئ للمغنية الرائعة (شادي آدو).




وهي منذ عام* تقريبا ظلت في أغاني مجموعتها تحقق صدارة يبدو انها لن تنسى ولن تخفت بريقاً، وها هي منذ فترة قريبة تكتسح قوائم الشهرة الأمريكية التي ظلت وكما عودتنا غريبة عن فهم الذوق البريطاني الأصل وعدم التساهل في منافسته لأنماط اللحن الامريكي وبالتالي تضييق حصاره في عدم وصوله إلى مستمعي اللحن الجديد هناك. ولكن ذلك انهار أمام متعة وقوة ابهار هذه المغنية وها هي أغنياتها في معظم أصناف اللحن الأمريكي تتألق أسبوعا بعد آخر.
وفي أحد أحاديث هذه المغنية أشارت الى ميلها الشديد الى تقديم الالحان الهادئة ذات النغم الطري والدافئ، وهي في ذلك تكتب ألحانا فيها حصة متميزة لآلة (الساكسفون) التي يبدع في العزف عليها (ستيوارت ماثيومان) زميلها في الفريق الغنائي، وهي لبراعة هذا العازف في تأكيد أجواء لحن الجاز في اغانيها، تشعر بالارتياح التام للوقوف معه على خشبة المسرح اثناء تقديم حفلات الغناء الحية.


وكم كان ذلك ممتعاً بحق في إحدى اغانيها المصورة على فلم فيديو (يور لوف إز كنج) وإذا كانت اغنيتها (المتمرس ... سموث أوبيريتر) حملت تلك الافتتاحية لإيقاعات اللحن القريبة الى المغنية ذوقياً فان اغنية (معلق بحبك ... هانج أون تو يور لوف) جاءت على أجنحة ايقاع لا يخلو من لمسة راقصة وبصوت مدهش كالذي تسمعنا أياه (شادي). لقد كانت تلك الأغنية بحق أشمل وأعذب تعريف لمعنى كلمة الأغنية، فهي تحفل بكل شيء وبصياغة لحنية شديدة الاناقة ...
وبما ان لكل مغن (الأغنية – بطاقة التعريف) فلهذه المغنية بطاقة تعريفها لمستمعي اللحن الجديد في بقاع عديدة من العالم وهي اغنيتها الهادئة "يور لوف إز كنج" التي حققت بها في صيف عام 1984 أجمل دخول لقوائم الشهرة وحققت بها نجاحا تستحقه لتلك اللمسة المبتكرة التي جاءت بها الاغنية.
ان هذه المغنية القوية الملامح، الدافئة الصوت، الصانعة الماهرة لألحان تلونت بحزن شفاف، استطاعت بقدراتها المتميزة وبوعيها لفنون الاداء الغنائي واستيعابها لكل الانجاز التاريخي لألحان (الجاز) و (البلوز) ان تقدم لنا في (ألماستها) الموسيقية الشديدة التوهج لمسة رائعة من موسيقى وألحان هادئة لذيذة.

صوت يتجدد

وفرة من ألحان الجاز، هذا ما طالعتنا به المغنية السمراء (شادي) في مجموعتها الغنائية الثانية** (وعد ...promise) ومع تلك الوفرة، أكدت بعض اللمسات التي كانت قد وضعتها، على أغنيات مجموعتها الأولى، وبذلك تكون صاحبة الصوت الذي يزداد اشراقا من اغنية الى اخرى قد استغرقت تماما في لون الجاز المعاصر. منفصلة في ذات الوقت عن غرائبية ايقاعات الموجة الجديدة في الاغنية.
ان هذه المغنية، تبدو وقد نضجت تجربتها، إذ استطاعت ان تؤدي الالحان بتفوق واضح وفي تعبير جيد عن قوة المعاني التي زخرت بها الاغنيات التي مالت عموما للهدوء ورافق المغنية فريقها الثلاثي الذي أسهم في تنفيذ الاغنيات بتقنية عالية، حيث كان (ستيوارت ميثومان) يوزع لمساته المبدعة في عزفه البارع على الساكسفون وتميزت الالحان بقدرتها على شد المستمع منذ الوهلة الأولى. فحفلت بالانتقالات والتنويعات كما في (جريمة)، تلك الافتتاحية القوية جدا لاغنيات المجموعة كما ان لحن (عمل بدائي لذيذ) الذي نال شهرة واسعة منذ الظهور الأول للمجموعة شهد للمغنية على قدرتها في التعبير عن ايحاءات من جمال خفي، طافت به على أرض نشأتها الأولى في أفريقيا.


وكان الايقاع الهاديء عموما والغني بالمعنى سببا في عدم نيل المغنية لنجاحات سريعة كما هو الحال عند الآخرين لانها حقا ليست عابرة, تلك الأغنيات، ولا تعتمد ارضاء المشاعر السهلة وتقديمها فيما يشبه الصرعة الغنائية، وفي استماعنا للمجموعة كعمل موسيقي متكامل، سنجد الفرصة مواتية في الانصات لايقاع يثير في الروح مشاعر انسانية شتى فالاغنيات تنتهي بطريقة ترسم مشهدا لانسان وحيد بعد منتصف الليل، مشغول بمشاعر عميقة واغنية (خوف) تجسد هذا المعنى، ففي ضربات الغيتار الاسباني ولمسة الكمان المنفرد وهدير صوت الساكسفون ورخامة الكونترباس والبحة اللذيذة في صوت المغنية، ايجاز لعذوبة الغناء وقدرته على الايحاء.

*علي عبد الأمير، مجلة "فنون" العدد 279 - 1985
**علي عبد الأمير، مجلة "فنون" العدد 290 24 آذار/مارس 1986





 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM