نقد أدبي  



رحيل ابن العمدة المصري الذي صار مترجم تشيخوف إلى العربية

تاريخ النشر       03/03/2019 06:00 AM


علي عبد الأمير

أعلنت وسائل اعلام مصرية، الأحد، رحيل مترجم الأدب الروسي وأستاذه أبو بكر يوسف الذي يتذكره القراء العرب، وتحديداً قراء الأدب المترجم، ترجماته البارعة لأعمال الأدباء الروس العظام: تشيخوف، غوغول، بوشكين، ألكسندر بلوك وغيرهم، والتي ظهرت في اصدرات "دار التقدم" ثم "رادوغا". 
في أوائل ستينيات القرن الماضي وفي قلب موسكو استجمع شابٌ مصريٌ طموح شجاعته واحتشد بكل ما تعلمه وقرأه خلال ثلاث سنوات من دراسة الروسية لغةً وأدباً وشرع في ترجمة إحدى قصص العبقري أنطون تشيخوف وبعد أن أتم الترجمة تلاها بصوت عالٍ ثم قال لنفسه "لا يا أبو بكر: تشيكوف يستحق مترجماً أفضل، وانكبّ على تطوير أدواته ومعارفه عشرين سنة حتى صار هو نفسه هذا المترجم الأفضل إذ شرع حينذاك في نقل أهم أعمال تشيكوف إلى العربية مجلداً تلو الآخر. هكذا شق الدكتور أبو بكر يوسف طريقه الطويل من بيت أبيه العمدة في إحدى القرى المنسية بمصر إلى أن أصبح الناقل الأبرز لأهم الأعمال الأدبية الروسية إلى اللسان العربي"(1).


الراحل أبو بكر يوسف وفي الإطار واحدة من مجلدات ترجمته أدب تشيخوف إلى العربية

وثمة موجة غريبة حملته إلى موسكو ودراسة الأدب الروسي وترجمته، ففي العام 1958 أنهى دراسته في مدرسة حكومية للمتفوقين "وكان ترتيبي الخامس في القسم الأدبي بين طلاب الجمهورية آنذاك، في تلك السنة أيضا صدر قرار من وزارة التعليم المصرية بإيفاد حوالي ثلاثين طالباً من أوائل الثانوية العامة إلى الاتحاد السوفيتي للدراسة هناك في مختلف التخصصات العلمية والهندسية وتخصص واحد في اللغة الروسية وكنت أنا الذي أرسل في هذا التخصص"(2).

عن تلك الفترة العجيبة وصعود موسكو في العواصم العربية يقول أستاذ الأدب الروسي والمترجم العراقي د. ضياء نافع عن زميله حينها أبو بكر يوسف "تعارفنا عام 1960 في كلية الآداب بجامعة موسكو، عندما التحقت في الصف الأول وكان أبو بكر يوسف عندها في الصف الثاني، وكنا نسكن في نفس القسم الداخلي للطلبة. كان المصري الوحيد بيننا (رغم ان مجموعة طلبة الجمهورية العربية المتحدة آنذاك كانت كبيرة)، وكان طالباً مجتهداً وملتزماً و يتميز بالرقة والمرح والهدوء وروح المجاملة والابتعاد عن المواقف السياسية المتطرفة والمتشنجة، التي كانت تسود في أوساط الطلبة العرب آنذاك. كنا– نحن الطلبة العراقيين –نؤيد عبد الكريم قاسم ونهجه السياسي، ولهذا كنا نحاول أن نتجنب الحديث معه حول عبد الناصر وموقفه المعروف من قاسم، وذلك احتراماً وتقديراً لشخصيته التي فرضها بتصرفاته ومواقفه وعقلانيته"(3).

وعلى ما يبدو فقد انقذت "الرقة والمرح والهدوء وروح المجاملة والابتعاد عن المواقف السياسية المتطرفة والمتشنجة" التي كان تمتع بها، أبو بكر يوسف، من غائلة الغلواء السياسي والمواقف المتطرفة التي تميز بها أقرانه العراقيون، ليتفرغ إلى مهمة عميقة غير اسفاف الولاء العقائدي والسياسي الأعمى، فقد كانت عيونه تتجه نحو شاعر روسيا الأكبر وتأثيره بوشكين "ارتبطت به هنا في موسكو من خلال ترجماتي ومن خلال رؤيتي اليومية لتمثاله من نوافذ جريدة "أنباء موسكو" التي كنت أشتغل فيها في فترة من فترات حياتي"(4).

 بعد ما أنهى دراسته الجامعية عاد إلى مصر وعمل معيداً بكلية الألسن بجامعة عين شمس، وكان يدرّس الأدب الروسي واللغة الروسية ومادة الترجمة أيضا. ثم ما لبث أن عاد بكر وأسرته الصغيرة (زوجته الروسية وابنه)  إلى موسكو عام 1968 ليشرع في نيل درجة الدكتوراه،  لتبدأ أخصب فترات حياته علمياً وإنسانياً، فقد قرّر أن يتحدى الاتهام النقدي الشائع بأن ترجمته هي "خيانة بحكم الضرورة للنص المترجم".
في تلك الفترة كانت "دار التقدم" في موسكو تعتبر من أكبر دور النشر في الاتحاد السوفيتي، وكان يعمل فيها مئات المترجمين والمراجعين والمصححين والمستعربين لترجمة الكتب من اللغة الروسية إلى أكثر من خمسين لغة من لغات العالم "في هذه الدار عملت فترة في ترجمة الأدب ثم ظهرت دار "رادوغا" المتخصصة في ترجمة الأدب فانتقلت إليها حيث عملت مع نخبة من المترجمين العرب وأذكر منهم على وجه الخصوص الكاتب العراقي الكبير غائب طعمة فرمان والشاعر السوداني المعروف جيلي عبد الرحمن وآخرين وكانت هذه الدار و"دار التقدم" قد لعبت في ذلك الحين حتى نهاية الاتحاد السوفيتي دوراً بارزاً في تعريف القارئ العربي والقراء الأجانب عامة بالأدب الروسي من القرن التاسع عشر والقرن العشرين".(5)

وعن الدأاب الذي كان عليه الرحل في تلك الفترة يقول د. نافع "كنت أزور موسكو بعض الأحيان وكنت أحرص أن ألتقيه، وكنت شاهداً على بدايات نشاطاته الترجمية التي انطلقت آنذاك ومتابعا لها، وكنت سعيداً أن أرى – بوضوح ساطع - ميلاد مترجم كبير ونجم جديد في سماء الأفق العربي- الروسي الأدبي. بعد أن عدت أنا إلى العراق، كنت حريصاً دائما على اقتناء الكتب التي يقوم بترجمتها حسب ما كانت تسمح به ظروف العراق آنذاك وكنت أفخر بها وأتحدث حولها أمام زملائي الآخرين وأخبرهم بان المترجم هذا هو صديقي، وحاولت دائما أن أدعو طلبتي في قسم اللغة الروسية ان يطالعوها"(6).

عندما طرحت عليه فكرة ترجمة كتاب لقصص تشيخوف اقترح بدوره أن لا يقتصر هذا الأمر على ترجمة كتاب واحد وإنما ترجمة أعمال مختارة لهذا الأديب العظيم من ستة مجلدات، فقوبل هذا الاقتراح بترحاب وبدأت "دار التقدم" لأول مرة في إخراج سلسلة مؤلفات مختارة للكتاب الروس وكان لأبي بكر يوسف شرف البداية في ترجمة أعمال الأديب الروسي أنطون تشيخوف إلى اللغة العربية لأول مرة من اللغة الروسية مباشرة، وقد قام بهذا العمل على مدار حوالي ثلاث سنوات، ثم أعيد طبع المجلدات من جديد مرة أخرى عن طريق "دار رادوغا" (قوس قزح) التي أصبحت متخصصة فيما بعد في إصدار الكتب الأدبية.

يقول يوسف "أعتقد أن هذا التجربة كانت مهمة جدا بالنسبة لي وشكلت معلم من معالم وجودي الثقافي والأدبي في هذه الفترة تلتها أيضا فكرة ترجمة كتاب كامل أو ديوان كامل لشاعر روسي معروف وهو ألكسندر بلوك لأنه كان المتبع في السابق أن تترجم عدة قصائد للشاعر الواحد لا أكثر ولكن تمكنت من ترجمة هذا الكتاب وصدر لأول مرة باللغة العربية ديوان كامل لشاعر روسي، من الأشياء التي أعتز بها أيضا في فترة عملي في حقل الترجمة ترجمة كتب أدب الأطفال وكنت تقريبا مع مترجم أو آخر من المترجمين نقوم بهذا العمل في دار التقدم أقصد ترجمة كتب قصص وروايات قصيرة وحكايات وكتب مصورة للأطفال بأقلام مشاهير الكتاب الروس المتخصصين في أدب الأطفال وقد قدمت للمكتبة العربية في هذا المجال حوالي ثلاثين كتاباًمن كتب الأطفال أعتقد أنها أثرت المكتبة بهذا النوع أو بهذا الجنس الأدبي الفريد"(7).
ترجم أبو بكر مؤلفات مختارة لبوشكين وليرمنتوف وغوغول وغوركي وكوبرين وشولوخوف وأشرف على إعادة طبع ترجمات المترجم الرائد الكبير الدكتور سامي الدروبي لروايات دستويفسكي الشهيرة وغيرها من المؤلفات الروسية الكلاسيكية، إضافة إلى مجموعة كبيرة من مؤلفات الأدباء السوفيات، ومنهم جنكيز آيتماتوف وبيكوف وماركوف وغيرهم. وقد منحه اتحاد أدباء روسيا عام 2000 عضوية الشرف تقديراً له على مساهماته الترجمية الكبيرة هذه، وهو أول مواطن مصري و عربي يحصل على هذا التكريم الرفيع في تاريخ اتحاد أدباء روسيا، وحصل أبو بكر يوسف كذلك على ميدالية بوشكين عام 2012 لمساهماته العميقة والمتشعبة بتعريف القراء العرب بالأدب الروسي.

المصادر
 (1): قناة الجزيرة، برنامج "من الوطن إلى المهجر" حلقة الترجمة وحلقة الوصل بين الروس والعرب- المترجم أبو بكر يوسف، 5 آذار/مارس 2007.
(2) المصدر ذاته.
(3) أبو بكر يوسف والأدب الروسي، د.ضياء نافع، "المدى" البغدادية 15 كانون الأول/ ديسمبر 2013.
(4) : قناة الجزيرة، برنامج "من الوطن إلى المهجر" حلقة الترجمة وحلقة الوصل بين الروس والعرب- المترجم أبو بكر يوسف، 5 آذار/مارس 2007.
(5): المصدر ذاته.
(6): أبو بكر يوسف والأدب الروسي، د.ضياء نافع، "المدى" البغدادية 15 كانون الأول/ ديسمبر 2013.
(7): قناة الجزيرة، برنامج "من الوطن إلى المهجر" حلقة الترجمة وحلقة الوصل بين الروس والعرب- المترجم أبو بكر يوسف، 5 آذار/مارس 2007.





 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM