أمين مقداد أو أن تستمع لموسيقي خرج من الجحيم للتو!

تاريخ النشر       01/12/2021 06:00 AM


علي عبدالأمير عجام

دائماً ما أقول حد التأكيد، أنه ليس من الصعوبة أن يكون لدينا عازف مجيد على آلة موسيقية، وأن هذا أمر وارد حد الوفرة، لكن التحدي الحقيقي هو في أن يكون لدينا مؤلف موسيقي يتوفر على عناصر من الجودة وليس المستوى المقبول وحسب.
أكتب الفكرة ذاتها مجدداً وأنا أحتفي هنا باسطوانة "المنعطف" أو "The Curve" الصادرة حديثاً للمؤلف الموسيقي العراقي الشاب والعازف على الكمان أمين مقداد Ameen Mokdad. الاسطوانة التي توثق رهافة النغم على الرغم من الأهوال التي عاشها صاحب الاسطوانة ومعه ملايين من أبناء الموصل والعراق والتي عناها إحتلال تنظيم داعش الارهابي لبيوتهم واستباحته حياتهم. من هنا كان أمين مقداد أول من جال بآلته الموسيقية بين خرائب مدينته يعزف لحياته ولجيله ولنغم بلاد تبدو عصية على الموت.



الأسطوانة هي كل ذخيرة الموسيقي الشاب النغمية والانسانية أيضا، وهو يقول لصاحب هذه السطور "كل ما موجود في هذا الألبوم تم تأليفه و تسجيله منزليا في العام و النصف الاول من محكوميتي في تلك المدينة التي تحولت إلى سجن كبير".
الجميل، بل المهم، أن أمين مقداد لم يتعكز على تلك الأزمة الإنسانية كي يقدم نفسه وفنه الموسيقي بل ظل مؤمنا بقدرة موسيقاه، ليس على التعبير عن تلك الأزمة وحسب، بل على أن تكون نغماً رفيعاً يكتمل وفق الشروط الفنية الخالصة التي يقتضيها العمل الموسيقي.


العازف والمؤلف أمين مقداد

وأحسن المؤلف/ العازف صنعاً في تسجيل مقطوعاته التي قاربت العشرين وتوزيعها ضمن فرقة موسيقية "كواترو بونتوس" الأميركية، كما وتم تسجيلها في الولايات المتحدة عدا مقطوعة "يوم في مملكة جحيم الامير" فهي كانت مسجة بين الموصل أيام الحرب و بغداد بعد خروجه إليها، وكان ذلك الإجراء قد وفّر للاسطوانة قدرة تقنية جيدة على الرغم من الملاحظات على بعض أداء الفرقة وخروج عازفيها أحياناً عن التون السليم.
أن مقطوعة افتتاحية في الأسطوانة (الألبوم) حملت عنوان "خوف" لتعطينا إحساساً واضحاً لا عن طبيعة "الرسالة" التي جاءت عليها، بل عن اقتدار في التأليف لجهة عناصر التعبير الجلية والمؤثرة فضلاً عن عناصر التصوير: الرعب الذي يحيط بكل ما هو انساني، الخطر بل الفناء الوشيك. هنا جسّد أمين مقداد كل تلك العناصر معاً برهافة واضحة وصدق عميق.
ومن مقطوعة "دموع الزهور" حيث الآسى ولكنه الشفيف الذي يعنى بالجوهر الانساني حتى في أقصى شقائه إلى مقطوعة "اللحظة الأولى/ الولادة" برشاقة نغمها الدال على معنى الولادة والتجدد رغم "غيوم" الكآبة والحزن الثقيل، وجاء توزيع المقطوعة الناجح لجهة إدخال الايقاعات والكمانات إلى جانب كمان العازف المنفرد، ليوفّر فسحة حيوية تعنيها الولادة ويعنيها التجدد.
شكراً جزيلاً أمين مقداد، لقد منحنتني شخصياً سبباً وجيهاً لإصراري على أهمية أن يكون لموسيقانا العراقية والعربية بعامة مؤلف موسيقي مجيد آخر، وها أنت تتقدم نحو تلك الصفة بثقة، وبما يوفّر لفنوننا الأدائية كالمسرح والسينما والتلفزيون عنصراً مهماً هو الموسيقى التصويرية وأنغامك تؤكد حضورك الواعد في هذا المجال.



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM