سهرة أخيرة في بغداد قبل أن تعرف كوابيسها الرهيبة

تاريخ النشر       28/07/2022 06:00 AM


علي عبدالأمير عجام

نحن الآن في بغداد تحديدا في آواخر 1978، بل في ليلة العام الأخيرة، التي كانت ليلة فيلم "حمى ليل السبت"، حين حمل صاحب محل تسجيلات "الفن الحديث"، الذي عملت فيه من خريف ذلك العام حتى اغلاقه في صيف العام التالي، أسطوانة الفيلم ذائع الشهرة في معظم عواصم الغرب وتحديدا في نيويورك ولندن.
كانت الأغنيات الناجحة في الفيلم التي صاغها فريق "البيجيز" فضلاً عن موسيقاه، قد وصلت إلى بغداد قبل ذلك مسجلة عبر أشرطة الكاسيت، ولكن متعة أن تكون على اسطوانة بنقاء صوت خرافي وبغلاف هو صورة من الفيلم يجسدها ممثله غير المعروف (حينها) جون ترافولتا، فهي متعة حقيقية.
في الإسطوانة ما هو جميل من النغم غير الذي غنّاه باري غيب وأخوته ضمن فريق "البيجيز"، ومنها أغنية "مور ذان أوومان" التي جاءت بصيغتين، الأولى بصوت باري وأخوته، والثانية وهي الأجمل عندي بصوت فريق "تافاريس"، كذلك الأغنية الطويلة "ديسكو انفيرنو".


أسند لي الأخ والصديق الكريم صاحب المحل، عبد الزهرة (أبو حكيم)، مهمة تنسيق الأغنيات بعد أن حملنا في سيارته المعدات اللازمة لحفلة صاخبة حقيقية: أكثر من جهاز تشغيل كاسيت وجهاز تشغيل الأسطوانات (غرامافون) وجهاز تضخيم الصوت (أمبليفاير) مع 4 سماعات صوت ضخمة.

صاحب محل "صوت الفن" الأخ والصديق عبد الزهرة (أبو حكيم)

كمبتهجين في تلك الليلة، استمتعنا حد الجذل بأغنية "If I Can't Have You" أو "اذا لم أحظ بك"، فهي تحقق لنا في تلك الليلة العاصفة بالبهجة والصخب الروحي، عصفورين بحجر، فهي أغنية من إيقاع الديسكو الذي هزّ العالم مثلما هي جاءت بصوت غاية في العذوبة والرقة المجروحة حسب اداء المغنية إيفوني إيلمان.
كما ابتهجنا في الحفل الجميل الذي تواصل حتى وجه الصبح، مع أنغام أغنيتين ظلتا تدوران في أسماعنا، الأولى هي " كم هو عميق حبك" أو " How Deep Is Your Love " لفريق البيجيز والثانية كانت أغنية النجمة إيلمان التي داعبت أحلامنا "الهيبيزية" ونحن في اعدادية المأمون حين عرفتها متمردة صغيرة وهي تؤدي دورها في المسرحية الغنائية المثيرة للجدل "المسيح بوصفه سوبر ستار".
وفي الوقت الذي كان صوتها يوصلنا حد الجذل في أغنيتها الجميلة حقا، كانت أيفوني ترسخ اسمها في عالم موسيقى الديسكو والبوب عموما، إلا انها لاحقا صدمت الكثير من محبي طريقتها الروحية في الغناء، حين قررت التوقف عن الغناء والإنصراف الى طفليها وعائلتها، دون نسيان أغنيتها الجميلة الأخرى " أحبني رجاء" أو " love me please".

موسيقى مورودر الأليكترونية الراقصة
كان الأخ أبو حكيم اقتنى في سفرة إلى خارج البلاد قبل فترة من تلك الحفلة أسطوانة بدت غريبة في إيقاعاتها الراقصة، تضم مقطوعات مكتوبة وفق أسلوب الموسيقى الأليكترونية للأيطالي الأصل جيورجيو مورودر. صحيح أنها موسيقى قريبة إلى إيقاعات الديسكو السائدة والمطلوبة تلك الأيام، لكنها بدت غريبة ومثيرة في دعوتها للمستمعين إلى مزيد من الحيوية والرقص.
أخترت من تلك الأسطوانة مقطوعة Midnight express التي بدت مناسبة جداً لأجواء تلك الليلة ثم لاحقاً مقطوعة Chase التي انفعل معها الحضور بحب نساءً ورجالاً.


لاحقاً قرأت أن مؤلف المقطوعة فاز عنها بجائز أوسكار عن أفضل موسيقى في فيلم حمل العنوان ذاته Midnight express للمخرج آلان باركر.
مع صيف العام 1979 حين اعتلى المتوحش سدّة البلاد، انتهى رسمياً موعد بغداد مع الأحلام لتبدأ زمن كوابيسها الممتد حتى اليوم.



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM