مقالات  



الذكاء الإصطناعي والكتابة.. أي مصير لروح الانسان وفكره

تاريخ النشر       06/06/2023 06:00 AM


علي عبدالأمير عجام*

بدا مقال الكاتبة كارين عطية في صحيفة "واشنطن بوست"(1) مفاجأة تعرضت لها حين أخبرها صديق "سيكون الذّكاء الاصطناعيّ قادراً على كتابة المقالات والكتب فقط من خلال تحليل أسلوبك في الكتابة"، وكأنه جرس انذار وسط معشر أهل الصحافة والكتابة بعامة. لكن هذا الموضوع ليس جديداً ولم يطلق للحوار أول مرة، غير أن "قوة تأثير" منبر كالصحيفة الأميركية والدولية الشهيرة هو ما أعطاه ذلك السجال الذي امتد على جانبي الأطلسي وصولاً إلى الفضاء العربي.


عطية، وهي كاتبة عمود وقصص إخبارية في "واشنطن بوست" منذعام 2014 وعملت سابقًا لصالح وكالة Associated Press أثناء وجودها في منطقة البحر الكاريبي وحازت على "جائزة جورج بولك" لعام 2019 وجائزة " صحفي عام 2019" من "الرابطة الوطنية للصحفيين السود"، أثارت سؤالاً يبدو طبيعياً " ما الذي يعنيه هذا بالنّسبة إلى الكتّاب والمحرّرين الذين يتواصلون مع جمهورٍ رقميّ؟ هل يجب أن نخاف من فقدان وظائفنا؟ أم أنّ الذّكاء الاصطناعيّ أداة توفّر الوقت للكتّاب حتّى لا يضطروا إلى إضاعة قدراتهم عقليّة في تغذية مطحنة محتوى الإنترنت"؟  لكن هذا أحالني شخصياً إلى أول تجربة في الترجمة الآلية، التي وضعها كخدمة من خدماته، محرك البحث "غوغل" بعد نحو 3 سنوات على بدء عمله، حين أطلق كتّاب وزملاء من العاملين او المهتمين بالترجمة سؤالاً مماثلاً أي: "هل يجب أن نخاف من فقدان وظائفنا"؟ لكن تلك الخدمة (الترجمة الآلية) على الرغم من مرور 25 عاماً على العمل بها لم توقف عمل المترجم الإنسان ولم تفقده وظيفته على الرغم من تطورها النوعي حالياً بالمقارنة مع مرحلة العمل الأولي بها. 

وثمة من يرى أن "الذكاء الاصطناعي هو العامل الدافع وراء بعض قصص النجاح المهمة" في مجال الكتابة الصحفية كما يوضح ذلك ساتيا راماسوامي(2) حين أنتجت وكالة Associated Press قصصًا أكثر بمقدار 12 مرة عن طريق تدريب برنامج الذكاء الاصطناعي لكتابة قصص إخبارية قصيرة عن الأرباح في المجال الصناعي. وهذا الجهد حرّر صحفيي الوكالة لكتابة مقالات أكثر عمقًا". لكنه يوضح قبل هذه الخلاصة عن علاقة الذكاء الاصطناعي بكتابة تقارير من وكالة إخبارية مؤثرة أميركيا وعالميا أن "الذكاء الإصطناعي يحتاج المزيد من إدخال المعلومات والبيانات ووسائل الأداء قبل أن يعطينا عملاً جيداً" ويبدو هذا مهماً للغاية فمن سيقوم بتوفير المعلومات وتطوير الوسائل هو بشري بالدرجة الأولى على الرغم من تفوق برامج "الذكاء الاصطناعي" في الانجاز الكمي(3)، ومن هنا سيظل الإنجاز النوعي مرتبطاً بالجهد البشري باعثاً كان على الانتاج أم مستهلكا له.

التقنية والجانب الأخلاقي؟
وفي حقل الكتابة أيضا بدا أن استخدام الذكاء الاصطناعيّ أقرب إلى "الغشّ" منه إلى براعة تقنية، حدّ أن هناك من بات يتساءل: هل سيتم تصنيف الكتاب بين نوعين الأول حقيقي وواقعي، والثاني أفتراضي أنتجه الذكاء الإصطناعي؟ وما الجانب الأخلاقي في انتاج نصوص وبيانات "تسطو" على معلومات وأفكار وأساليب سبق لآخرين أن اجتهدوا في تقديمها؟
هنا يوضح جان غابريال غاناسيا (4) أنه "باستخدام الذكاء الاصطناعي، تجاوزت الآلة  قدراتنا المعرفية في معظم الميادين، مما يجعل البعض يخشى مخاطرها من الناحية الأخلاقية. وتتمثل هذه المخاطر في ثلاثة أنواع: ندرة فرص العمل باعتبار أن الآلة ستعوض الإنسان لتأدية العديد من المهام، والانعكاسات على استقلالية الفرد وخاصةً على حريته وأمنه، وتجاوز القدرة البشرية التي قد تزول  لتحل محلها آلات تفوقها ذكاءً".
ولكن فكرة وجود "آلات تفوق البشر ذكاءً" يعتبرها غاناسيا "أسطورة مستوحاة من الخيال العلمي"، فالذكاء الإصطناعي وهو نظام علمي بدأ رسميا في عام 1956 في كلية دارتموث  في هانوفر بالولايات المتحدة الأمريكية، من قبل أربعة باحثين: جون مكارثي، مارفن مينسكي، ناثانييل روتشستر وكلود شانون وأخذ في الانتشار مع مرور الوقت، يرتكز في بعض الأحيان على سوء فهم عبر مقاربة "كيان  اصطناعي ذكي قادر على منافسة الكائنات البشرية" فلا أي من  الاختبارات والتجارب العملية أثبت صدقية تلك المقاربة ناهيك عن واقعيتها.
إذن ما التأثيرات المهنية والأخلاقية للذكاء الاصطناعي في مجال الكتابة الإبداعية والصحفية؟
الثابت ومن خلال التجارب العملية هو: أن العمل البشري في هذا المجال لا يضمحل أو يختفي، بل يتغيّر و يتطلب مهارات جديدة، فعوضاً عن صرف وقت طويل في قراءة النصوص وتصفح كتب ومراجع، باتت لوسائل الذكاء الاصطناعي القدرة على اختصار ذلك الجهد وتقديم فيض هائل من المعلومات متعددة المحتوى والأساليب شريطة أن تكون قد بدأت من حاجة الكاتب وطبيعة المادة التي يعمل عليها، أي أن العامل البشري هو الحاسم في هذا الجانب، وهو 
"خلافاً لما يدّعي البعض، لا تشكل الآلات  خطراً وجودياً على البشرية، لأن استقلاليتها ذات طابع تقني ليس إلّا، حيث أنها لا تعكس سوى سلسلة من الروابط السببية المادية، بدءا من جمع المعلومات وصولا إلى صنع القرار. وعلى العكس، لا تملك الآلة استقلالية على الصعيد الأخلاقي، لأنه حتى لو حدث أن أربَكتنا وضلّلتنا أثناء اشتغالها، فإنها لا تمتلك إرادة ذاتية، وتظل خاضعة للأهداف التي حدّدناها لها" كما يؤكد أستاذ المعلوماتية الفرنسي غاناسيا.

الاضطراب الأنثروبولوجي والاجتماعي؟ 
ومع التأكيد على أن انتاج الذكاء الاصطناعي "هو الحدود الجديدة للإنسانية، وبمجرد عبور هذه الحدود، سيؤدي إلى شكل جديد من الحضارة الإنسانية" كما تذهب إلى ذلك منظمة اليونسكو (5)  لكن "المبدأ التوجيهي" للذكاء الاصطناعي "ليس أن يصبح مستقلاً أو يحلّ محل الذكاء البشري، بل يجب علينا أن نتأكد من تطويره من خلال نهج إنساني قائم على قيم البشر وحقوقهم ". 
ومع تأكيد الممنظمة الأممية على "استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الثقافة على نطاق واسع. على سبيل المثال، في الصور المستخدمة لإعادة بناء التراث. كما يتم استخدامه في العلوم أيضًا، لا سيما في برامجنا البيئية والبحث تحت الماء. كما تعتمد الاتصالات والمعلومات أيضًا بشكل مباشر على التقدم المحرز في الذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير والوصول إلى المعلومات" لكن هذا لا يقصي "الاضطراب الأنثروبولوجي والاجتماعي" الذي يجلبه الذكاء الاصطناعي، وملامح ذلك الاضطراب في المجال الثقافي والكتابة على نحو خاص تتجلى في:
-كيف يمكننا التأكد من أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي ستكون أمينة على جهد السابقين من أعلام الكتابة وأصحاب الريادات في أساليبها، وحفظ حقوق الملكية الفكرية؟
-مدى تحققنا من كونه لا ينتهك حقوق الإنسان الأساسية من الخصوصية وسرية البيانات إلى حرية الاختيار؟ 
-من يضمن عدم سقوط الذكاء في انتاج صور نمطية إجتماعياً وثقافياً؟
-من يضبط المسافة بين "الثقة" في برامج الذكاء الاصطناعي ضمن حقل الكتابة والحذر حدّ "الخوف" منها؟
لا يمكن هنا حقاً وضع إجابات واضحة وعملية لهذه الأسئلة لكن بالعودة إلى عنوان هذه المقالة  "الذكاء الإصطناعي والكتابة.. أي مصير لروح الانسان وفكره" يبدو فعلياً أن العمل البشري في هذا المجال لا يضمحل أو يختفي، بل يتغيّر و يتطلب مهارات جديدة، فهل نحن معشر أهل الكتابة في عالمنا العربي قادرون على مواجهة هذا التحديد الجديد، بل قبل ذلك، هل نحن قادرون على البدء في تجربته؟

مصادر
(1) نشرت في  13 كانون الثاني (يناير) 2023.
(2) نائب رئيس عملاق الصناعة الهندية "تاتا".
(3) تستخدم وكالة «أسوشيتد برس» الذّكاء الاصطناعيّ منذ عام 2014 لكتابة مقالاتها حول أرباح الشّركات، تحت ذريعة أنّها تحرّر المراسلين لعمل ذي تأثير أعلى من المعتاد.
(4) أستاذ المعلوماتية بجامعة السوربون وباحث بمخبر المعلوماتية بجامعة باريس وعضو بالمفوضية الأوروبية للذكاء الاصطناعي.
(5) أودري أزولاي، المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM