حسين قدوري: هي أغنيات شائعة يا عليّ وليست فولكلورية

تاريخ النشر       23/12/2023 06:00 AM


علي عبدالأمير عجام

تحولت معرفتي بالمؤلف والعازف والباحث والمربي الموسيقي الأستاذ حسين قدوري من ورقية (عبر الكتب والمقالات) إلى اتصال انساني مباشر كانت تحتضنه دائرة الفنون الموسيقية خلال عامي 1992 و1993 ليتواصل، على الرغم من مغادرتي البلاد، في عواصم عربية عدّة كانت تحتضن مؤتمرات ومهرجانات موسيقية، فمن عمّان إلى الجزائر مرورا بالقاهرة طوال العقد الأخير من القرن الماضي.
في الجزائر العاصمة التي احتضنت أعمال مؤتمر الموسيقى العربية في العام 2000، هالني التنوع الذي تعرفت عليه في الأنغام الشعبية التي تنهل من موسيقى الأندلس قديماً والموروث الأمازيغي الحي حاضراً لأتوجه بالسؤال إلى أستاذي الذي كنت أصفه عمّي، محبةً واعتزازا، وأقول: تبدو الأغنيات الفولكلورية العراقية وكأنها مشغولة وفق بناء موسيقي حديث، فكيف تم هذا وهي من نتاج شعبي يبدو فطريا!

الكاتب مع الأستاذ حسين قدوري في الجزائر - مؤتمر الموسيقى العربية 2000

أجابني الأستاذ قدوري (1934-2005) بألمعية افكاره ونبرة حديثه الودود: "تحدث كثيرٌ من الموسيقيين، وبالذات كبار السن، حول الاغاني الشائعة في العراق والتي ظهرت على التوالي منذ الثلاثينات من القرن العشرين تقريباً، واعتبروها فولكلورية، حين ربطوها بقصص وحكايات تدل على المضمون الشعبي المتوارث لتلك الأغنيات، بل أنهم كانوا يروون الحكايات وكأنهم أبطالها وعاشوها بأنفسهم، لتجد تلك الحكايات من يتلقفها عبر وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، حتى صارت وكأنها جزءٌ من تاريخ الحياة الموسيقية العراقية".                           
هنا استدركت لأعيد سؤالي على نحو بات يرى فرقاً بين الغناء الشعبي والغناء الفولكلوري ليعود الأستاذ قدوري ويجيب: "وفق المنظور العلمي الموسيقي لا يمكن التعويل على الحكايات المرتبطة بالأغنيات الشعبية، فهي حكايات خيالية شبيهة بالأساطير والقصص الشعبية التي كانت تروى من قبل الرواة في المقاهي أو من نطلق على أحدهم "القصة خون"، بينما الأغنية الفولكلورية، هي قصيدة غنائية ملحنة مجهولة النشأة ظهرت بين أناس أميين في الأزمان الماضية ولبثت تجري في الاستعمال لفترة ملحوظة من الزمن هي فترة قرون متوالية".

"يا نبعة الريحان" وأخواتها
تواصلت أسئلتي على الأستاذ قدوري: هل لك أن تسمي لي أغنيات شعبية عراقية لا يمكن أن تسمى فولكورية؟ فقال:  نعم هي كثيرة ومنها على سبيل المثال: "تاذيني"، "يا نبعة الريحان"، "يا الزارع البزرنكوش" وعلى جسر المسيب سيبوني"، وغيرها وهي جاءت من مصدرين اساسيين وهما: الملاهي الليلة والتي كانت نشاطا متميزاً لرائدات الغناء العراقي قبل وبعد افتتاح دار الإذاعة العراقية عام 1936، ثم حفلات المقام العراقي والتي كانت تقام في المقاهي والمجالس الخاصة حيث كان لا بد لقاريء المقام ان يختتم كل مقام بـ "بستة"، وغالبا ما كانت تؤدى من قبل العازفين في فرقة الجالغي البغدادي".  
قلت: كأنك يا أستاذي هنا ترد على الوصف الذي أشاعه الأستاذ منير بشير وهو وصف (من الفولكلور العراقي) كي يطمس أثر الموسيقيين العراقيين من اليهود أصحاب معظم تلك الألحان الشعبية.. وجاء رده: يا علي هذا تستطيع أنت أن تقوله بحرية لا أمتلكها الآن ولكنني أقول "كل هذه الاغاني يمكن ان نطلق عليها اغاني شائعة وهي لاتندرج ضمن مفهوم الاغنية الفولكلورية والسبب يعود بالدرجة الاساس الى مكوناتها الشعرية واللحنية والايقاعية فهي متطورة وفيها صنعة ممتازة في البناء والتكوين ثم ان الشاعر والملحن والمؤدي والمؤدية معروفون وعليه فأنها ضمن أنماط الموسيقية الفنية ونتيجة الكثرة واستمرارية ادائها بمرور الزمن صارت شائعة بين الناس، أما ما يروى عن بعضها من قصص وأحاديث فهذا ما يحتاج الى اسناد تاريخي موثوق به وهو غير متوفر أو مدوّن".
 



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM