عن "عصفورة الشجن" عن براعة النص واللحن والأداء

تاريخ النشر       01/03/2024 06:00 AM


علي عبدالأمير عجام

النص:
في قصيدة "عصفورة الشجن" المنسوبة إلى منصور الرحباني (ثمة من يقول بعائديتها إلى الشيخ النجفي علي محمد جواد بدر الدين، مواليد جنوب لبنان في عام 1949، ولكنها سُجّلت مع مجموعة من القصائد في منتصف الستينات لحساب الإذاعة الكويتية، يوم كان محمد جواد بدر الدين في الخامسة عشر من عمره) تحضر ثيمة الاغتراب الروحي والفكري ولكن في إهاب حال من العشق حد التبتل، فلا استعراضات لغوية فائضة ولا إمعان في غموض وتعقيد، بل وضوح صادق حتى أزاء الشعور الانساني شديد التعقيد والغموض.

واغتراب بي وبي فرحٌ – كارتحـال البحر بالسفن
أنا لا أرضٌ ولا سكنٌ - أنا عينـاك هما سكني

لنلاحظ "اغترابٌ بي وبي فرحٌ" في صدر البيت الشعري، حيث قرين الاغتراب يأتي، في العادة، قهراً مرة وحزناً ثقيلاً مرات، فكيف هو نصف إحساس فيما الفرح النصف الآخر؟ والجواب هو في عجز البيت حيث "ارتحال البحر بالسفن"، أي أن فرحاً سيأتي ممتزجاً بالتجدد الذي يعنيه الرحيل وانتظار مفاجآت موانيء سيصل إليها المرتحل.


ومثلما ثنائية الاغتراب-الفرح تأتي ثنائية أخرى في البيت التالي وهي الاغتراب- الحب، فحين يكون المرتحل أشبه بالمقتلع من أرضه " أنا لا أرضٌ ولا سكنٌ" لكنه يجد في الحب أرضه وسكنه "أنا عيناك هما سكني" وهنا يتحقق عنصرا حداثة التعبير الكامنة في جعل النقيضين ممكنين، حيث الحب "أرض وسكن" للمرتحل المعذب.
وعلى هذا النسق ثمة خزين روحي متوهج في النص الذي ينتهي وكأنه عودة إلى حال التشتت والوهن:
من حدود الأمس يا حلماً - زارني طيراً على غصن
أيُّ وهمٍ أنت عشتُ به - كنتَ في البــالِ ولم تكن


الأداء:
جاءت براعة في لسان فيروز العربي الفصيح من ظهورها كمطربة في آخر مراحل حركة النهضة العربية حيث الحضور العميق للأدب واللغة والفكر التحديثي والجرأة في التعبير، ناهيك عن دور الأخوين (عاصي ومنصور الرحباني) في مقاربة الشعر وتوهج المعنى والصورة فيه ومدهما صوت فيروز بتلك الطاقة على التعبير اللغوي الفاتن. من هنا يأتي الأداء جامعاً لضفتي النطق السليم وطلاوة التعبير حتى في أقصى تجليات المشاعر وغربتها عن المتداول من الكلام والوصف في الغناء.

اللحن:
وهو على الأغلب لعاصي الرحباني ويأتي فياضاً عبر مدخل لمجموعة من الكمانات التي تدخل السامع إلى جو من الترقب والانتظار الشجي الذي يعيده الإيقاع إلى جوه الأرضي الواقعي بل إلى عمقه الشرقي وهو يتحول الى تهدجات في صوت المغنية.
لا غرو في أن الأخوين رحباني سيدان في مجال التعبير الموسيقى، ومزاوجة الأشكال اللحنية القديمة (شيء من الموشح في هذه الأغنية) بالمشاعر المعاصرة لغة ودلالات، وحين نصل إلى نهاية القصيدة المغناة حيث (كنتَ في البال ولم تكن) لا عجب أن نقول طوعاً.. جميييييييييييييييل، ومن ثم نغرق في جو من الشجن الآسر.



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM