بيتها الحميم أضاء قلبي

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       25/08/2011 06:00 AM


بيتها الحميم أضاء قلبي ولكنه ..."مثل ورقة احترق"

لم يكن بيتا من النوع الذي يلفت الأنظار لعمرانه ولا في اثاثه الفاخر ولا في سعة أبهائه،  بل انه فتن روحي لجهة عتمته وتداخل لون الجدران مع سمرة الاثاث،  عتمة خفيفة في مدخله،  تؤدي الى عتمة أعمق في غرفته الوحيدة،  لكن ضوءا ما كان يأتيني من تلك الغرفة،  ضوءا يحيط قلبي بالفة غامرة،   بيت كنت أستنشق فيه عنبرا وماء ورد، وظل الأمر كله محض صدفة،  محض أمل ومحض هبة الكتابة التي لطالما كنت أقرنها بالألم والشقاء والتعب الذي لا يورث غير الانكسار.
ومثلما كانت خطواتي اليها، الى بيتها الحميم هبة الكتابة، كان مصير ذلك البيت هبة شيء حميم رافق حياتي، هبة الموسيقى،  فما ان سمعت اسطوانة مرسيل خليفة " تصبحون على وطن" لاول مرة في العام 1991 حتى توقفت عند أغنية شخصية بل " ذاتية" هذه المرة من الموسيقي الذي عرف بغناء " وطني " محلق في فضاء جماعي، أغنية يعلو فيها الإنكسار الروحي الى مصاف الجمال الخفي،  وفيها مقطع حميم " بيتي مثل ورق احترق .. ما عاد عندي أهل "،  وظل ذلك المقطع قريبا الى روحي،  فهو كمن أوجز مسار حياتي،  لا بيت ولا أهل فعليا،  منذ أن دخلت الدراسة الجامعية،  ثم سنوات الخدمة العسكرية التي امتدت لنحوعقد ثم البيوت المستأجرة التي بلغت منذ زواجي في منتصف ثمانينيات القرن الماضي ثم مغادرتي البلاد منتصف التسعينيات اكثر من عشرة بيوت، بينها توزعت حياتي في غرف مستعملة وهواء ليس لي،  وبينها إحترق حلمي ببيت،  كأن ذلك الحريق أتى على حلمي بالبلاد ذاتها،  لهذا كان مقطع " بيتي مثل ورقة احترق" الأحب الى روحي وما من سمعت الاغنية لسنوات طويلة الا ودموعي تسابق " ما عاد عندي أهل" .
عبر الكتابة إهتدت اليّ، وعبر الأغنية إهتديت الى بيتها الذي " مثل ورقة أحترق"، كأنه اتصل بمصير أحلامي عن بيت شخصي،  بيت يبدو انني لن أصل اليه رغم جدية قاربت الشقاء في حياتي،  بيت لم أمتلكه رغم سنواتي الخمسين. بيتها المعتم كان ينكشف في ليال جمعتنا عن ضوء رقيق من شمعة خضراء معطرة ، شمعة ترتجف من إهتزاز الأرض بقصف ليلي وانفجارات كانت واقعية قدر ما كانت تأتي من الاغنية " بيتي مثل ورقة احترق".


بيتها المعتم ذاك أضاء قلبي لفرط حميميته،  لفرط مافيه توق الى الحياة في قلب شجاع لامرأة توجز ما قرأته وفتنت به من حكايات عن تحول العذاب الشخصي الى نوع من الجمال الآسر الخفي،  أمراة علمت ذاتها وهذّبت روحها ، وزادتها الوحشة في أيامها السود رقة وعذوبة ! 
بيتها عرفته في الخريف،  وأجمل ما في بغداد... خريفها،  وبيتها مثل " ورقة" هي أرق من "ورقو الاصفر ذهب ايلول"، ولكنها من عطر تلك الأغنية الفيروزية،  بيتها الذي ضمني انفرط بل " مثل ورقة احترق"،  لم تعد الشمعة ترتعش فيه ولم تعد عتمته معطرة بعنبرأو ماء ورد، بيت كحلمي عن البلاد يورث الحنين،  ولكن غبارا كثيفا يغطيه.
هي غادرت البيت الحميم الى غيره،  وفي لحظة ضعف حملت معها فساتينها دون أن اتردد في أن أشم عطرها المخفي في الثياب،  هنا استدار ثديها،  هنا ارتعش فخذها، وهنا ارتجفت اصابعي،  ومع كومة الثياب جف حلمي واكتفيت من الشمعة الخضراء المعطرة بضوء مرتعش تكور في ثنية قصية من ثنايا روحي،  لأتابع حكاية قلبي الذي " مثل ورقة احترق" كما هو بيتها الوحيد الموحش الغريب الآن.


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM