نقد أدبي  



في حوار مع صاحبة رواية (كم بدت السماء قريبة)

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       16/11/2009 06:00 AM


بتول الخضيري : لم اخرج من  بغداد التي تضيء حياتي عميقا
وقّعت الروائية العراقية المقيمة في عمّان بتول الخضيري نسخة اللغة الإنجليزية من روايتها " كم بدت السماء قريبة" في  غاليري " الأندى" بجبل اللويبدة.
والنسخة الإنجليزية من الرواية " أسكاي سو كلوز" صدرت مرتين ، الأولى  عن " دار بانثيون للنشر" ( الطبعة الأصلية) في نيويورك العام 2001 ، والثانية عن " دار آنكور للنشر " في نيويورك العام 2002 ، وبترجمة الجرّاح العراقي المقيم في بريطانيا ، الدكتور مهيمن نوري جميل .

بتول الخضيري في عمان 2004: كاميرا علي عبد الامير
 
وكانت رواية " كم بدت السماء قريبة " صدرت عن " المؤسسة العربية للدراسات والنشر" بطبعتين ، الأولى العام 1999 والثانية في العام 2000 ، وحققت انتشارا واسعا جعلها من ابرز الروايات العراقية والعربية الصادرة في الأعوام الأربعة الماضية ، وراجعها نقاد وكتاب عديدون متوقفين عند البراعة الفنية في بنائها  وفرادة موضوعها الذي يسلط الضوء على العراق المعاصر من خلال عيون شخصية رئيسة نصفها عراقي ونصفها الآخر بريطاني، على الرغم من كون الرواية، العمل الأول للخضيري المقيمة في عمّان منذ سنوات والمولودة في بغداد العام 1965.

وينتظر صدور النسخة الفرنسية من رواية " كم بدت السماء قريبة " في الصيف القادم ضمن علامات من الاهتمام الأكاديمي والأدبي بالرواية التي باتت تدرس في غير جامعة عربية وغربية، وقوبلت بمراجعات نقدية في اشهر المجلات والدوريات والصحف في بريطانيا والولايات المتحدة.

الخضيري قرأت مقاطع من النسخة الإنجليزية لروايتها ، واشتركت في مناقشات ، حولها كما في امسية " المركز الثقافي البريطاني " بعمّان، اعقبها لقاء مفتوح للروائية  مع اساتذة المركز في اليوم التالي ، فيما التقت الخضيري مع  طلبة اللغة الإنجليزية في " مدرسة عبد الحميد شرف " والثاني مع اساتذة وطلبة آداب اللغة الإنجليزية في " جامعة مؤتة".

وبتول الخضيري تحصلت على بكالوريوس ادب فرنسي، من" الجامعة المستنصرية " ببغداد ، التي ولدت فيها لأب عراقي وأم اسكتلندية ، وتنقلت مابين العراق والأردن وبريطانيا ، قبل ان تستقر لاحقا في عمّان حيث تدير عملا في مجال الصناعات الغذائية ، وخلال اقامتها كتبت " كم بدت السماء قريبة" ، وتعمل على الإنتهاء من روايتها الثانية. وكانت ترجمت الى العربية " حفلة القنبلة " للكاتب غراهام غرين وصدرت بطبعتين : العام 1990 عن " دار منارات – عمّان " وفي العام 1999 عن " دار ازمنة – عمّان " .

عن عملها الروائي وجذوره الذاتية والموضوعية، وعن المسافة التي قطعتها في اختيار الأدب شكلا للتعبير عن رؤاها وحياتها، وعن صورة العراق المرتسمة في روايتها، وعلاقتها مكانيا وثقافيا بعمّان، كان لي  هذا الحوار مع بتول  الخضيري .كثيرون قالوا عن روايتك بانها" تتميز بنكهة عراقية اصيلة " ويؤكد الناقد طرّاد الكبيسي انك كنت على" قدرة هائلة في الغوص الى اعماق الأشياء وتفاصيل الحياة في العراق"، الى أي مدى تشعرين انك كتبت شيئا جديدا في الرواية العراقية ؟

- انا حد هذه اللحظة ، اعتبر نفسي هاوية في الكتابة ، وشرف لي ان يوضع اسمي الى جانب كتاب الرواية العراقية ، ولم اتوقع ذات يوم انني سأمنح هذا الوصف : " روائية عراقية " ، انه ليس سهلا ، بل مسؤولية كبيرة . الكاتب الفعلي ، هو الذي يحدث تغييرا ، أي التأثير في روح المتلقي وفكره او يساعده على رؤية الأشياء التي كان قد تغاضى النظر اليها والتوقف عندها ، دون ان يكون للكاتب هدف قصدي من كتابته ، أي دون اجندة ، ولا اقصد هنا العمل المسبق في الكتابة ذاتها ، انما النوايا المتخفية وراء الكتابة .

انا لم اكتب روايتي كي أؤثر بفئة اجتماعية او بتكوين وطني معين، و لكن اذا جاء رد فعل يحيلني الى كوني كاتبة عراقية، واستطعت ان اعبر عن لحظة عراقية بكل تجلياتها، فذلك يعني وجود اتصال حي بين الكاتبة وبين المتلقي في بيئتها الإجتماعية والفكرية .

في " كم بدت السماء قريبة " جو بغدادي واضح، بل فيها "مظهر العراق وجوهره "كما تقول ياسمين البحراني في مراجعتها للرواية في صحيفة " يو أس توداي " الأميركية، والرواية قرأت بشكل جيد في بغداد التي تعيش اليوم غير حالها التي كانت حين عشت فيها، كيف ترين هذه المفارقة ؟ هل ان البغداديين الذي احبوا عملك ، نظروا بحنين الى عالمهم القديم؟

-ثمة مفارقات وليس مفارقة واحدة، فوالدتي الأجنبية كانت تشجعني على الأنتباه للجو العراقي بحكم تركيزها على اللهجة العراقية حتى اتقنتها، والى ذلك كانت لاتكف عن سؤالي: ماذا يقول هذا الشخص وماذا يقصد بهذه العبارة ؟ كانت تشجعني على رسم الشخصيات الإنسانية التي نتعامل معها اجتماعيا، فأرسم " بائعة اللبن "، وكان ولعها لايوقفه حد في جمع مختارات من الفن العراقي المعاصر، وتحديدا الأعمال التي تصور البيئة البغدادية مثل " الشناشيل "،  و تثير انتباهي الى " عازف الربابة " المتجول بين البيوت حين يتوقف عازفا ومغنيا لأهل الدار محييا كبيرهم، والى منظر العمال الأكراد الماهرين في غسيل السجاد، حين يفرشون النادر والثمين من قطع السجاد الأصلي ويبدأون تنظيفه بطريقة بارعة. هذه كانت مفارقة اولى حين دخلت الشخصية البغدادية في دمي ولكن من خلال امرأة اجنبية. والمفارقة الأخرى تتعلق بكيف تلقى العراقيون كتابي، فمن قرأه وهو في بغداد وجد فيه غير ما وجده العراقي في الخارج، والذين من جيلي في بغداد قرأوا الكتاب لأنه وثّق الأغنيات الشعبية والأناشيد في المدارس والألعاب في الحارات، أي انه احالهم الى طفولتهم ، وكان ردّ فعلهم ايجابيا على صور وردت في الكتاب كانوا قد عاشوها مثلما عشتها انا .

المغتربون العراقيون كان لهم في الكتاب ، بعد نفسي آخر .الرواية كانت لهم جسرا بين راهنهم الإجتماعي والثقافي والنفسي في الغربة، وبين الوطن الذي تركوه . في داخل البلاد تفاعل القارىء مع شخصية الجندي الذي عاش ازمة الحرب، في حين تفاعل المغترب مع الشخصية الرئيسة التي عايشت تدمير بلادها يوميا من خلال الإذاعات العالمية .

من يقرأ الرواية يجد انها مكتوبة بعفوية ، لكن هذه العفوية لم تؤثر على سلامة البناء الفني للرواية ، كيف توصلت الى هذا المزج مابين السلاسة والرهافة وبين البناء المعماري العميق للرواية ؟

انا اضع مخططات لكل ماأعيشه، اكتب تفاصيل وهوامش، اوثّق حالات ومشاعر تخصني او تخص اخرين.أجمع حكايات وأعود الى الذاكرة، وهذه كلها عناصر ترد في البنية الحكائية للنص ولكنها لاترد عبثا، انما ضمن بناء منهجي وإن كان غير ثقيل على الجانب التي اسميته عفويا . استفدت في تطوير مهارة الكتابة الروائية من خلال دراستي آداب اللغة الفرنسية وعلى يد استاذي الدكتور مهند يونس الذي وسّع مداركي على تقنيات الكتابة وتحليل النصوص. كا انني بدأت اقرأ مبكرا بتأثير والدتي وباللغة الأنجليزية، ولكنني لم اكن اتوقف عند القراءة فقط، فوالدتي كانت تحثّني على ان افتح بيدي الغضتين  الورود كي اعثر على "الجنيات " التي تختبىء مابين اوراقها . هكذا تدربت على الجمع في روحي مابين المتخيل وبين الواقعي ، وهكذا جمعت مابين حياتي الشخصية وبين حياة اناس لم اتردد في دخولها عميقا دون ان تتطابق حياتي مع حياتهم بالضرورة . هذا اعتبره نوعا من التركيب الحياتي تحول الى تركيب في الوعي وفي كتابة الرواية، ولكن دون تدخل قسري، انما جاءت عناصره منسجمة ومتداخلة .

علي عبد الامير مع الخضيري ومخرجية اميركية من اصل عربي
 
اذن ماهي المرجعيات التي كونتك كاتبة تقول عنها حنان الشيخ انها " صاحبة اسلوب حديث آسر من صوت جديد وقوي في الأدب العربي "؟

- كنت وليدة اجواء مشحونة بالإختلاف: كانت والدتي تصرّ على تعليمي الفنون ، فيما والدي يصرّ على ابتعادي عنها مفضلا انخراطي بدراسة تقرّبني الى عمله الصناعي والتجاري ، دون ان يعني ذلك انه كان كارها للفنون بل هو من ادخلني الى اجوائها الغريبة ولكنه ظل يريدني ان اتعلم فنونا محلية : آلة القانون الموسيقية مقابل رغبة والدتي بتعلم البيانو. من هنا تولدت عندي شخصية حيادية، لا انا منحازة الى هذا الطرف او ذاك، لا الى هذه الثقافة او تلك، لا اقف الى جانب والدتي ضد والدي ( كنت اتحدث الأنجليزية في البيت حين يكون ابي خارجه ، والعربية حين يعود). ويبدو ان هذه " الحيادية " امدتني بطاقة على المراقبة والمراجعة والتمحيص ومتابعة مسار الأحداث بهدوء حتى وان كانت احداثا عاصفة وسريعة، وكان ان استفدت من هذه الطاقة في كتابة " كم بدت السماء قريبة".

تميزت حياتك بانتقالات وتجوال بين امكنة وثقافات ومسارات شخصية وموضوعية ، كيف تنظرين الى مسارك الإنساني الشخصي ؟

- كأنني لم اخرج من العراق،احمل بلادي في كل نصوصي العاطفية والأدبية والنفسية . من تأريخي هناك استقيت القدرة على التحمل ، تعلمت كيف يتغلب الإنسان على مصاعبه، غربته، وكيف يكون دائما بقصد التطابق مابين مفاهيمه وحياته . لم اخرج من بغداد التي عرفت وعشت واحببت وهي ماتزال تضيء حياتي عميقا، وستظل على ما أرى حاضرة الى زمن مقبل في كتابتي.

انت تقيمين منذ سنوات في عمّان ، مالذي تركته عليك مدينة التلال السبعة من تأثيرات اجتماعية وثقافية ؟
- عاش والدي ووالدتي في عمّان ايام زواجهما الأولى في العام 1958 وولد فيها اخي واختي حتى انتقلت العائلة الى بغداد في بداية ستينات القرن الماضي . من هنا تولت لنا صلات وثيقة مع الأردن ومجتمعه ، وكنت في عقد الثمانينات ازور عمان اكثر من مرة في العام حتى قررت الإقامة فيها العام 1997 ومازلت منسجمة مع فكرة الإستقرار هنا والعيش بهدوء وانتاج كتبي وأدبي.
وفي عمّان كان ظهوري الأدبي، فقصتي القصيرة العربية الأولى نشرت في صحيفة " الرأي " في الثمانينات بعون من الأستاذ د.خالد الكركي الذي كان يدرسني اللغة العربية في الجامعة الأردنية. كما كانت الأستاذة في جامعة البتراء الدكتورة ليلى نعيم ، اول من اطلع على مخطوطة روايتي، وعن طريقها تعرفت على المفكر والباحث الأكاديمي الدكتور فهمي جدعان الذي حرص على مراجعة النص وتنقيحه لغويا ، واوصيا بي الناشر ماهر الكيالي الذي رحب بالرواية وعمل على نشرها بطبعتين . ومن عمّان جاءت اولى المقالات النقدية وجاءت الأراء القيمة من نقاد وكتاب اردنيين: د.ابراهيم خليل ، د.بلال جيوسي ، نزيه ابو نضال ، جميلة عمايرة ، سميحة خريس ، عمر شبانة ويوسف ضمرة . ومثلما كانت عمّان المكان الذي ولدت فيه " كم بدت السماء قريبة " ، فهي كانت المكان الذي انتقلت منه الى فضاءات اللغة الأنجليزية عبر الأستاذة في معهد الدراسات الشرقية والإسلامية في "جامعة درم "بانجلترا ، الأديبة والكاتبة الأردنية د. فادية الفقير. في عمّان اشعر بالألفة  واحس بدوافع عميقة الى الكتابة.
* نشر الحوار في صحيفة الراي الاردنية العام 2002


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM