غلاف مجلة "المسلة" وفيه ملف عن الاسدي
وفي حين تبدو الصدفة هي التي دفعت بنص "حصان الليلك" كي يجاور نص "إنسوا هاملت" في كتاب واحد، الا ان هذه القراءة على الرغم من "تعسف" ما قد واكبها، ترى ان دلالات النص تشير الى انهما شكّلا بُعداً دلالياً متجانساً، فاذا كان نص "إنسوا هاملت" يمعن في نقد الضحية لجهة إستسلامها امام سطوة القتلة والطغاة، فان النص "حصان الليلك" يتابع الفكرة من زاوية نظر اخرى، ليرى ان خيوطاً من الخيانة هي التي تنسج مع الإستسلام للطغيان، مشهداً جحيمياً لا علاقة للمعنى الإنساني فيه، حيث يصير كل شيء نهباً للضعف والجبن، وتحوّل الخيانة حتى الإحساس بالألم الى وسيلة اخرى لإغراق مشهد الحياة بالمزيد من اليأس: "عشرون سنة من الإحتقار المتبادل، تصوري، انه يبصق على وجودي، ويقتحمني وينتهكني ويجثم على نَومي، مع ذلك عليّ ان اتصرف كما لو كنت أحبه ومخلصاً له، ماذا أفعل، هذا هو قدري".
هذا ما يقوله السائس (خيون) واصفاً سيده المتعالي، الطاغي الذي كاد يقبض على الأنفاس والأرواح والأحلام، وهو ليبدو قريباً جداً من نتاج أخلاقي وتربوي لطالما انتظم فيه عراقيون، فهم يشعرون بطغيان حاكميهم، وسطوتهم التي حطت من وجودهم الإنساني إلا ان ذلك لا يمنع من الإنضواء في الموجات الجماعية تلبية لنداءات الحروب، وكأن في تلك الإستجابة خلاصاً من مصير أسود كان سينتظرهم فيما لو رفضوا القبول بمسيرات الموت "الوطنية": "ماذا أفعل هذا هو قدري"؟
(خيون) السائس الذي كاد يفني عمره إخلاصاً، في تربية خيول سيده، وجد منفذين للخلاص المؤقت من إحساسه بالمهانة، الأول في وهم عشقه لدليلة المشغولة عنه بهيامها بالسيد الذي لم يكن يعبأ بها، والثاني في الحصان البهي القوي المندفع في سباقات الخيل كالريح: "الرمّاح"، انه رمحه ضد اكوام اليأس وجحافل السكون والظلمة، انه الإنقذاف الى فضاء خارج الإسطبل، خارج القمامة وخارج حياة أقذر من قبر.
هكذا صار "الرمّاح" معادلاً موضوعياً لحرية غير ممكنة، صار الحلم بالتخلص من كل قيد، ومن أجل هذا الحلم، كان (خيون) يعتاد مرور السنين، على أمل لحظة ينطلق فيها مثل حصانه الجامح مخلفاً نتانات أيامه، وعناءات كان الذل يكتبها وثائق سود.
ولأن القسوة والإضطهاد واحتقار البشر، تتعارض مع إمكان الوصول الى آفاق انسانية عادلة، لذا كانت كبوة "الرمّاح" في السباق كفيلة بوضع نهاية منسجمة مع مؤشرات حياة السائس، بل هي نهاية للرمّاح ولخيّون معاً، فها هو يستجيب، رغم ان الحصان كان آخر احلامه بالخلاص، لدعوة سيده بقتل الحصان الخاسر الجريح المُلقى في زاوية من الإسطبل:
"الأمير: لا نفع من إبقاء الرمّاح حياً
خيون: صمت
الأمير: خذ البندقية
خيون: نعم
الأمير: ضع الطلقات في البندقية
خيون: حاضر سيدي
يذهب خيون ويأخذ البندقية يضع الطلقات ... بصمت طويل وألم شديد، يطلق خيون الرصاص على الرمّاح، فيموت! ريح خفيفة تتصاعد، خيون يجلس على مقربة من الحصان كما لو كان حارس الموتى الأبدي"!!
وفي حين يبرع جواد الأسدي في رسم صورة "حارس الموت الأبدي" فإنه أقرب الى إحالتنا نحو مشهد يكون فيها الناس حراس موتى أبديين!!
بيوغرافيا: جواد الأسدي
• ولادة كربلاء، خريج أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد.
• حاصل على الدكتوراه من معهد الفيتز ببلغاريا.
• درس في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق.
• أخرج للمسرح الفلسطيني عدداً من المسرحيات بين 1980-1992.
• أخرج "العائلة توت" للهنغاري شتيفان اوركيني، حازت المسرحية على جائزتين ذهبيتين في مهرجان قرطاج بتونس سنة 1983 (المسرح الفلسطيني).
• أخرج مسرحية "خيوط من فضة" سنة 1985 فازت بالجائزة الكبرى مناصفة مع "صانع الأحلام" لريمون جبارة في مهرجان قرطاج الدولي بتونس (المسرح الفلسطيني).
• أخرج "ثورة الزنج" لمعين بسيسو (المسرح الفلسطيني).
• أخرج مسرحية "الحفارة" للكاتب الروسي أربوزوف بدمشق (المسرح العمالي) سنة 1979.
• أخرج "ماريا بنيدا" لغارسيا لوركا (المسرح العمالي) 1985.
• أخرج "ليالي الحصاد" لمحمود دياب (المسرح القومي) 1989.
• أخرج مسرحية "مقهى أبو حمده" مسرح الشارقة 1987 فازت بجائزتين ذهبيتين.
• أخرج مسرحية "الإغتصاب" (المسرح الفلسطيني) 1992 فازت بجائزة ذهبية في مهرجان القاهرة التجريبي.
• أخرج مسرحية "تقاسيم على العنبر" (المعهد العالي للفنون المسرحية بسورية) فازت بجائزة الإخراج بمهرجان القاهرة التجريبي الدولي سنة 1993.
• أخرج "المملوك جابر" (المعهد العالي للفنون المسرحية – 1984) مهرجان دمشق المسرحي.
• أخرج "رأس المملوك جابر" – مسرح لاكاسولا الإسباني سنة 1994.
• أخرج "الخادمتان" لجان جينيه – مسرح بيروت 1994.
• أخرج مسرحية "الخادمتان" لجان جينيه – مسرح الهناجر بالقاهرة 1995.
• أخرج مسرحية "إنسوا هاملت" – مسرح الهناجر بالقاهرة 1996.
• أخرج مسرحية "المصطبة" – مسرح بيروت 1998.
• أخرج مسرحية "مندلي" – المجمع الثقافي – 1997.
له عدة إصدارات
• المسرح والفلسطيني الذي فينا – دار الأهالي، دمشق.
• تقاسيم على العنبر – منشورات المجتمع الثقافي – أبو ظبي.
• مرايا مريم – دار ميريم – بيروت.
*نشرت في ملف خاص احتفاء بالاسدي ضمن مجلة "المسلة"- تشرين الاول 2001