نقد أدبي  



شعر الإعلانات الغاضبة: قراءة في قصائد عبد الأمير جرص

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       01/12/2009 06:00 AM


 
حين تكون مولعا بلغة الاعلانات، باشاريتها وايجازها واقتضاب الشرح فيها، عليك ان تتلقى قصائد عبد الأمير جرص بذات الولع بل تزيد عليه تلك الروحية في حركيتها وبحثها عن صلة تعلن فيها خروجها على سكونية ما حولها.                        
قصائد تشبه اوقاتنا .. مقطعة .. موجزة .. تلهث. يسمي فيها الشاعر – دونما إطناب – ذاته الانسانية بوصفها منقذا من مجمل عناءات شاء له ان يواجهها، احيانا يفترضها، ولكنه يمضي في لعبة الافتراضات الى آخر شوطها فيقرر الوقوف ضد وحشة تلك العناءات وفوضاها. 
لا بطولة روحية يقدمها الشاعر هنا، بل هي اشارات موجزة يرفع خلالها لواء السخرية كمعنى من كل ما حوله قائما او مفترضا، هذا إن تحقق فعلا في النصوص فهو لمؤشر انجاز فاعل، غير ان الشاعر يبقينا احيانا في حدود لعبته "الاعلانية" او "الاشارية" ... يندرج في ذلك لا سطور قصائده التي لا تزيد عن ثلاثة او اربعة احيانا، بل شكل انتاج الكتاب ( 8 سم  في  11 سم ) والذي جاء مفارقا لشكل درجنا على استلام الشعر من خلاله. 
والمفارقة تنتقل من الشكل الى بُنية القصائد المضمونية :
"كل ما اعنيه، لا اقصده"، "هذا المضاف الي .. كيف اجرّه "، "قد لا اكون عميقا كالبحر الابيض / ولكني بالتأكيد اكثر سوادا"، الى غير ذلك من المواصفات التي استرخى الشاعر لتأثيرها المباشر بل هو لا يتوقف عند ذلك ويتلذذ بمباشرة الفكرة / السخرية ويسمي العلامات، الامكنة، الاسماء : " ابو داود، ضع مسكرا في الوقت"، "احمد عبد اللطيف صار طبيبا / وحكمت ايضا / حازم ياسر يدرس الصحافة في كلية الآداب / انه الآن لاعب معروف".
    


الشاعر عبد الامير جرص: نصوص تشبه عصرها
 
وحين تذهب في تتبع لمسيرة الكتابة عند الشاعر فستجد سيلا من المفارقات "فوق فيما هو يعني تحت"، "مع فيما هو يقصد ضد"، "وراء فيما هو يقصد امام " .. وتسأل ما الذي يريد الشاعر من كل ( النظام ) المكرر لثيمة تبدو متشابهة؟ هل هو نظام استنساخي لكتابة حين تمتد على طريقة كهذه تبدو صعبة التوقف او التحديد فمن السهل واحيانا لسهولة واضحة في بُنية المقطعات تؤاخذ الشاعر على تكرارها كثيرا، فيتولد عندك كقاريء معني بتفاصيل الكتابة الشعرية وفحصها، إحساس بأن الشاعر يريد من قصائده مهمة الاقتراب من لغة مفهومة متبادلة بين شخصيته كفرد اجتماعي ساخر ولمّاح وبين المتلقي المضنوك بأزمات ووقائع حياتية بل ترى في الشاعر احيانا وكأنه يضع النتيجة هذه نصب عينيه معولا عليها، خذ قصيدة "الجزئيات" الطويلة نسبيا كمثال او هذا المقطع : "قرص كلمة طيبة يحل محل الفاليوم / انتم متعبون جدا".
    
الاتصال بين شعر عبد الأمير جرص والمتلقي يثير إشكالية متتالية: الوضوح، الغموض، الشعر ما الذي فعلت به وسائل الاتصال المعاصرة؟ الى غير ذلك من الملاحظات .. غير ان الكتاب بمجمله يظل متوازنا وكما قلنا مضمونه يشبه عصره يكاد يلتقط أنفاسه، يتعثّر كثيرا ولكنه يمضي قدما وقد يكون صوب مفاجآت مرعبة اخرى !! و عبد الأمير جرص حقق عبر كتابه الموجز ما يمكن اعتباره مميزا ضمن المشهد الشعري العراقي المعاصر ويبتعد عن سمة ( التلفيق ) الحداثوية التي تأسر الكثير من كتابة الشعر هذه الأيام.
 
*مقالة نشرت في "الجمهورية"  23 أيلول 1993               


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM