غلاف ديوان عبد الرحمن طهمازي
وضمن ذات القراءة التي تعتمد الكشف عما هو (سوسيولوجي) وهو ما يحتشد به النص الشعري عند طهمازي نرى ان غياب تلك النضارة في الوقائع يحيلها الشاعر الى واقعة ممكنة عبر اللغة الشعرية :
يمل الرئات التي لا ترد النسيم رياحا ....
آه يا تعبا كم خذلت الجناحا ؟
فهذه صورة للغناء الفاتن المعمول بقوة المشاعر وصدق الانفعال واللغة التي لا تخشى البوح باصولها والتي اسست اولى فعالياتها في ايام الستينات المبدعة، والتكرار كصياغة في التعبير وشكل يلجأ اليه الشاعر يوصله بما يدعم لا التدفق والتوهج حسب بل يشتق منه وسيلة لتدعيم منظورات عديدة كانت زمانية اغلبها كما "في الليل "حين تكررت كافتتاح لمرات عديدة في قصيدة "منوعات الطفولة " والمنظورات تلك شخصت بناءها كأزمان متداخلة لكنها لا تتشتت :
في الليل :
طفولة ( نشوة ) ...
صبي ( نشوة مفقودة للاولى ) ....
رجولة ( احلام محبطة ) ....
انسان ( وعي التجربة ) ....
وهذه الاسلوبية يمنحها الشاعر بلاغة تبعد عن اطنابها اللغوي او تتسع لانفعالات جديرة بمعاصرة عالمنا. واذا كان التدفق الانفعالي يبهج الشاعر في توالي القصائد لكنه لا يجعله يتخلى عن التأني البالغ في اختيار المفردة : يا هذا الليل ألست تقوم بتربيتي في الآلام ؟
واستمرارا على ذات ( الايقاع ) في القراءة نجد ان التأني في بسط نفوذ الكلام يدعمه الشاعر بقوة استخدام الفكرة ومن ثم الحكمة كمعطى لايتعارض مع ( الشاعرية ) بل تغني قوة الكشف فيها :
الجذر مني ذاب في الارض ....
من اين لي السلوان في بعضي ....
وتأسيسا على ذلك يضعنا الشاعر في المدخل الذي يهمش دوره لكن في المنظور الذي يكشف عن اتساع رؤية للعالم :
ويستمر الشاعر الصادق في صدقه ....
حتى اذا صار الى اليأس ....
فتش عن عالمه وصاح :
يا نفسي ....
الشاعر عبد الرحمن طهمازي 2002 (كاميرا الفنان مقداد عبد الرضا)
أساليب الخطاب الشعري ....
ان عبد الرحمن طهمازي لا يغلق تجربته بل هو على العكس يوصلها بروح محاورة حية ويربطها بمعاصرة لا تقبل لحظة التعامل الهازل مع الاشياء "يرى الشاعر تجربته الشعرية على ضوء هذا الجديد – البحث – فلا ينكر منه شيئا بل يرى فيه اضاءة وتجديدا لسبل وغوامض التجربة يعانيها دون ان يعرف لها اسما او قانونا " – عبد الجبار عباس, "الثورة" 6/4/1987 – وهكذا فان الجديد في تجربة طهمازي هي اضاءته لخطاب مباشر املا بالقفز على هوة فاغرة فاها تمتد ما بين الشاعر كراء والمتلقي كعنصر مشارك في اعطاء تلك الرؤيا قيمتها بالتجذر في معنى تغيير بنائي : يا اخي القاريء لا تمنع على نفسك افضال الشرارة ....
وهذه ( الخطابية ) لا يضعها الشاعر كلمحة مقطوعة الصلة بل يعود بذات النبرة معها وبذات النبرة ولكنها هذه المرة بذاتية اعلى، ويزودها بمستوى من الاداء قريب من التقطيع الصوري في الفنون المشهدية من اجل احداث الاثر، لا بل تعميقه :
حسنا ... ها قد تماديت، وما ذنبي وما ذنب اللغة ....
كما ان الشاعر شتت عقلانية قصائده ضمن جسد القصيدة ذاتها، حيث ان المقاطع الافتتاحية لا تكون بالضرورة مقدمات لما تظهره من كشوفات، ومثل هذا التداخل يعود بذات الروح التي تتمتع بتلقائية عالية والتي يكتب بها الشاعر قصائده فنرى مثلا في السطر الثالث من قصيدة "رجال وطبائع ":
طرف الساعد مشعولا ونسغ الساق فحما ....
ان المعنى الذي يتشكل كمقدمات لا يوصل متطابقا مع النتائج في السطر الثامن :
رافعا كفارة النور ومسنودا على النار فكم تبقى ؟
فيتداخل طرفا القراءة هذه : المقدمات – النتائج – الكشوفات – نقاط البدء, وعلى الرغم مما يوحي هذا التشتت من مستوى آخر يدخل حضور مهارة حاذقة, لكن الشاعر يقطع علينا هذا التوقع فينهي القصيدة بمنتهى التلقائية وذلك لن يعود بشيء سوى قوة (الرؤيا) وبالتالي نضارة الاشياء التي تعرضت للكشف الصارخ والهتك المستمر لاسرارها: الخفية :
ايها البعد ألا تركب في يوم سفينة ....
ايها الشارع هلا تدخل الآن الى هذي المدينة ....
ان هذي زهرة ....
تلك حديقة ....
فلماذا ايها الحكمة ابقيت القطيعة ....
*مقالة منشورة في صحيفة "القادسية" 1/7/1987