نقد أدبي  



الشاعر علي الطائي: أسئلة في البواعث الأساسية للشعر

تاريخ النشر       01/12/2009 06:00 AM


قراءة في ديوان "مائدة للحب.. مائدة للغبار" للشاعر علي الطائي
علي عبد الأمير عجام*
 
أن يكون الشعر انبعاثا لأصالة الحياة، وان يكون المفجرلمكامن النفس البشرية، وتصوير ذلك بشكل ابداعي، لهو أمر حاسم في مسألة انتماء الشعر وجدواه في معترك حياتنا وفي عصر كالذي نحن فيه، وبلغ فيه التأزم قمما لا تُطال، فألقى ذلك المصير مسؤولية أساسية على شغيلة الفكر عموما والأدب والفن بشكل خاص.                       
والشعر من بين كل ذلك، له خصوصية بين أنواع الإبداع الفني لاعتماده نوعا من المزاوجة الصعبة التحقق: أيقاد الشعور الحسي .. أولا، وتأكيد التأثر الفكري المتقدم عند جمهور القراء .. ثانيا، ولاجل اتمام هذا، كانت الحياة منبعا هائلا لمسيرة طويلة وكبيرة من الشعر والشعراء، وكما وقفت حياتنا بكل اسرارها وتشعباتها سببا في التألق الابداعي عند شعراء، كانت هي الاخرى سببا في انسحاب آخرين في لحظة تكون هي أصدق بأحداثها مما يقولون!
وفي الشعر العراقي، كانت تلك المواجهة أساسية عند كثيرين ممن القوا بانفسهم في ركام تناقضات حياتنا بكل اجزائها الصغيرة، وبقدرة ابداعية فذة استطاع البعض ان يخلق آثارا لهي أبدا ستظل عميقة عمق ارتباطها بسر انبعاثها الحياتي.
انها اسئلة تثار حين الانتهاء من ديوان الشاعر علي الطائي "مائدة للحب .. مائدة للغبار" حول البواعث الاساسية للشعر وجدية الوقوف إزاء تلك المسألة.
 
1 أنه لا يكفي ان أنثر الصور الحياتية التي نعيشها في نسق شعري وامضي، فذلك تجريد لمسؤولية الابداع الفني في الشعر، اين جانب الخلق الصعب؟ اين مساهمته؟ 
2 ابدا لا يكفي ان اردد اسماء الشوارع، المدن، الجبال، الطقوس، دون ان يكون ذلك معمقا للحدث ومبررا وروده في القصيدة.                                            
3 وان تكون القصيدة استنساخا للجانب العام من حياتنا، والسهل منها بالذات والمترهل بسبب التكرار، لهو تحويل للشعر الى مرآة سطحية تعكس الحياة  مجردة و
واهية.
انها عملية تتم بلا خلق ودون عناء، انها شاهد على غياب كامل للرؤية .. انه غياب الباعث الأساسي للشعر.. هو ذلك ما اردت قوله كمفتتح للكتابة عن مجموعة الشاعر علي الطائي الثانية.




الأزمة الضيقة الأبعاد:  
عند مفتتح كل قصيدة ... تضع يدك وبشكل سريع عند بداية حذرة وضيق هائل يميز أزمة البطل المحوري لمعظم القصائد وحالما تتكشف حالة مفتوحة توعد بشيء جديد وايقاع متميز لكنها تمضي وتحقق إذ انها غالبا لا تجد الحدث الأساس الذي يعمق اثرها في القصيدة:
نهبط كالسرطان سلالم احزاننا، نتباطىء في حانة عند دجلة (من قصيدة "الصاحب" ص 42)
او تلك البداية في قصيدة الديوان الاولى:
تظل المناطق نائمة في فراش الظهيرة أهرب عنها,
 وفي البار ألقاك بالعيد تحتفل اليوم.. (ص 12)
 
وحالات كتلك لا تجد عمقها في كتابة "القصيدة المدورة"، والتي تتجذر وتغتني بوجود تكثيف حاد للحدث ومراقبته من زوايا مختلفة، تحاول في رصدها منح الأشياء والشخوص ملامح عميقة تتدافع مع بعضها لتشكيل صورة شاملة ترتسم في ذاكرة المتلقي، لا ان تضعه في حصار الخطى الضيقة التي لم تنج منها حتى الومضات الناعمة في الشعر التي تجيء في القصيدة الأولى:
حتى غيوم الشتاء .. تولي .. وتمطر
فوق المياه وصحراؤك
المستجيرة تلمس علما على شفتيها وتبكي
نعم سيدي هكذا كان
ان القرى امامك
غصنا بلا ثمر
او ندى او طيور ....... ص 26
 
وحتى تلك، ما تلبث ان تحاصر بهدير المفردات الضخمة التي انهكها الترديد ضمن القصيدة او تلك التي درج عليها الشاعر في قصائد ديوانه: وجهك المعدني/ صحرائك المستميلة/ وجهه المعدني/ الابتسام المزيف/ العزلة المستفيقة.
وفي نهاية حزينة يمضي الشاعر قائلا:
صفّر صوت القطار، وبين البراءة والحزن والخوف، كنت أودعك، وجهك يا سيدي في القطار الذي لن يعود ..............  ص 36
لكن هذا الحس من الندم في مواجهة هشة ومرتبكة لم تنل ايقاعاته، حضورها الشعري، بل صمتت بين اقنية التردد ثم تشتت الحالة عموما، لعدم وجود ما يستدعي هذا الانتهاء الى الخسارة ثم الى الندم، لكنها الرؤية حين تترك مكانها للمفردات وحيدة فتبدو هكذا فقيرة وهشة.
 
ان اشكالات كتلك قد تتقلص وتنسحب اثر جهد واضح وجميل، ففي قصيدة "حكاية كل يوم ..." ص 81 نجد شيئا جديدا هو التواصل الجارف في ايقاعات القصيدة، الترابط الواعي لاجزائها، وهنا كان للشعر صوته النامي:
تغيبين وابقى بعدك قشا أتناثر في الريح، وتنكرني الأعين، يصبح رأسي حجرا ضخما، أحمله رغما عني .
 
* من أولى مقالاتي في نقد الشعر ونشرت في مجلة "الثقافة" العام 1979


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM